"قاعدة" اليمن.. من "وهم" التمكين إلى "حقيقة" التيه
منذ الإعلان عن ولادته عام 2009م عمل تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، الذي يتّخذ من اليمن مقرّاً له، لأهداف محدّدة، أبرزها ضرب نظام الرئيس اليمني السابق، على عبد الله صالح حتّى إسقاطه، لإقامة مشروع حكم إسلامي بعد ذلك.
خلال عامي 2009 و2010م، نفّذ التنظيم عدداً كبيراً من العمليّات ضدّ منتسبين للقوّات الحكومية من الشرطة والجيش والإستخبارات، في أكثر من محافظة يمنية. وكان لمحافظات أبين، لحج، شبوة، حضرموت، ومأرب، نصيب الأسد من تلك العمليّات.
إلى جانب ذلك، تمكّن التنظيم من تنفيذ عمليّات عابرة للحدود، كاستهداف نائب وزير الداخلية السعودي سابقاً (وليّ العهد حالياً)، محمّد بن نايف، داخل قصره في مدينة جدّة السعودية في 27\9\2009، وكعمليّات الطرود المفخّخة التي أُرسلت إلى معابد يهودية في الولايات المتّحدة الأمريكية، عبر طائرة شحن مرّت من مطارات الإمارات وألمانيا قبل اعتراضها من قبل السلطات البريطانية في 30\10\2010، بالإضافة إلى عملية الشاب النيجيري، عمر الفاروق، في 24\12\2009، والتي فشلت في تفجير طائرة تقلّ ركّاباً من مطار أمستردام الهولندي إلى مدينة ديترويت الأمريكية.
وبدافع القلق من تنامي نفوذ وقوّة التنظيم في المحافظات الخمس، دعمت الولايات المتّحدة الأمريكية وبريطانيا فكرة تشكيل وحدات عسكرية مدرّبة في تلك المحافظات؛ غير أن الفكرة أُلغيت مطلع العام 2011م بعد اندلاع الإحتجاجات الشبابية المطالبة برحيل الرئيس السابق صالح، في سياق ما عُرف بثورات "الربيع العربي".
جيش "القاعدة"
في عام 2010م أعلن التنظيم عن وضع اللبنات الأولى لـ"جيش عدن ـ أبين الإسلامي"، وهي التسمية التي يُقال إنّها وردت في الأحاديث النبوية.
لكن التنظيم أعلن، أيضاً، عدم قدرته على استقبال مقاتلين جدد، لأسباب مالية وأمنية، مرجئاً ذلك إلى حين "الظهور" الذي يعني "السيطرة والتمكين"، والذي بدا من خلال الإعلان أنّه غير بعيد.
فرصة
مطلع العام 2011م، شهدت العاصمة صنعاء احتجاجات شبابية للمطالبة برحيل الرئيس السابق صالح، على غرار ما حدث في تونس ومصر، الأمر الذي جعل صالح يشعر بقلق حقيقي، أطلق معه التحذيرات، من تأثيرات ما يمكن أن ينتج عن "سقوط النظام"، وتحدّث، في السياق، عن إمكانية سقوط هذه المحافظات الخمس بيد تنظيم "القاعدة"، بينما كان خصومه يعتبرون تحذيراته محاولة لإثارة مخاوف الغرب.
وخلال أسابيع، اتّسعت رقعة الإحتجاجات لتشمل محافظات أخرى في شمال اليمن وجنوبه، الأمر الذي جعل الرئيس السابق يشعر بقلق حقيقي، خصوصاً بعد نجاح احتجاجات مصر في الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق، محمّد حسني مبارك. وكان طبيعيّاً أن يعطي صالح الأولوية للخطر
لم يعد من أهداف تنظيم "القاعدة" في اليمن إضعاف النظام الحالي، مثل ما كان في السابق
الذي يتهدّد وجوده، لكن خصومه السياسيّين اتّهموه باستغلال مخاوف الغرب من الإرهاب لصالح مخاوفه من الثورة، عبر إثارة موضوع "القاعدة" في الجنوب. أمّا تنظيم "القاعدة" فقد وجد في انشغال صالح بالإحتجاجات فرصة يمكن أن تختصر عليه الطريق إلى مشروعه.
ومع خروج الإحتجاجات الشبابية عن طابعها السلمي المعلن إلى عمل مسلّح هدف إلى السيطرة على بعض المناطق، اضطر صالح إلى سحب بعض الألوية العسكرية مع معدّاتها من عدد من المحافظات، بينها محافظتا أبين وشبوة، إلى العاصمة صنعاء. وجد تنظيم "القاعدة" طريق السيطرة على محافظتي أبين وشبوة سالكاً، لكنّه حرص على عدم إثارة حسابات الحرب على الإرهاب التي قد تعيد الحرب عليه كأولوية، وذلك حين سيطر على أجزاء واسعة من المحافظتين في أواخر مايو 2011م باسم "أنصار الشريعة"، وليس باسم "القاعدة".
"نفير عام"
بعد 3 أشهر من سيطرة تنظيم "القاعدة" على معظم محافظة أبين وعلى أجزاء من محافظة شبوة، دعا التنظيم المسلمين لـ"النفير العام" إلى مناطق سيطرته، التي بدأ بإقامة نموذج "حكم إسلامي" فيها. و"النفير العام" مصطلح إسلامي جهادي يعني استنفار عامّة الناس لمواجهة العدو.
كما أعلن التنظيم أنّه بات مستعدّاً لاستقبال وتجهيز كلّ من سيلتحق به.
حكم وحرب
شكّل تنظيم "القاعدة" عدداً من اللجان لإدارة المحافظتين، بالإضافة إلى جهاز قضائي وآخر أمني، عدا عن محكمة شرعية، كخطوة أولى في طريق بناء نموذج إدارة مكتمل لدولة اعتقد أنّها آخذة في التوسع، كما شرع التنظيم في تقديم عدد من الخدمات للمواطنين، لاستمالتهم إلى صفّه.
إلى جانب إدارة التنظيم لمناطق سيطرته، كان عليه أن يدير حرباً من تلك المناطق ضدّ بعض الألوية العسكرية المرابطة في مشارف مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين جنوبيّ اليمن. وقد حرصت تلك الألوية على الحيلولة دون تمدّد تنظيم "القاعدة" إلى محافظات أخرى، خصوصاً عدن، وإلى فكّ الحصار الذي يفرضه التنظيم على اللواء 25 ميكانيكي في ضواحي زنجبار.
ولم يكن لدى الألوية المذكورة القدرة على استعادة المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، ولا الرغبة في ذلك قبل أن يترتّب وضع سياسي أو عسكري في العاصمة صنعاء.
تحرّك دولي
ضغط الخارج الإقليمي والدولي على أطراف الصراع في اليمن للتوقيع على حلّ سياسي، خشية أن يسهم استمرار الصراع في تنامي نفوذ تنظيم "القاعدة"، خصوصاً بعد سيطرته على مدينة رداع في محافظة البيضاء مطلع العام 2012.
ويرى مراقبون أن الهدف من التوقيع على الإتّفاق السياسي كان عسكريّاً بامتياز، إذ سيكون على أطراف الصراع في اليمن أن تنهي حربها البينية لتخوض، مجتمعةً، حرب أمريكا ضدّ "القاعدة" في أبين وشبوة، وهو ما حدث تماماً.
نهاية الدولة والجيش
بعد أقلّ من شهرين على توقيع الإتّفاق السياسي، "المبادرة الخليجية"، تمكّنت قوّات الجيش والأمن ومسلّحون قبليّون موالون للحكومة، وبدعم جوّي من الطيران الحربي يمني والسعودي بالإضافة إلى الأمريكي دون طيّار، من استعادة المناطق التي سيطر عليها التنظيم في المحافظتين.
أمّا تنظيم "القاعدة" فقد حثّ القبائل، في رسالة لهم من قبل من يوصف بأنّه "مسؤوله الشرعي"، عادل العباب، على استقبال وإيواء عناصر التنظيم المنسحبة من محافظتَي أبين وشبوة.
ضدّ الفكرة
ورغم إشادة تنظيم "القاعدة" بنموذج الإدارة الذي قدّمه، وحديثه عن مكاسب كبيرة تحقّقت خلال سيطرته على تلك المناطق، إلّا أنّه لم يسع إلى تكرارها بعد ذلك، واكتفى بالإسقاط "الجزئي المؤقّت" للمدن، كما حدث في البيضاء وسيئون عام 2014م، أو بالسيطرة دون حكم، كما حدث في عدن وأبين ولحج وحضرموت الساحل عام 2015م؛ إلى جانب توصّل التنظيم إلى نتيجة مفادها بأن القدرة على السيطرة على المناطق لا تعني القدرة على الإحتفاظ بها. هكذا، وفي ظلّ الإحتشاد الدولي ضدّ الإرهاب، وجد "القاعدة" نفسه مضطراً للعمل ضدّ فكرة السيطرة وإقامة دولة، هرباً من تبعاتها التي تحتّم عليه مبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية".
من هنا لم يعد من أهداف تنظيم "القاعدة" في اليمن إضعاف النظام الحالي، مثل ما كان في السابق، كما أن ذلك لم يعد من صالحه أيضاً، كونه ينتهي إلى فراغ قد يسدّه تنظيم "الدولة"، ألدّ خصومه الحاليّين.
ويبدو أن التنظيم في اليمن، رغم إمكاناته الكبيرة، يعيش مرحلة تيه قد تنتهي بإضعافه إلى أبعد حدّ.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها