عودة الشيعة إلى المشهد اليمني
عدن بوست - متابعات: السبت 24 يناير 2015 06:36 مساءً
في عام 2007، عند بدء الجولة الرابعة من الحرب القاتلة في صعدة بين الرئيس اليمني السابق “علي عبد الله صالح” وبعض أعضاء الأقلية الشيعية الزيدية “الحوثيين”، راهن القليل على زعيم المتمردين “عبدالملك الحوثي”؛ الذي أصبح اليوم الرجل الأقوى في السياسة اليمنية. ولد زعيم الحركة المسلحة التي تحمل اسمه، والنشطة في منطقة صعدة الشمالية في عام 1982، وتولى السلطة بعد شقيقه الأكبر، الذي قتل في عام 2004.
طالب الحوثيون بإظهار هويتهم المهمشة في هذا البلد الذي يرتكز على الشيعة الزيدية (حوالي ثلث السكان)، والسنة الشافعية (الأغلبية). وللاستفادة من التقارب التاريخي بين الانتماء الديني، فإن غالبية النخب وجزءًا كبيرًا من السكان، تخلت عن هذا الانتماء لصالح الهوية الإسلامية الأكثر عالمية. أقارب إيران وحزب الله، يدعمون نظام بشار الأسد في سوريا ويرددون في مضاهاة شعارات معادية للولايات المتحدة وأخرى مماثلة لمحاربة إسرائيل (مثل تلك التي ظهرت في شوارع طهران في عام 1979)، كما بدأت تظهر الاحتفالات الشيعية في صنعاء منذ عودتهم (مثل: احتفال عاشوراء).
في أعقاب الانتفاضة السلمية عام 2011، ورحيل الرئيس صالح؛ بدا الملعب السياسي حرًا للمعارضة المتمثلة في حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهو تحالف بين الإخوان المسلمين وبعض النخب القبلية المحافظة.
وفي ذروة حشد عام 2011، كان للدعم اللوجستي والبشري الذي قدمه الحزب “الإسلامي- القبلي” دور كبير وفعال بالتأكيد للحركة الثورية، خدم الجماهير الغاضبة. تشكلت حكومة الوحدة الوطنية في نوفمبر عام 2011 لدعم التحول السياسي اللاحق لاستقالة صالح، وتدريجيًا أوكلت أجهزة الأمن لعدد متزايد من أقارب حزب الإصلاح. ظهر قادته في النهاية كحلفاء أساسيين للرئيس بالوكالة “عبد ربه منصور هادي”، ولعبوا دورهم في لعبة التحول، منادين بالشرعية الثورية. ولذلك؛ فإن سير التجمع اليمني للإصلاح نحو السلطة كان يبدو أكثر من المحتمل. لكن الهجوم الذي واجهه الإخوان المسلمين في منطقة الشرق الأوسط غير قواعد اللعبة، لتكون صنعاء منالًا سهلًا في أيدي الحوثيين، المعارضين لحزب الإصلاح، وازدادت قوتهم مع الإطاحة برئيس مصر المنتخب “محمد مرسي” من قبل الجيش في 3 يوليو 2013.
حرص قادة حزب الإصلاح على عدم الظهور في الصف الأول كي لاينطبع في أذهان الثوار أنهم صادروا العملية الثورية. لكن حليفهم القبلي والعسكري، الذي يلعب دورًا رئيسًا في الجذور الاجتماعية، تسبب في سقوطهم. استهدف الهجوم الحوثي على صنعاء أولًا “علي محسن” الذي ساهم في سقوط الطاغية في مارس 2011، لكنه هرب إلى المملكة العربية السعودية في 21 أيلول عام 2014، وأشار كثيرون أيضًا إلى أن الرئيس السابق “صالح” قد دعم المتمردين، لاسيما أن الجنود لازالوا موالين له وليس للدولة. وفي يوم سقوط صنعاء بأيدي الحوثيين، نشر صالح صورة له في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وهو يبتسم “ابتسامة المنتصر الساخر”.
خضع الأبناء العشرة لعبد الله الأحمر، مؤسس حزب التجمع اليمني للإصلاح، وممثل صورة القبيلة الكبرى الذي توفي في عام 2007؛ لضغوط من الحوثيين، وفقدت عشيرة الأحمر في حربها ضد المتمردين، تدريجيًا دعم القبائل الشمالية في العاصمة، الأمر الذي يشكل تحولًا عميقًا على الصعيد القبلي. أغلق الحوثيون في أسرع وقت الجامعة الدينية “الإيمان”، التابعة لعبد المجيد الزنداني، الشخصية المثيرة للجدل من حزب الإصلاح ورفيق سابق لأسامة بن لادن، ودمروا منزل توكل كرمان، الناشطة الليبرالية في الحقل الإسلامي والحائزة على جائزة نوبل للسلام في عام 2011، مما أجج التوترات الطائفية بين مؤيدي الشيعة الزيدية والإسلاميين السنة. ركز الزعيم الحوثي والمتحدث باسمه “علي البخيتي” على البعد العالمي في هجومهم، وهو حماية ثورة 2011.
كان توقف الدعم الحكومي للمشتقات النفطية في يوليو عام 2014 بمثابة الزناد لمسيرة الحوثيين إلى صنعاء، حيث بدأ الحوثي وأنصاره بالتحدي لتضاعف أسعار الوقود وانخفاض القوة الشرائية، مطالبين بإقالة الحكومة الفاسدة، وتنفيذ قرارات طموحة لمؤتمر الحوار الوطني التي لم يكونوا يؤيدوها عندما تم اعتمادها في يناير 2014، في مجال مكافحة الفساد، ومشاركة المواطنين في الحياة السياسية وتقاسم السلطة، مثل هذه المطالبات وفرت للحوثي قاعدة اجتماعية وسياسية تجاوزت صفوف الزيدية، وهذا يفسر جزئيًا المقاومة الضعيفة التي واجهوها أثناء تقدمهم إلى صنعاء، ولتجنب التمزق وتصاعد العنف، في هذا الصدد، شاركت الأمم المتحدة وممثلها الخاص، المغربي جمال بنعمر، في توقيع اتفاق بين الحوثيين والسلطة في 21 سبتمبر.
بعد فشل المرشح الأول، سمح تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة “خالد بحاح” بدمج الحوثي، وإن كانت لا تزال الميليشيات المسلحة تحتل المباني العامة، ومن ثم لم يعد الحوثي يمثل تمردًا جغرافيًا واجتماعيًا، إنما أيضًا شريحة مركزية للسلطة. يقول “لورنت بونفوي” في مقاله في صحيفة لوموند الفرنسية: للتغلب على واقع البعد الطائفي، يجب على الحوثيين إثبات أنفسهم، المسؤولية ثقيلة والتوترات مع القوى السنية قوية بشكل خاص. بعد أيام قليلة من احتلال صنعاء، هدد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة التمرد ووضعوا خطتهم موضع التنفيذ، ليفجر أحد الجهاديين نفسه وسط صنعاء يوم 9 أكتوبر، مما أودى بحياة 53 قتيلًا. وفي الوقت نفسه، نظم يحي الهجوري، المدير السابق لمعهد دماج السلفي، مؤتمرات في عدن وتعز والمناطق السنية بشكل خاص، داعيًا إلى التعبئة ضد أولئك الشيعة الروافض. يساهم تحليل الدوافع الاجتماعية والسياسية أو الدعم الاستراتيجي من سكان صنعاء للحوثيين بفهم القراءة الطائفية للقضية، هذا التحليل المرتبط مباشرة بنظام صالح، وإيران. بالنسبة للسلطة الإقليمية والتدخل الذي ميز تاريخ اليمن، لعبت المملكة العربية السعودية دورًا أكثر تعقيدًا مما يبدو.
ترى القراءة المهيمنة في العالم العربي، صمت الدبلوماسية السعودية إزاء الهجوم الحوثي نتيجة معاداة جماعة الإخوان المسلمين، وإقامة الحوثي تحالف استراتيجي مع إيران. وربما يكون تعبيرًا عن الضعف الهيكلي في الرياض حيث تميزت السياسة السعودية تجاه اليمن بالعجز وعدم القدرة على التصرف، وهذا العجز ليس خصوصية سعودية، بل اتسمت به أيضًا سياسة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، رغم دعمها، مثل دول الخليج، للانتقال السياسي والرئيس هادي، واقتصرت سياسة كلا منها على الاستخدام المكثف للطائرات بدون طيار ضد القاعدة في جزيرة العرب ودعم الدولة المركزية وتقييد الهجرة.
التقرير
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها