الجنوب.. انقسامات تعيد نفسها وتحالفـات تتشكل من جديـد
ظهرت الانقسامات على المشهد الجنوبي كأبرز ملامح الفترة الراهنة والتطورات التي تشهدها البلاد، ومع ما يكتنف المشهد في الجنوب من غموض يتعلق بالقضية الجنوبية وملابسات حلها، تبدو مواقف القوى والتيارات السياسية والأطراف المعنية بالعملية السياسية مختلفة ومتناقضة ومتصارعة أحيانا.
وقد ظل الحراك الجنوبي منقسما لسنوات بين تيارين رئيسين هما: تيار الانفصال وتيار الفيدرالية، والأخير ظل منقسما بين فريقين، أحدهما يقوده الثنائي علي ناصر والعطاس وينخرط فيه كثيرون من معارضة الخارج، والآخر يقوده الثنائي عبدالرحمن الجفري ومحسن بن فريد، ويضم حزب الرابطة وحلفاءه من الرموز الجنوبية السابقة خصوصا بعض أبناء سلاطين وأمراء ومشائخ الإمارات الجنوبية الذين غادروا الجنوب عقب ثورة أكتوبر 1963م.
وبعد الثورة الشعبية وما نتج عنها من توقيع المبادرة الخليجية وإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة وانطلاق مؤتمر الحوار الوطني، بات الانقسام في صفوف الحراك على ضوء هذه المستجدات بين تيار آثر التعامل بواقعية معها ومن ثم بدأ التعاطي الإيجابي مع الثورة والسلطة الجديدة.
وعلى النقيض من ذلك ظل التيار الآخر في الحراك، خصوصا المرتبط بنائب الرئيس السابق علي سالم البيض، متمسكا بموقفه الرافض لكل التحولات التي أفرزتها الثورة والمرحلة الانتقالية والنظر إليها باعتبارها مؤامرة تهدف إلى القضاء على الحراك وطمس القضية الجنوبية.
وفيما انخرطت بعض قيادات الحراك في العملية السياسية –بشكل أو بآخر- ظل التيار الرافض جانحا نحو التصعيد في الشارع باستخدام بيانات التحريض وفعاليات العصيان والاحتجاجات المستمرة، وصولا لما بات يطلق عليها "المليونيات".
وبينما استفاد الفصيل الذي انخرط في مجريات الفعل السياسي الرسمي من الدعم والتأييد الذي تحظى به القيادة السياسية الجديدة خصوصا من دول الجوار والدول الراعية للمبادرة الخليجية، وجد فصيل البيض نفسه في خندق واحد مع قوى داخلية وخارجية ليس من مصلحتها نجاح المبادرة وإنجاز التداول السلمي للسلطة، وإن ظل ينكر وجود هذه العلاقات إلا أن وقائع وحقائق تضمنتها تقارير إعلامية نشرت داخل اليمن وخارجه كانت أكثر إفصاحا عن علاقة جديدة طرفاها فصيل البيض المقيم في بيروت ومرجعيات شيعية في لبنان وإيران، وهي العلاقة التي كشف عنها أكثر من مسئول حكومي يمني وباتت محل سخط شعبي ورسمي متصاعد.
وفي الفترة الأخيرة انقسم تيار البيض بين فصيلين رئيسيين، أحدهما بقيادة البيض والآخر بقيادة حسن باعوم، الذي يحظى بشعبية في أوساط الحراك، واستطاع أن يكسب إلى صفه كل المتذمرين من إدارة البيض، وبات الانقسام واضحا في الفعاليات الأخيرة منذ مؤتمر مجلس الحراك الذي عقده باعوم وحلفاؤه أواخر العام الماضي وقاطعه فريق البيض ثم أصدروا بيانا أعلن فصل القيادات المشاركة في المؤتمر من قوام مجلس الحراك.
بقايا النظام منقسمة
بقايا النظام انقسمت بدورها إلى فصيلين: أحدهما لا يزال يتبع الرئيس المخلوع وهؤلاء غالبا ممن لم تكن لهم مواقع حساسة في الدولة وحزب المؤتمر، ويشعرون أن الثورة وبعدها المبادرة الخليجية نزعت البساط من تحتهم، فهم يعملون جاهدين بما يتوافق ومخططات صالح ويعملون على إرباك الحكومة الحالية من خلال اختلاق الأزمات والمشاكل في المرافق التي يعملون فيها، وتشجيع ودعم القوى الداعية للانفصال والتحريض على العنف، وقد بدأ دورهم يتلاشى في السنة الأخيرة. أما الفصيل الآخر من المؤتمر فهم الذين انتقلوا للعمل تحت إدارة الرئيس عبدربه منصور ويعملون على تعزيز السلطة القائمة.
وبات في حكم المؤكد سعي كل فريق من الفريقين للبحث عن شركاء وحلفاء جدد بما يتوافق والأهداف التي يسعى لتحقيقها- ولو بشكل غير معلن- ومن ذلك ما يقوم به بقايا النظام من دعم وتأييد لتيار البيض في مواجهة تيارات الحراك الأخرى أو القوى السياسية خارج الحراك، حيث تتصدر أعمال هذا التيار واجهات وسائل إعلام صالح دون أن تخفي تعاطفها معه، خصوصا إذا كان التيار يستهدف حزب الإصلاح أو غيره من القوى المشاركة في الثورة الشعبية.
قوى الثورة الشعبية
بقي في المشهد الجنوبي قوة لا يستهان بها، وتتمثل بقوى الثورة الشعبية التي يمثلها (مجلس تنسيق القوى الثورية الجنوبية) الذي يضم عددا من الرموز والمناضلين القدامى والمكونات الثورية المتواجدة في مختلف المحافظات، كما يضم المجلس شرائح اجتماعية وفئات وتيارات سياسية لها حضور فاعل في المشهد.
ويتصدر هذه الجبهة حزب الإصلاح الذي صار يدفع ثمنا باهظا بحجم تواجده وثقله، ولوحظ في السنتين الأخيرتين أنه تعرض لهجوم مكثف من قبل التيار المتطرف في الحراك الجنوبي الذي يعتبر أن الإصلاح العقبة الوحيدة الباقية أمام تحقيق الانفصال.
وإزاء ذلك يمكن الحديث عن نشوء تحالفات جديدة بين قوى قديمة، أو نشوء قوى جديدة في الساحة خلال الفترة التي أعقبت اندلاع الثورة مطلع العام 2011 والتوقيع على المبادرة الخليجية أواخر العام نفسه.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار وجود هذه القوى (الحراك والمؤتمر والمشترك) قبل الثورة فإن القوة الجديدة التي تشكلت هي المكونات الثورية وتتألف في غالبيتها من الشباب الذين انخرطوا في فعاليات الثورة الشعبية والشخصيات السياسية والاجتماعية والمبادرات الشبابية والنسائية والمنظمات المدنية وغيرها.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها