تحرش جنسي بحصانة
أثارت قضية تحرش برلماني بطالبات جامعيات يقمن في سكن خيري خاص به في مدينة الحديدة جدلاً واسعاً في الشارع اليمني، في الوقت تعاملت الجهات الأمنية مع الحادثة وشكاوى الطالبات ببرود تام بحُجة "الحصانة البرلمانية"، الأمر الذي دفع مؤتمر الحوار بمطالبة البرلمان برفع الحصانة عنه، معتبراً ذلك جريمة مسنودة بقوة وسلطة الدولة وعبث مراكز النفوذ واستمرارها بممارسات لا أخلاقية.
و لأول مرة في اليمن تتقدم فتيات بشكوى تحرش جنسي في مؤتمر صحفي أمام وسائل الاعلام ضد شيخ ونائب برلماني.. حيث تمتنع الضحايا غالباً من تقديم شكاوى من هذا النوع في بلد يوصف بالمحافظ، خوفاً من ردة فعل الأهل الذي ربما تفقدهن حياتهن.
واتهمت الطالبات الجامعيات "أسماء، شيماء, انتصار" النائب/ علي أحمد الغبري بالاعتداء عليهن وحبسهن لثلاث ساعات في مؤسسته في شارع التحرير بالحديدة، والتحرش بهن وأنه ساومهن مع ثلاث من زميلاتهن على أنه سيوفر لهن شقة مفروشة أو أي فندق عند موافقتهن على الخروج معه والخضوع لنزواته.
وطالب فريق الحقوق والحريات بمؤتمر الحوار الوطني أمس الثلاثاء البرلمان برفع الحصانة عن النائب/ علي أحمد الغبري المتهم بالتحرش والاعتداء على طالبات جامعيات في الحديدة.
واستنكر الفريق عجز أجهزة البحث والأمن والنيابة العامة في الحديدة القيام بمسؤولياتها في التحري والبحث حول ما تعرضت له الطالبات، وقال: "إن ذلك يُعد جريمة مسنودة بقوة وسلطة الدولة وعبث مراكز النفوذ والتي يوفر لها قانون غير مفهوم غطاءً لاستمرار ممارساتها غير الاخلاقية وغير الشرعية".
وأضاف البيان: "بدلاً من حماية المواطنين والانتصار للضحايا ولمنطق العدالة السليم تتعطل كل حواس الحقيقة وكل أجهزة الدولة حتى العجز الكامل عن البحث في شكاوي ومن ثم الشروع في اتخاذ الخطوات القانونية اللازمة لمساءلة من يحظى بحصانة مستمدة ايضا من القانون".
ودعا البيان إلى رفع الحصانة عن النائب الغبري "وتمكين أجهزة الأمن والنيابة العامة التحقيق في تفاصيل القضية بكل شفافية وعدل"، مطالباً في الوقت ذاته "بتوفير الحماية والضمانات الامنية للمشتكيات الثلاث ولكافة أفراد عائلاتهن حتى الانتهاء من إجراءات التحقيق والتقاضي وإنفاذ أحكام القضاء العادل".
القصة
وعرفت الحديدة بالمدينة المسالمة وهي أهم صفات تهامة وهو ما جعلها عرضة لناهبي الأراضي وعرضة للانتهاكات الإنسانية.
"لم يكتفِ النافذون بانتهاك أراضينا حتى انتهكوا أعراضنا", هكذا بدأت الطالبة انتصار حديثها أول ما جلست على الكرسي أمام القنوات ووسائل الإعلام المحلية والدولية الاثنين في مؤتمر صحفي نظمته "هود".
وأضافت "مشرفة السكن كانت تعمل كوسيط بين الطالبات في السكن وبين شباب آخرين يقدمون عبرها الهدايا من عطور وبخور ويتبع ذلك ممارسات غير أخلاقية، وعندما قدمنا شكوى إلى الشيخ الغبري أمرنا باتباع تعليمات المشرفة ثم تبع ذلك تهجم أحد مرافقيه علينا في الغرف نحن بثياب المنزل".
ويضم السكن الخيري التابع للشيخ الغبري عضو مجلس النواب عن الدائرة 171، الذي افتتح قبل ثلاث سنوات مبنى خيري لحوالي 40 طالبة جامعية أغلبهن من الفقراء اللاتي يقدمن للدراسة من مناطق بعيدة من الأرياف.
تهجم الشيخ
وقالت الطالبات إن الشيخ بعدها تهجم عليهن في السكن وحجز حريتهن داخل مؤسسة تابعة له، وطلب منهن الذهاب معه إلى فندق أو إلى شقة مفروشة، ثم استخدم الأمن لملاحقة أهاليهن الفقراء وإرغامهم على التوقيع على أوراق يجهلون ما فيها.
وكشفت الطالبة انتصار أن الشيخ علي الغبري حاول التحرش بإحدى زميلاتها بعد محاولته إقناعهن بالذهاب إلى أحد الفنادق بمحافظة الحديدة و بعد أن أمر أحد حراسه المدعو "محمد عمر" بالدخول إلى السكن التابع له بدون سابق إنذار وما تزال الفتيات بوضع غير لائق, مستخدماً الألفاظ القذرة -حسب قولها- مؤكدة أن الحراسة التابعة للشيخ أرغمتهن على الذهاب إلى المؤسسة الخيرية وتم احتجازهن لمدة 3 ساعات .
يوزع البخور والقات
فيما أوضحت الطالبة شيماء أن الشيخ يقوم بتوزيع البخور والقات على الطالبات عن طريق المشرفة التابعة للسكن والمكلفة منه، مطالبة رئيس الجمهورية/ عبدربه منصور هادي والنائب العام, حماية أسر الفتيات والشهود, كون حياتهم معرضه للخطر من قبل عضو مجلس النواب.
وقالت الطالبات إنهن يطالبن بحمايتهن وحماية أهاليهن والشهود من الإيذاء الذي يمكن أن يتعرضوا له على خلفية هذه القضية، وأكدن أنهن توجهن بالشكوى إلى النيابة التي أحالت القضية للبحث الجنائي غير أنه رفض مباشرة أي إجراء بحجة أن الشيخ لديه حصانة برلمانية وأن الحصانة تشمله ومرافقيه وهو الأمر الذي قال عنه المحامي/ عبد الرحمن برمان إنه يدعو للسخرية والحزن في وقت واحد.
قد يقتلنا الشيخ
ورداً على سؤال "ماذا يمكن أن يكون رد فعل الشيخ ضدكن؟" قالت انتصار: "القتل", وأضافت: "ربما يقتلنا الشيخ ونحن نطلب منكم الحماية".
وأشارت انتصار إلى أنها ورفيقاتها لجأن للنائب العام، والذي بدوره لم يستطع اتخاذ أي شيء سوى توجيه خجول للنيابة بالحديدة، بالنظر في الشكوى، وهو ما أكده المحامي عبدالرحمن برمان أن الطالبات قابلن المحامي العام الأول مطلع الأسبوع، وقال:" إنهن خرجن بخيبة أمل مؤسفة لدرجة أن إحداهن حاولت الانتحار ."
وأردفت انتصار: "النائب العام أخبرنا أن نلجأ للصحافة والمنظمات للدفاع عن شرفنا" .
خلل تشريعي
من جهته قال المحامي/ عمار الشامي إن قانون العقوبات اليمني ينطوي على خلل تشريعي يجعل من كثير من الممارسات غير الأخلاقية أموراً سهلة فجريمة الفعل الفاضح لا تتجاوز عقوبتها السجن لستة أشهر أو غرامة ألف ريال أي أقل من خمسة دولارات، وقال الشامي إنه لابد من تعديلات قانونية تتناسب عقوباتها مع بشاعة الجرائم وتطور وسائلها.
حملات ضد التحرش
ويعتبر التحرش الجنسي واحداً من أبرز كوابيس المرأة اليمنية التي تواجهها بشكل يومي في الشارع, في الأسواق, في وسائل المواصلات العامة, في العمل والمدرسة والجامعة، وبرغم أن الأمر أصبح ظاهرة ينكر تفشيها الكثيرون في المجتمع، في ظل تجاهل الصحافة للأمر وعدم الالتفات والاهتمام إلى الظاهرة لمحاربتها والضغط لتفعيل قانون صريح يجرمها، إلا أن الناشطة اليمنية/ غيداء العبسي بدأت حملتها "شوارع آمنة" منذ قرابة العام في صفحتها على الفيس بوك وأنتجت فيلماً توعوياً عن الظاهرة من أجل رفع مستوى وعي الفتيات لمواجهة أي تحرش قد يتعرضن له وكيف يتخلصن منه ويدافعن عن أنفسهن في ظل عدم وجود تشريع قانوني يحميهن وعدم قدرتهن على الإفصاح عما يتعرضن له.
وبحسب غيداء العبسي ـ مديرة حملة «شوارع آمنة» ـ فإن الحملة التي انطلقت في (أغسطس) العام 2012م لمكافحة التحرش الجنسي بالنساء، تضمنت عدداً من النشاطات منها فيلم قصير ومعرض رسوم كاريكاتورية، كما يجري العمل لإصدار كتاب يتضمن قصصاً واقعية لنساء تعرضن للتحرش.
أرقام
وتظهر إحصائية نشرتها جريدة "الحياة" اللندنية في تقرير عما تتعرض له نساء اليمن من تحرش جنسي أن 90 ٪ من اليمنيات يتعرضن للتحرش الجنسي من أنواع مختلفة، وأن التحرش الجنسي في اليمن ينتشر على نطاق واسع، فيما تفيد دراسة قامت بها "مؤسسة أثر للتنمية" وبدعم من (MEPI) توضح أن 98.9 % من النساء اليمنيات يواجهن التحرش الجنسي, كما تناولت إحدى المنظمات في دراسة ميدانية حول تحرش الذكور بالإناث وتوصلت إلى أن أكثر من (95%) من النساء تعرضن للتحرش، بينهن ناشطات سياسيات تعرضن للتحرش داخل الأحزاب السياسية الآتي ينتمين إليها.
جرائم شرف
وتخشى اليمنيات التقدم بشكوى من هذا النوع إلى جهات الاختصاص بسبب ثقافة العيب الاجتماعي ونظرة الناس مخافة تداول الواقعة على ألسنتهم والخوف والفضيحة أمام المجتمع، وخوفاً مما قد يترتب عليه في أسوأ الأحوال من عواقب من قبل الأهل والأقارب ربما تصل إلى القتل، حيث يؤكد مراقبون أن هناك الكثير من جرائم الشرف ترتكب في اليمن وأن الكثير من أخبار انتحار الفتيات في اليمن التي تتناقلها وسائل الإعلام والتقارير الأمنية ليست أكثر من جرائم شرف تتم في الخفاء ويتم التستر عليها بانها حوادث انتحار بدافع الفقر والحالات النفسية.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها