رهانات "ترامب" في الشرق الأوسط
حاولت صحيفة "نيويورك تايمز" استشراف تداعيات فوز ترامب المفاجئ في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وانعكاساته المرتقبة على علاقات واشنطن وتحالفاتها في الشرق الأوسط، والعالم. ورأت الصحيفة أن المملكة العربية السعودية "تأمل أن يتخذ ترامب موقفاً متشدّداً حيال إيران"، فيما ترى مصر أنه "بإمكانها القيام بأعمال (كثيرة) مع من لن يكون في وارد فتح المجال للنقد أو الجدال حول مسألة حقوق الإنسان".
وركّزت الصحيفة الأمريكية على أن الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، وبصفته "قائداً عاماً للقوات المسلّحة"، سوف يتعيّن عليه الإبحار وسط "العديد من المشاكل نفسها" التي سبق للرئيس أوباما أن خاض في غمار تحدّياتها، لا سيما في الشرق الأوسط، من "انهيار مؤسسات الدولة، مروراً بالحروب الأهلية المستعرة، وصولاً إلى الجماعات الجهاديّة المتطرفة التي تتسبب بعنف هائل"، مشدّدة على أن "الفوضى على امتداد المنطقة قد أكسبت الرجال الأقوياء (من قادة وزعماء الإقليم)، قدراً من التقدير والاحترام"، حيث أن العديد من هؤلاء القادة "يأملون من أن يسهم ترامب، من موقع الرئاسة، في تحويل الأمور لصالحهم".
وتابع التقرير، الذي أعدّه بن هوبارد، وآن برنارد، بالقول إن "بعض خطط ترامب للمنطقة تبدو متناقضة مع بعضها البعض، كمقترح إنشاء منطقة آمنة للمدنيّين في سوريا، مع التعهّد بالعمل مع روسيا التي قصفت المدنيّين"، مضيفاً أن في كلا الأمرين "خروجاً كبيراً عن سياسات (حقبة) أوباما، التي شهدت تصاعد التوتّر بين الولايات المتحدة، وبعض حلفائها التاريخيّين في المنطقة، مثل إسرائيل، ومصر، والمملكة العربيّة السعوديّة"، مشيرة إلى "عدم وضوح الرؤية، فيما إذا كانت المبادرات (الأمريكيّة) الجديدة سوف تتكفّل بإصلاح الضرر". يخشى كثيرون في المنطقة من أن تمهّد لغة ترامب "الحربيّة" إلى المزيد من التدخل العسكري
ونقل التقرير أجواء "السعادة" التي عايشها أنصار الرئيس السوري، بشار الأسد، بعيد انتخاب ترامب، ومناخ القلق الذي تردّدت أصداؤه في بعض العواصم العربيّة، كالرياض، إذ جاء التقرير على ذكر تصريحات الكاتب السعودي الشهير، جمال خاشقجي، الذي دعا الرئيس الأمريكي المنتخب إلى أن يكون واضحاً فيما يخص سياسته المرتقبة تجاه السعودية في الأمن والاقتصاد، حتى يتسنّى للأخيرة معرفة كيفية التعامل معه.
وبحسب التقرير الذي حمل عنوان "صراع جديد في الشرق الأوسط: ما العمل مع ترامب؟"، يخشى كثيرون في المنطقة، التي ما زالت تتأثر بتداعيات الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، من أن تمهّد لغة ترامب "الحربيّة" إلى "المزيد من التدخل العسكري، أو الاحتلال"، مع الإشارة إلى أن "الثناء" الذي كاله الرئيس المنتخب لبعض الممارسات بحق المعتقلين، مثل الإيهام بالغرق، "أعاد إلى الأذهان التجاوزات داخل معتقل غوانتانامو".
وذكّرت الصحيفة الأمريكية بكلام ترامب خلال تجمّع انتخابي العام الماضي، حين تعهد بالقضاء على تنظيم "الدولة الاسلامية"، واقتراحه أن "تتولّى شركات النفط إعادة إعمار البنى التحتيّة النفطيّة التي استخدمها الجهاديّون"، مهدّداً بنهب النفط، الأمر الذي استنكره مندوب العراق لدى الأمم المتحدة، محمّد على الحكيم، معرباً عن أمله بأن "تبقى الحرب على الإرهاب أولويّة للرئيس المنتخب"، وتطلّع بلاده "للعمل مع الإدارة الجديدة".
كما نقلت "نيويورك تايمز" عن أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الامريكية في بيروت، باسل صلّوخ، قوله "إن العالم العربي، لطالما احتفظ بصورتين عن الولايات المتحدة"، تفيد إحداها بأن الأخيرة تعد "حاملة لواء قيم الديمقراطيّة وحقوق الإنسان"، فيما تفيد الأخرى بأن الولايات المتحدة هي قوة "تدخّل"، أو "فتوّة" (في العالم). وأشار صلّوخ للصحيفة إلى أن فوز ترامب يخدم صورة "الفتوّة" عن أمريكا، حيث أن "الضحيّة الأكبر لهذه الانتخابات هي الفكرة القائلة إن أمريكا تتزعّم العالم الديمقراطي (الحر) عبر القوّة الناعمة".
إلى ذلك، أضاف تقرير الصحيفة أن "البعض رحّب بالتغيير"، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي دعا الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد رتامب، إلى زيارة بلاده، ليكون أول زعيم في العالم يهنىء ترامب بفوزه الانتخابي، لا سيما وأن الرئيس أوباما أخذ مسافة من النظام المصري "بسبب سياساته القمعيّة"، لافتة إلى ما عبّر عنه الإعلامي المصري، عمرو أديب، والمقرّب من الحكومة، من أن الإدارة الأمريكية الجديدة "مختلفة" عن سابقتها، و"قد تكون ملائمة للسيسي"، واصفاً ترامب بالشخص الذي "يمكن التعامل معه"، بعكس منافسته كلينتون التي كانت سوف تركّز على "الحديث بشأن حقوق الإنسان".
في المقابل، أوردت "نيويورك تايمز" أن هناك القليل من الذين يتوقعون أن يقدم ترامب على "الضغط على حكومات الشرق الأوسط بشأن (ملف) حقوق الإنسان"، أو أن يقوم "بنشر الجيش الأمريكي لحماية المدنيين"، مع الإشارة إلى أن أنصار الرئيس بشار الأسد كانوا من أبرز مؤيّدي وصول ترامب إلى البيت الأبيض، فيما شخصيات المعارضة السورية، التي راهنت على وصول كلينتون لـ"الضغط عسكريّاً" على نظام الأسد، لديها شعور من الخيبة والخوف. وفي هذا الإطار، أوردت الصحيفة حديث المعارض السوري، ورئيس مجلس الإدارة في منظمة "اليوم التالي"، مرهف جويجاتي، والتي عبّر فيها عن خوفه من نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، والتي أسفرت عن وصول شخص "يقول صراحة أنه سوف يركن إلى الروس بشأن سوريا"، ما يعد، وفق جويجاتي، "انتصاراً واضحاً لنظام الأسد".
كذلك، ألمح التقرير إلى وجود رغبة لدى قادة الخليج بأن يكون هناك "مسار جديد" للعلاقات مع واشنطن، وفق ما أفاد به مدير قسم الأمن والدفاع في "مركز الخليج للأبحاث"، إذ عبّر للصحيفة بالقول إن ابتعاد أوباما عن نهج التدخّل العسكري في الشرق الأوسط قد أهمل حلفاء أمريكا، على نحو "أوجد فراغاً عملت كل من إيران، وروسيا، وداعش، على استغلاله لصالحها، ولزعزعة استقرار المنطقة"، مشدّداً على أن "صنّاع القرار سعداء بأن التغيير سوف يحدث، وأنه سوف تكون هناك سياسة خارجية أمريكية أكثر قوّة، في الشرق الأوسط"، دون أن تكون "متذبذبة" كما كان عليه الحال في عهد أوباما، وفق ما أفاد به العاني لـ"نيويورك تايمز".
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها