البنطلون الحرام في أمريكا
عدن بوست - متابعات: الاثنين 30 نوفمبر 2015 12:53 صباحاً
عدن بوست: قبل بدايات القرن التاسع عشر لم يكن حق النساء في المشاركة الانتخابية بديهيًا كما هو الحال في يومنا هذا في أرجاء العالم بما فيها كبرى الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. والمثير في الأمر أن الدعاوى التي كانت تطلق في مواجهة المطالبة بحق المرأة في التصويت في بريطانيا وأمريكا على سبيل المثال لم تكن تختلف كثيرًا عن تلك التي يحلو للكثيرين طرحها في وقتنا هذا حين يطيب لهم تحجيم دور النساء في الأعمال المنزلية، ووصمهن بنقص العقل والقدرة، على الرغم من مشاركتهن في جميع مجالات الحياة العامة.
على أكتاف الثورة الصناعية..
وهيأت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر المناخ الملائم لنضال النساء للمطالبة بهذا الحق، حيث وفرت لهن المجال للاجتماع بشكل منظم في مواقع العمل ومناقشة مختلف الأمور السياسية والاجتماعية، ومن بينها الحق في التمثيل السياسي سواء باختيار من يمثلهن في مختلف أشكال الحكم، أو من خلال تمثيل أبناء وطنهن، أي حق الترشح وحق الانتخاب.
ببطء.. ولكن بثقة..
وبدأت الحملات المنظمة للمطالبة بحق النساء في التصويت بالمملكة المتحدة عام 1866وتقدم الفيلسوف والاقتصادي البريطاني "جون ستيورات مل" بمشروع لتعديل مادة في الدستور تمنح النساء الحق في الترشح والتصويت على قدم المساواة مع الرجال. إلا أن نتيجة التصويت جاءت ضد إقرار مشروعه بنسبة 194 صوتًا مقابل 73 صوتًا فقط مع المشروع. وبحلول العام 1900 صارت القضية أكثر قبولًا، وصدرت عدة قوانين لصالح حق تصويت النساء بدعم معتبر من البرلمان، غير أن ذلك الدعم لم يكن كافيًا لتمرير التعديل. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى جمدت الحملات أنشطتها لمواجهة الخطر الأعظم الذي كان يهدد البلاد آنذاك. ولم يكتب لنساء بريطانيا الحصول على هذا الحق وإن كان مشروطُا إلا في فبراير 1918 حين صار لكل امرأة بلغت الثلاثين من عمرها صاحبة أملاك، أو زوجة لصاحب أملاك الحق في التصويت، أما النساء الأقل من ثلاثين عامًا فكان عليهن الانتظار لعشر سنوات أخرى للحصول على الحق نفسه.
المساواة بالرجل.. حماقة..
ولم تقتصر المطالبة بحق النساء في التصويت على بريطانيا وحدها وإنما عمت أنحاء أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، بداية من منتصف القرن التاسع عشر. وعلى الرغم من أن تلك الحملات كانت سلمية بمعايير القرن الواحد والعشرين، إلا أنه كان ينظر للمشاركين فيها آنذاك باستهجان، بحجة أن المطالبات بهذا الحق حمقاوات لأنهن تطمحن لمساواة أنفسهن بالرجال.
مكانها البيت..
والسبب في الوقت الطويل الذي استغرقته حملات حق النساء في التصويت قبل أن تحقق ظفرًا ملموسًا يرجع إلى عقبات عدة كانت تواجه المرأة الغربية آنذاك. فاجتماعيًا وقانونيًا كان ينظر للنساء على أنهن أدنى مرتبة من الرجال. كما كان هناك انقسام داخل صفوف النساء أنفسهن على جدوى الحصول على هذا الحق، حيث آمنت الكثير من النساء بعدم ضرورة الانخراط في الحياة السياسية لأنهن من بين أسباب أخرى "لا تفهمن في السياسة ومكانهن البيت" كما كانت أمور الاقتصاد والحرب أكثر أهمية على طاولات المناقشات في البرلمان بالنسبة لأعضائه، من قضية مشاركة النساء في التصويت من عدمه.
نساء ضد النساء..
ولم يقتصر الأمر على التصويت بـ"لا" في البرلمان على حصول النساء على حق المشاركة الانتخابية، وإنما تأسست في المقابل حملات عالية الصوت لمناهضة هذا الحق، شارك فيها سياسيون وكتاب وصحف، كما كان لرسامي الكاريكاتير دورًا بارزًا في التهكم من الحق والمطالبين به نساء ورجالًا. وتأسست حملة مناهضة تصويت النساء في المملكة المتحدة عام 1908 في لندن، أما في الولايات المتحدة فتأسست في نيويورك عام 1897. وضمت حركات مناهضة حق النساء في التصويت الكثير من النساء، بل أنهن كن الداعم الأساسي لها.
لماذا نعارض تصويت النساء؟
ولخص بيان لـ "جمعية نيويورك لمناهضة تصويت النساء" بعنوان "لماذا نعارض تصويت المرأة"، الأسباب التي ساقها المعارضون في عشر نقاط أولها أن المشاركة في الانتخابات "تكليف وواجب، وليست تشريفًا" وليس هناك من سبب مقنع لجعل نساء هذه الدولة يضطلعون بهذا الواجب إلى جانب واجباتهم الأساسية التي يقومون بها بالفعل. فرجال هذا الوطن، حسب البيان، قادرون على تمثيل مصالح الرجال والنساء على حد سواء. كما أن النساء لا تعانين من أي غبن يدفعهن لمحاولة رفعه بالمشاركة في الصناديق. وأضاف البيان أن المطالبات بالتصويت "أقلية" لا ينبغي لها أن تفرض رأيها على الأكثرية لأن ذلك "يتنافى مع الديمقراطية". وجاء في البيان أن النساء في الوقت الحالي خارج العملية السياسية، ولا تتمتعن بأي نوع من الخبرة، ويكفي أن تطالبن أي طرف من الأطراف بسن تشريعات جديدة لصالحهن إن رغبن في ذلك، خاصة أن الحكومة لا تقوم على سن القوانين، وإنما على فرض إنفاذها بالقوة، وهو ما تفتقر إليه النساء اللاتي لا تمتلكن القوة الكافية لفرض تنفيذ القوانين بما فيها تلك التي تضعنها بأنفسهن. وأخيرًا رأى البيان أن الدور الذي يلعبه الرجال في خدمة الوطن من خلال المشاركة السياسية، يقابله على الجهة الأخرى دورًا تقوم به النساء داخل البيت. ومن ثم "علينا التصويت بلا لتعديل الدستور لصالح مشاركة النساء في الانتخابات".
فاتهن قطار الزواج..
وترجم رسامو الكاريكاتير هذه الأفكار في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة مستخدمين كل أشكال الاستهجان والتحقير. حيث لعبوا على وتر أن اهتمام بعض النساء بالسياسة هو ناتج في الأساس عن كونهن منبوذات اجتماعيًا وغير متحققات في حياتهن. وأحد أشهر رسوم الكاريكاتير المناهضة لحق النساء في التصويت، قسم دورة حياة "المدافعة عن الحق الانتخابي" في أربع مراحل الأولى طفلة تلهو بدميتها، والثانية فتاة يافعة جميلة في العشرينيات من عمرها، والثالثة أربعينية مقطبة الجبين فاتها قطار الزواج، لتتحول في المرحلة الأخيرة إلى خمسينية شمطاء "مدافعة عن حق التصويت".
البنطلون حرام..
وظهر رسم كاريكاتيري آخر لفتاة صغيرة تحاول ارتداء البنطلون "رمز الذكورة آنذاك" وهي تبكي قائلة "لا أحد يحبني، إذا سأصبح مدافعة عن حق التصويت".
كما تهكمت العديد من رسوم الكاريكاتير على طريقة "إذا خرجت النساء للتصويت فما الذي سيفعله الرجال" فظهرت العديد من رسوم الكاريكاتير التي تصور الرجال وهم يقومون بأعمال المنزل ويعتنون بالأطفال، إحداها تصور زوجًا منهمك في غسل الملابس وإلى جواره طفله الرضيع وهو يقول "أريد أن أصوت، لكن زوجتي تمنعني" وتناولت الكثير من رسوم الكاريكاتير حال زوج المرأة المدافعة عن حق التصويت فالزوج المسكين المشغولة زوجته بالسياسة يشتري الخضر وسط سخرية المارة، مهموم بالعناية بإعداد الطعام ورعاية الأبناء. وصور بعضها بيت المرأة السياسية مهملا غير مرتب بينما يقف الزوج حائرا في منتصف الفوضى.
الفأر في البرلمان..
كما تم تصوير النساء في العديد من رسوم الكاريكاتير وهن في ملابس الرجال أو يقمن بأعمال كانت وقتها مقصورة على الرجال، للإشارة إلى أن حق التصويت سيحول النساء إلى رجال والعكس صحيح.
وبعض رسوم الكاريكاتير اهتم بهيئة المرأة المهتمة بالسياسة فصورها على أنها عريضة الأسنان شعثاء الشعر تظهر عضلاتها بوضوح وعلى قدر كبير من الإهمال والبشاعة. ولعبت بعض الرسوم على عقل النساء مقللة من قدرتها على الحكم واتخاذ القرار حيث عقلها متخم بالرجال والملابس والأطفال وشئون المنزل والعناية بالحيوانات الأليفة. وصورتها بعض الرسوم في هيئة غير متزنة انفعاليًا سريعة الغضب، سريعة الارتعاب حتى ولو من فأر تسلل إلى أروقة البرلمان.
للعوانس والأرامل وصاحبات الأملاك..
وتعد نيوزيلندا أول دولة في العالم يتاح فيها الحق لجميع النساء في المشاركة الانتخابية عام 1893. وقبل أن يتحول حق النساء في التصويت إلى حق عالمي غير مشروط بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حصل بعض النساء على هذا الحق مشروطًا في بعض المدن والمقاطعات، ففي السويد كان الحق في بعض المقاطعات مقصورًا على دافعات الضرائب، وفي إحدى مدن الولايات المتحدة حصلت سيدة واحدة على حق التصويت في اجتماع للبلدية. ونالته الاستراليات عام 1861 مقصورًا على صاحبات الأملاك. وفي عام 1869 كان هذا الحق مقصورًا على كل بريطانية عزباء، ومنحته مقاطعة أونتاريو الكندية عام 1884 للأرامل والعوانس. كما تم منحه في عدة مدن أسترالية أوائل القرن العشرين للنساء شرط ألا تكن منتميات للسكان الأصليين.
الإعلان العالمي.. التصويت للجميع:
وظل الحق يمنح للنساء في مدينة تلو أخرى ودولة تلو أخرى في أنحاء العالم حتى صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 الذي أصدرته الأمم المتحدة، الذي يضم في مادته رقم 21 أن المشاركة في الانتخابات حق للجميع. وبعد صدور هذا الإعلان توالت الاستحقاقات الانتخابية للنساء في أنحاء العالم حتى حصلت عليه المرأة المصرية عليه عام 1956. وتحل في العام الحالي 2015 في الولايات المتحدة الأمريكية الذكرى رقم 85 لحصول النساء في الولايات المتحدة على حق الاقتراع، بإجراء تعديل على المادة التاسعة عشرة في الدستور الأمريكي.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها