نتائج الانتخابات التركية والمخاوف الغربية
الحقيقة أن الرئيس التركى "رجب طيب أردوجان" قام بتوجيه ضربة قاصمة لمعارضيه فى أعقاب فوز حزب العدالة والتنمية بغالبية الأصوات فى الانتخابات الأخيرة التى جعلت الحزب يسيطر على البرلمان التركى للمرة الرابعة على التوالى.
وبهذا الفوز تمكن "أردوجان" من تثبيت أقدامه فى سبيل السيطرة على القرار السياسى التركى مما جعل الرئيس التركى قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى مكانة الزعيم السابق "مصطفى كمال أتاتورك".
ويقول محللون أن الانتصار الأخير الذى حققه حزب العدالة والتنمية لن يقتصر تأثيره على الداخل التركى بل سيمتد تأثيره إلى مناطق ودول أخرى مثل أوربا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة فإن الجمهورية التركية العلمانية والتى تم تأسيسها فى العام 1923 تحولت بشكل كبير عن المسار العلمانى الذى تأسست عليه, والواقع أن القوى الغربية كانت تنظر نظرة إعجاب للرئيس "أردوجان" وحزب العدالة والتنمية منذ بدأ الرجل الدخول إلى عالم السياسة حيث أصبح من الممكن الاقتناع بفكرة الإسلام السياسى الذى يقوم على الديمقراطية والتعددية, وقد تجلت ثمار ذلك التحول فى ظهور أصوات تُنادى بحصول تركيا على عضوية الاتحاد الأوربى وكذا طفرة اقتصادية أدت إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ووضع الاقتصاد التركى على الطريق الصحيح.
لكن على الجانب الأخر فمنذ اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية فى العام 2008 وكذا اندلاع احتجاجات "جيزى بارك" فى مدينة "اسطنبول" ضد حكومة "أردوجان" فى العام 2013 والتى شهدت قيام السلطات التركية بإجراءات عنيفة ضد المعارضين على مرأى ومسمع من العالم فإن الكثير من المحللين الغربيين وصفوا "أردوجان" بالحاكم المستبد, وأخيراً فقد اضطر أردوجان إلى الدعوة لانتخابات مبكرة بعد فشل حزب العدالة والتنمية فى الحصول على الأغلبية فى الانتخابات التى جرت فى شهر يونيو الماضى وكذا إخفاق رئيس الوزراء "أحمد داود أوجلو" فى تشكيل حكومة ائتلافية بالتعاون مع أياً من الأحزاب الثلاثة التى جاءت خلف حزب العدالة والتنمية فى انتخابات يونيو.
والحقيقة أن ما دفع بأردوجان فى اتجاه إجراء انتخابات مبكرة عوضاً عن تشكيل حكومة ائتلافية هو رغبته فى تغيير نظام الحكم فى البلاد من النظام البرلمانى إلى الرئاسى مع السيطرة على البرلمان عن طريق الأغلبية التى حصل عليها حزب العدالة والتنمية فى انتخابات الإعادة.
ويرى مراقبون أن نتائج الانتخابات الأخيرة سوف تشجع "أردوجان" على الإمساك بزمام الحياة السياسية فى تركيا عبر تحويلها من النظام البرلمانى إلى النظام الرئاسى, والحقيقة أن فوز حزب العدالة والتنمية فى الانتخابات الأخيرة سوف يساعد أردوجان على تعديل الدستور بما يتناسب مع طموحاته السياسية.
ومن المتوقع أن تشهد العلاقة بين "أردوجان" وبين التيار السياسى الكردى تدهوراً فى ظل الحكومة الجديدة لحزب العدالة والتنمية, وهناك أراء تقول أن السبب الرئيسى الذى دفع بأردوجان إلى إجراء انتخابات مبكرة هو حصول الأحزاب الكردية على نسبة لا بأس بها من الأصوات فى انتخابات يونيو مما دفع الرجل إلى الإعلان عن انتخابات مبكرة بغرض تقليص نفوذ الأكراد داخل البرلمان.
وقد جاءت الانتخابات الأخيرة فى ظل حالة من التدهور الأمنى على الحدود التركية خاصة فيما يتعلق بالجماعات الكردية المتواجدة على الجانب الأخر من الحدود فى كل من سوريا والعراق مما أدى إلى حالة من القلق ليس فى الداخل التركى وحسب وإنما داخل دول أخرى فى الشرق الأوسط وكذا أوربا والولايات المتحدة, وقد امتدت حالة القلق تلك إلى داخل حلف شمال الأطلنطى (ناتو) الذى يعتبِر تركيا لاعباً أساسياً فى مواجهة الأطماع السياسية الروسية فى الشرق الأوسط وكذا فى مواجهة القضايا الشائكة مثل مشكلة تنظيم الدولة والحرب الأهلية فى سوريا وما نتج عنها من تدفق آلاف اللاجئين إلى أوربا عبر الأراضى التركية, ويقول مراقبون أن جميع تلك القضايا سوف تُجبِر القوى الغربية على التعامل مع "أردوجان" حيث أن تلك القوى أصبحت الآن لا تملك بديلاً آخر.
والحقيقة أن نتائج الانتخابات الأخيرة لن تحمل معها العصا السحرية لحل المشكلات السياسية والأمنية التى تواجه تركيا وإنما ستكون نتائج تلك الانتخابات بمثابة نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى من الصراع بين حزب العدالة والتنمية والتيار العلمانى, بل أن تلك الانتخابات ستكون بمثابة مرحلة أخرى من الصراع بين "أردوجان" وكل من الأكراد وتنظيم الدولة الإسلامية, وعلى الرغم من ذلك فإن الكثير من المراقبين يرون أن "أردوجان" بما يمتلك من الخبرة السياسية قادر على مواجهة تلك التحديات والخروج بتركيا من عنق الزجاجة فى ظل تحديات إقليمية ودولية لا تخفى على أحد.
رابط المقال:
http://blogs.reuters.com/great-debate/2015/11/02/why-the-west-should-worry-about-turkey/
بقلم: "بيتر مارينو" Peter Marino""
ترجمة: أحمد سامى
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها