أميركا بين محاربة الإرهاب وصناعته
كان الإرهاب في عالم عام 2001 عندما أعلنت الولايات المتحدة الحرب عليه أقل حجماً وقدرة وانتشاراً مقارنة بما أصبح عليه الآن. وليس هناك إلا معنى واحد يمكن استخلاصه من هذه المقارنة، وهو فشل السياسة الأميركية التي أدت إلى توسع الإرهاب بدلا من القضاء عليه، فضلا عن صناعة أشكال وأجيال جديدة منه آخرها حتى «داعش».
ومع ذلك، لم تُقدم مؤسسات صنع القرار الأميركية على مراجعة جوهرية صريحة للسياسة التي اتُبعت في محاربة الإرهاب وإجراء نقد ذاتي لتوجهاتها. وتحفل هذه السياسة في العراق وأفغانستان بكم هائل من الدروس التي يصعب التطلع إلى سياسة جديدة في مواجهة الإرهاب من دون استيعابها. غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث عندما اتجهت واشنطن في نهاية الصيف الماضي إلى تشكيل «تحالف دولي» جديد في مواجهة تنظيم «داعش»، ولذلك تثير مبادرتها لعقد «المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب»، نهاية الأسبوع الماضي، التساؤل عما إذا كانت هذه بداية مراجعة متأخرة لسياستها.
ورغم أن الفكرة وراء عقد ذلك المؤتمر تعبر عن إدراك لأهمية العوامل المؤدية إلى التطرف الذي يتحول إرهاباً، بعد أن كان الاهتمام الأميركي متركزاً في النتائج المترتبة على هذه العوامل، فقد لا يكفي ذلك لإجراء مراجعة جادة وجوهرية لسياسة ثبت إخفاقها. وترتبط جدية هذه المراجعة بإجراء نقد ذاتي يشمل الاعتراف بالتقصير في دعم الدول العربية التي انتبهت إلى أهمية العوامل المؤدية للإرهاب، وسعت لمعالجة الأسباب التي تدفع للتطرف الديني، ونصحت واشنطن بانتهاج سياسة معتدلة تجاه قضايا المنطقة، وخاصة قضية فلسطين والتمدد الإقليمي الإيراني.
ورغم ذلك، فأن تصل متأخراً خير من ألّا تصل مطلقاً. فقد وصلت الإدارة الأميركية أخيراً إلى أهمية معالجة العوامل المنتجة للارهاب، وليس فقط مواجهة النتائج المترتبة عليها. غير أن تطوير سياسة اتبعت على مدى 13 عاماً لا يتيسر بمجرد عقد مؤتمر، وبدون مراجعة الأسس التي قامت عليها والأفكار التي تمثل مرجعية لها. فهذه المراجعة ضرورية من أجل بلورة سياسة جديدة تحارب الإرهاب ولا تؤدي تداعياتها السلبية إلى تعزيزه وصناعة المزيد منه. وبدون هذه المراجعة، قد يتعذر تطوير سياسة أحادية اعتمدت على القوة العسكرية وحدها، لتصبح متعددة الأبعاد وتشمل ما طُرح في مؤتمر واشنطن بشأن «تأسيس شبكة دولية ضد التطرف العنيف»، و«إحباط جهود داعش لتجنيد مقاتلين أجانب ومحاربته على مواقع التواصل الاجتماعي»، و«بناء دوائر خاصة على المستوى المحلي لمحاربة بذور التطرف في المجتمعات الأكثر هشاشة»، و«إطلاق مبادرات مضادة للتطرف والحض على العنف بمشاركة الفواعل المجتمعية والمنظمات غير الحكومية».
وهذه أفكار مهمة بالتأكيد، لكن إدماجها في سياسة جديدة أكثر فاعلية في مواجهة الإرهاب يتطلب التزام الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تدرك خطر انتشار الإرهاب في العالم بدعم خطط للتنمية وتطوير نظم التعليم في البلاد التي ينشط الإرهابيون فيها ويسعون لتجنيد أعضاء جدد من أبنائها، في إطار مشروع عالمي متكامل تشرف عليه الأمم المتحدة. فالخطط اللازمة لمواجهة العوامل المغذية للإرهاب مكلفة للغاية، وتحتاج بالتالي إلى تمويل دولي واسع النطاق.
ولكي تكون مراجعة السياسة الأميركية في مواجهة الإرهاب جادة حقاً، لابد أن تشمل إعادة تقييم توجهاتها حيال طهران منذ اتفاق جنيف في نوفمبر 2013، وحتى وثيقة الأمن القومي الصادرة في واشنطن قبل أيام والتي خلت من أية إشارة إلى خطر أو تهديد إيراني للمرة الأولى منذ عدة عقود.
ولا يخفي أن تمدد أذرع إيران في المنطقة أدى إلى تعميق العنف المذهبي، وانطوى على ممارسات أرهبت قطاعات واسعة من العرب السُنة في العراق وسوريا، ووفرت بالتالي بيئات حاضنة لـ«داعش» في كل من البلدين. ويخشى أن يتكرر ذلك في اليمن حيث بدأ تنظيم «القاعدة» في استغلال الخوف من الهجمة الحوثية المدعومة من إيران لتدعيم ركائزه مجدداً. فليت صانعي القرار في واشنطن يدركون قبل فوات الأوان أن «مصانع» إنتاج الإرهاب في طهران لا تقل خطراً عن مفاعلات تخصيب اليورانيوم.
*عن صحيفة الإتحاد الإماراتية
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها