أماني: الحوثيون قتلوا أبي وأخي أمام عيني وأحرقوا منزلنا الذي كان أحلى أحلامنا
وصلت جرائم وانتهاكات مليشيات الحوثي مرحلة من البشاعة لا يتخيلها العقل ولا يتصورها بشر مؤمن بالإنسانية وشرائع الدين السمحاء.
قصه الطفلة أماني العقاري و ما حدث لها وعائلتها بمنطقه القصر عمران يجسد تلك البشاعة ومسيرة القتل والإبادة التي تنتهجها مليشيات الحوثي بحق أبناء اليمن وأطفالها.
ذكرى الواحدي
لا حرمه لدم مسلم
بدت شاحبة متهالكة لا ملامح واضحة في وجهها البريء أشياء كثيرة كانت عينها تحكي الكثير من الوجع والألم ومأساة دموعها المتحجرة.
تقول: كنت وعائلتي نتناول طعام السحور: إخوتي الصغار وزوجه أخي وبناتها ذهبنا إلى منطقه أخرى بسبب كثافة القصف على منطقتنا سمعنا جلبة بجانب منزلنا وعند آذان الفجر رأينا قناصة الحوثي يعتلون مسجد بلال القريب منا وعند الخامسة فجرا كسروا الباب اختباءنا أنا وأبي وأمي وأخي في (المطبخ) بداية كانوا ينهبون كل شيء في المنزل.
قال لنا أبي عندما شعر بحزني وأمي (خليهم يأخذوا كل مايجدوه أهم شيء سلامه الأرواح)
لم يكمل والدي حديثه حتى دخل علينا اكثر من احدي عشر مسلحا حوثيا بوجوه شرسة متعطشة للدماء يتطاير منها الشر تمالكني الرعب والخوف لرويتهم
قفز أبي أمامنا وهو يقول(بحرمة الدم وهذا الشهر الكريم وحرمه النساء أتركوا زوجتي وابنتي واعملوا بي ما تشاؤون وابني.
ردوا عليه بوقاحة (سنعمل بهن ما نشاء وأنتم كذلك) حوط أبي علينا بذراعيه ليحمينا ويمنعهم عن أخذنا ..فباشروه بطلقات عدة اخترقت صدر أبي الحنون وفجرت رأسه أمامي.
تنهدت بصعوبة ودموعها ساكنة بمقلتيها وقالت:
أسرعت لاحتضان أبي ودماءه تسيل فاطلقوا نيرانهم علي اخترقت الرقبة فارتميت بجانبه فاستقام آخر على رأسي وأطلق عليّ رصاص اخترقت يدي وضلعي واختلطت دمي بدم أبي.
تأوهت أماني من الألم وهي تكشف لي عن بعض الاصابات في جسدها ثم تابعت بقولها: كنت أمي تصرخ بهسترية وأخي يحاول احتضانها وحمايتها فاستبقوه برصاصه فجرت رأسه فتطاير أشلاءه على جسد امي التي لم تتحمل منظر أخي وهو يقتل بين يديها ففقدت الوعي ورغم اصابتي الشديدة وعجزي عن الحركة كنت أدرك ما يدور حولي وعيناي تتحرك يمنة ويسرة رأيتهم ينهبون حتى (أكواب عصائر العيد) لم يتركوا شيئا وقبل خرجوهم أطلقوا النيران على (أنبوبة الغاز) وقذائف الهاون حتى يلتهم الحريق أجسادنا وتختفي جريمتهم البشعة.
حقد الحوثة
عندما كانت تسرد أماني قصتها المأساوية كان يمزقني الألم وأنا أتخيل كل لحظة مرت بها تلك الطفلة وعائلتها فتبادر إلى ذهني اسأله عدة كيف ستعيش مع كل هذا الألم والمعاناة مستقبلا وكيف سيتحمل قلبها كل هذا الوجع؟
تتابع أماني بقولها:عند الانفجار استيقظت أمي فجأة وقامت بسحبي بزاوية صغيرة بالمطبخ حاولت أخراجنا ولكنها لم تستطع بسبب الشظايا التي دخلت ظهرها والحروق التي التهمت جزءا من جسدها كتب الله لنا النجاة رغم أن منزلنا بسبب الحريق وقذائف الهاون التي أطلقها الحوثة فساوته بالأرض والرصاص التي اخترقت جسدي وحروق أمي إلا أن الله حفظنا في تلك الزاوية الصغيرة وكتب لنا عمرا جديدا مع المعاناة وفقد الأحبة.
بعدها لم استيقظ إلا وأنا في غرفه العناية قيل لي: إن خالتي والتي كان منزلها قريباً منا خرجت تصرخ وتستغيث بالناس حتى أتوا لإنقاذنا وأخذنا من بين الانقاض.
الحقد والكراهية الذي تتعامل بها مليشيات الحوثي مع الناس وصل إلى حد لا يمكن وصفه (أبي معروف بين الناس بطيبته وبساطته وأخلاقه الكريمة ذنبه أمام هؤلاء أنه معلم لكتاب الله لا يترك الصلاة في مسجد بلال. وهذا ذنب كل مسلم أمام حقدهم الصفوي.
وتؤكد أماني: أن كل حفظه القرآن ومعلميه متابعون من قبل مليشيات الحوثي وقاموا بتصفية البعض أو اختطافهم إلى جهة مجهولة.
وأقسمت بالله أنها سمعت أحد الحوثة عندما كان يدوس يد والدها الشهيد بحقد وهاتفه يرن بنغمة (صل على محمد) كان يقول (صل على ....)
كذلك عندما يرددون شعاراتهم فوق أجسادهم اختتموها بقولهم الذل للإسلام
وأردفت قائلة لا استغرب أن يعملوا ذلك فالإنسان الذي يقتل بدم بارد.
أضافت :إلى الآن لست مستوعبة ومصدقة ماحدث كأنه كابوس بشع لا أستطيع الإفاقة منه نزعوا أبي وأخي من بيننا والآن أصبحنا بلا أب أو أخ أو منزل نسأل الله أن يحرق قلوبهم كما أحرقوا قلوبنا.
والده أماني
فجروا رأسي أبني وهو يحاول حمايتي .....وتناثرت أشلاءه على الجزء الآخر من المأساة كانت في جسد والده أماني والألم المتجذر في ملامحها الموشحة بالسواد نزلت دموع الأم وهي تقص لي تفاصيل الحادثة ونهب المليشيات لمنزلهم.
باشرتني بقولها: محد قد جرى له مثلما جراء لنا من فجعه وماساه
وعندما وصلت لحظه مقتل ابنها اختنقت بالدموع واكفهر وجهها لتقول بصوت يقطعه الوجع: فجروا رأسه وهو يحاول حمايتي فتناثرت بقايا دماغه على جسدي وفي الأرض ...شهقت بألم وهي تردد (ربي لك الحمد).
تابعت بمراره: كان ولدي يصرخ في وجوههم روحي فداء أمي وأختي فلم يمهلوه لحظه وقتلوه هو وولده أمام عيني
ثم كشفت عن رجليها التي أصيبت بحروق شديدة وذكرت لي أن عدة شظايا لازالت في ظهرها وتحتاج إلى عمليه بعد شفاءها من الحروق.
شهقت باكية وهي تضيف: أخذوا كل شيء في المنزل حتى خزانات المياه أطلقوا عليها الرصاص فثقبوها ونهبو دكاننا الصغير ودراجة ابني النارية هدموا البيت الذي كان بالنسبة لنا حلم بعيد فقد بنيناه حجرا حجرا وانتظرنا وبعد سبع سنوات عشنا فيه.
الله يحرق قلوبهم وينتقم منهم. كانت ترددها بعد كل كلمة تقولها
مسحت دموعها المتساقطة بحسرة وهي تنظر إلى حفيدتها الجميلة بتول واختها الرضيعة لتقول (ما ذنبهن حتى يصبحن يتيمات وهن صغارا).
دموع لا تفارق عيون الصغيرة
الطفلة بتول لم تعرف في هذا العالم الموحش غير صوت أبيها وحنانة فكانت دمعتها المتحجرة في عينيها حزنها الابدي على فراقه.
تقول جدتها: كل يوم تسالني عنه تطلب الهاتف للاتصال به وعندما تبحث عنه في هذا المنزل ولا تجده تهج بالبكاء الشديد ورغم أنها لا تتجاوز السنتين إلا أن حزنها على أبيها شديد.
ثم أشارت إلى صغيرتها وهي تقول (ملامحها مثل ابيها عندما اراها اتذكر ابني الشهيد)
عند حديثنا شاهدت الألم والحزن في وجه زوجة ابنها وعيونها الزائغة في كل مكان فتارة تنظر إلينا وتارة إلى صغيرتها الرضيعة وأخرى إلى السماء كأنها تشكو حالها ويتم بناتها لله.
سألتها عن شعورها سكتت برهه كأنها عاجزة عن الحديث أو وصف حزنها وحجم الكارثة قالت: قتلوهم من غير ذنب أحرقوا قلوبنا شرودنا عن منزلنا ويتموا بناتي ربي ينتقم منهم.
عندما تسألني البتول عن ابيها اغرق بالبكاء وطفلتي أعجز عن أجابتها أو أقول لها إنها أصبحت يتيمة
خرجنا وقلوبنا تتفطر ألما لحالهم وحال الصغيرة بتول فبشاعة الحرب ليس بالدمار فقط وقتل الناس إنما ما تتركه نيرانها في نفوسهم فربما بعد سنوات عديدة, قد تعود أماني والبتول إلى عمران, فلا يجدن البيت في مكانه والمدرسة كما هي, والشوارع كما تركنها, فكل شيء تغّير, سيجدن فقط الأنقاض والذكرى المؤلمة ورائحة دماء آبائهن الشهداء.
حكايات على الأرصفة
الوجه الآخر لحياة النزوح والتشرد نموذج رأينها على رصيف بشارع هائل لعائله حسين حسن المنظر يلخص المعاناة ويكشف فصول المأساة للنازحين.
يقول: أجبرني الحوثة على اعتلاء منزلي لقنص الأبرياء وعندما رفضت قاموا بضربي وتهديدي بالقتل جهزت للرحيل أنا وعائلتي فقاموا بهدم منزلي بعد خروجنا
وصلت إلى هنا لاسكن ولا أهل ولا أحد معي فجلست على هذا الرصيف انتظر الفرج من ربي.
تقول زوجته: نشعر بالحزن والمهانة ونحن نأكل ونرقد على الرصيف شوفي حال أطفالي كنا مستورين في منزلنا فشردونا ودمروا منزلنا ربي ينتقم منهم بهذا لونا.
وتضيف باكيه: جارتي امرأة مرملة على أطفالها تخيط الملابس تسكن في بيت صغير أصيبت بشظايا عديدة جراء قذيفة بجانب منزلها بترت أصابع يدها والآن هي في إحدى المستشفيات هنا كيف ستعيش بعدما بترت اصابعها
قتلوا النساء والاطفال لم يتورعوا حتى عن اختطافهن ففي قريه قريبه منا كلما دخلت مليشيات الحوثي منزل وكانت فيه عدد من النسوة اخذوا أحدهن إلى جهة مجهولة.
الله لا الحقهم خير مسيره الشيطان وقتله الناس
أردف زوجها قائلا: خسرنا منزلنا وأرضنا لا دولة تنظر إلى حالنا ولا حكومة تغيثنا تركونا هنا على الأرصفة.
تكبد حسين دموعه وهو يمسك الغطاء المهترئ ليدفئ صغيره النائم ببراءة على الرصيف المتسخ فربما يحلم بوطن يعود اليه قريبا.
النازحون في لعبة الحرب والخيانة ضحايا غير مرئيين ووقود تشتعل معها أطماع مليشيات الدم والدمار في ظل دولة رئيسها وحكومتها آيلة للسقوط.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها