تراجع الدعم المالي الإيراني للحوثيين وقطر تحاول تحقيق اختراق في اليمن من بوابة صعدة
اولت مصادر يمنية اهمية خاصة للزيارة التي قام الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي للدوحة ولقائه امير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي خصّه يوم الخميس الماضي بحفاوة كبيرة.
وكشفت هذه المصادر ان الزيارة، وما رافقها من اهتمام شخصي بعبدربه منصور، عكست رغبة قطرية في لعب دور اكثر حيوية وتأثيرا في اليمن على كلّ الصعد وذلك انطلاقا من البوابة الحوثية. وتعتقد قطر ان في استطاعتها الذهاب بعيدا في لعب مثل هذا الدور في ضوء الغياب السعودي عن الاهتمام بالبلد الجار الذي اعتبرته المملكة في الماضي بمثابة "محمية" كما تعاملت مع كبار المسؤولين فيه والمشايخ القبليين البارزين كتابعين لها او موظّفين لديها في احسن الاحوال.
واوضحت ان السعودية المنشغلة حاليا بمشاكلها الداخلية، خصوصا ترتيب خلافة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومواجهة الخطر الايراني المتزايد، لم تعد تمتلك استراتيجية واضحة في اليمن على غرار ما كانت عليه الحال في الماضي، خصوصا عندما كان ملف اليمن في يد الامير سلطان بن عبدالعزيز الذي توفى قبل بضعة اشهر بعد مرض طويل.
واستنادا الى المصادر نفسها، تسعى قطر الى الدخول بقوة على الملفّ اليمني من خلال شمال الشمال الذي يسيطر الحوثيون على جزء كبير منه انطلاقا من محافظة صعدة التي لديها حدود مشتركة مع المملكة العربية السعودية. واشارت الى ان قطر تشعر حاليا ان هناك محاولة جدية لايجاد "جيب ايراني" في شمال اليمن يشكل جزءا من الاستراتيجية الهادفة الى تطويق السعودية من اكبر عدد ممكن من الجهات.
وكشفت شخصية يمنية على علاقة وثيقة بالقطريين ان امير الدولة، الذي كانت تربطه في الماضي القريب علاقة خاصة بطهران، صار مقتنعا بوجوب منع ايران من تطويق السعودية وهو على استعداد لاستخدام كلّ ما تملكه الدوحة من علاقات وامكانات حتى لا يعود الحوثيون مجرد اداة ايرانية في الخاصرة السعودية.
واوضحت هذه الشخصية ان قطر تمتلك علاقات تاريخية مع الحوثيين وقد سبق لها ان توسّطت بينهم وبين الرئيس علي عبدالله صالح بعيد اندلاع الحرب الاولى بين الجانبين في العام 2004. وقد عقدت جولات مفاوضات عدة بين ممثلين لعلي عبدالله صالح والحوثيين في الدوحة وخارجها من اجل التوصّل الى وقف للنار بين الجانبين باشراف قطري. لكنّ الوساطة القطرية اصطدمت دائما بفقدان عامل الثقة بين الرئيس اليمني السابق والحوثيين واقتناع الاوّل، مع المحيطين به، بانّه قادر على حسم المواجهة عسكريا بدعم من السعودية احيانا ومن دون دعمها في احيان اخرى.
وسمحت الوساطة القطرية الطويلة مع الحوثيين للدوحة باقامة علاقات مع شخصيات عدة تنتمي الى هذا التيار. وبقيت هذه الشخصيات تتردد على الدوحة بين حين وآخر حتى بعد الحرب السادسة والاخيرة في العام 2009.
اما بالنسبة الى المملكة العربية السعودية، فقد دخلت المملكة الحرب الاخيرة مع الحوثيين على نحو مباشر. لكن الالقاء بثقلها العسكري في تلك الحرب، الى جانب علي عبدالله صالح، لم يؤد الى النتائج المرجوة. على العكس من ذلك، عاد التورط السعودي في الحرب بنتائج عكسية على المملكة عموما وعلى الامير خالد بن سلطان، مساعد وزير الدفاع السعودي وقتذاك بشكل خاص.
وكشفت المواجهة السعودية مع الحوثيين افتقاد جيش المملكة، الذي لم يستطع الحسم والذي مني بخسائر كبيرة، الى قادة عسكريين يعرفون طبيعة المنطقة وكيف تدار الحروب، اضافة الى غياب الاستراتيجية السياسية والعسكرية الواضحة.
وتعتمد الدوحة في سعيها الى تحقيق اختراق في اليمن، عبر البوابة الحوثية، على عوامل ثلاثة.
العامل الاول العلاقة التي اقامتها مع قادة حوثيين منذ فترة طويلة ومع محافظ صعدة السيد فارس منّاع الذي كان في مرحلة معيّنة من شركاء الرئيس علي عبدالله صالح في نشاطات تجارية متنوعة. لكنّ علي صالح سجن المنّاع فترة ترافقت مع الحروب مع الحوثيين اثر اتهامه بتهريب اسلحة اليهم. وما لبث الاخير ان فرّ من السجن وتسلل الى صعدة واصبح محافظا لها بغطاء من الحوثيين. والآن يلعب محافظ صعدة دورا في تمتين العلاقات بين الدوحة واهالي صعدة عموما وبعض الحوثيين على وجه التحديد.
اما العامل الثاني الذي تعتمده الدوحة فهو يتمثّل في الاعلان عن توفير مساعدات ضخمة من اجل اعادة اعمار صعدة والمناطق الذي هدمتها الحروب الست بين الجيش اليمني والحوثيين. وهذا التوجه يلقى من دون شك ترحيبا كبيرا في اليمن حيث تعتبر صعدة من افقر المحافظات في البلد وتشكو من تجاهل تاريخي لها مارسته السلطات المركزية في صنعاء.
يبقى العامل الثالث الذي تستفيد منه الدوحة وهو انحسار الدعم الايراني للحوثيين بسبب العقوبات الدولية المفروضة على "الجمهورية الاسلامية".
هل تنجح قطر في فرض نفسها في اليمن؟ الجواب ان هناك تعقيدات كثيرة يمكن ان تجعل النجاح القطري محدودا. بين هذه التعقيدات غياب الحوار بين الاطراف اليمنية المختلفة وتدهور الاوضاع الامنية بشكل يومي في كل انحاء البلد. ويرافق التدهور الامني انتشار التطرف الديني وزيادة نشاط "القاعدة"، خصوصا في المحافظات الجنوبية، من جهة وعدم قدرة الرئيس الموقت على اتخاذ قرارات كبيرة في اي مجال من المجالات بما في ذلك اعادة تنظيم القوات المسلحة وضبط الاوضاع داخل صنعاء نفسها من جهة اخرى.
لكنّ الاكيد ان امير قطر مصمم على دعم الرئيس اليمني في كلّ خطوة يقدم عليها نظرا الى ان لديه حسابا قديما يريد تصفيته مع علي عبدالله صالح لرفضه في كانون الثاني- يناير 2009 حضور القمة العربية التي دعت اليها الدوحة لنصرة قطاع غزة وحركة "حماس" التي تسيطر عليه.
آنذاك، امتنع علي عبدالله صالح عن الحضور الى الدوحة فلم يتأمن النصاب القانوني للقمة بعدما "اقنعه" السعوديون بتوجيه "طعنة في الظهر" الى الشيخ حمد. وعبارة "طعنة في الظهر" استخدمها امير دولة قطر نفسه في وصفه للالم الذي شعر به جراء مقاطعة الرئيس اليمني السابق، الذي كان اكثر من حليف له، للقمة.