مصر.. مفارقات تختزل الحقيقة
سلطات الانقلاب في مصر تقرر الإفراج عن حسني مبارك، واستمرار حبس الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي.. مفارقة تختزل المشروع السياسي الذي عاد إلى مصر الشقيقة على ظهر دبابة منفذاً الانقلاب العسكري على الديمقراطية.
وما يتوالى على أرض الكنانة منذ تنفيذ ذلك الانقلاب المشؤوم ليؤكد أن الهدف لم يكن الرئيس مرسي، ولا الإسلاميين أو جماعة الإخوان المسلمين أو اعتقال مرشدها العام، بل ثورة 25 يناير المجيدة وما حملته من مبادئ وقيم الدولة المدنية الحديثة والديمقراطية والحرية والعيش الكريم لمصر العزة، أرضاً وإنساناً.
واقع أغرق الشعب المصري في بحر من الدماء لم يسبق أن عاشه هذا الشعب العظيم حتى في عهود الاستعمار، ومجازر ومحارق فاقت بشاعتها ووحشيتها كل التوقعات، وعنف وإرهاب يعبر بلغة صريحة عن مستوى الحقد على الأمة في قلوب أولئك. وإذا كانوا يعبرون بهذا الإجرام عن حقدهم على الأمة واستعدادهم لإبادتها وبدم بارد من أجل أن يكونوا في الحكم وعلى كراسي السلطة ومواقع النفوذ ومن أجل تحقيق الثراء بالنهب والفساد والعمالة والخيانة والارتزاق، فإن الأمة –كل الأمة- لتعبر من جانبها بهذا الصمود الأسطوري عن استعدادها للتضحية بكل غال ونفيس من أجل حياتها ونهضتها، وإصرارها على الوسائل السلمية حتى انتزاع قرارها من يد غاصبيه.
والنظر للمقارنة بين الأدوات السلمية والحضارية التي اتبعها الشعب المصري في ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، ثم في مواجهة الانقلاب عليها، وبين أدوات الكذب والزور والبهتان والقتل والإجرام التي ارتكبها المرتزقة والمنتفعون في ذلك النظام البائد عند مواجهته الثورة ثم عند عودته بالانقلاب العسكري وإلى يومنا هذا، ليكشف الفارق الواضح بين من يريد أن يبني دولة للجميع، وبين من يريد أن يتسلط بالباطل على الجميع.. بين من يحمل للوطن العزة وللشعب الحياة، وبين من يحمل لهما الذل والموت الزؤام.
ولم تتمكن أقنعة الزيف على وجوه مدبري ومنفذي الانقلاب ومرتكبي المجازر اليومية بحق هذا الشعب الأبي من إخفاء حقيقتهم، كما إن فكرة الترويج للأحداث بأنها مواجهة بين الدولة والإسلاميين لا تعدو أن تكون لافتة سوداء مكتوب عليها: "شر البلية ما يضحك"، وإن حظيت هذه اللافتة القاتمة باهتمام تلك الوسائل الإعلامية التي لوّثت الأرض والفضاء بنتن خيانتها للأمة مقابل حفنات من المال الحرام يزيد أو ينقص، وقد كشف الواقع حقيقتها وبصقت على وجوهها شعوب العالم.
لم يكن الإسلاميون في تلك الثورة السلمية المجيدة إلا شركاء لكل شرفاء مصر، مسلمين وأقباط، وقد نهضوا بواجبهم وبذلوا كل المجهود والموجود في سبيل إنجاحها، والحفاظ على مسارها السلمي والحيلولة دون الانجرار إلى طرق الخراب والدمار وسفك الدماء وإزهاق الأرواح، وهاهم اليوم – ومع كل أحرار مصر أيضاً- ثابتون على المبدأ، أوفياء لعهد الأمة وثورتها وشهدائها الأبرار، يدفعون الثمن الأكبر عن طيب نفس، فداء للوطن، وتضحية للشعب، ولا يضرهم ما يلاقونه في سبيل ذلك من تكالب القوى العالمية عليهم، أو تنكر ونكوص عن الثورة من قبل بعض رفقاء درب الثورة من الذين لم يُفقد الأمل في عودتهم إلى الجادة، وأن يدركوا أنهم وكل الشعب والوطن المصري هدف لهذا المخطط الإجرامي الخبيث، وحجر يسد الطريق المؤدي إلى المستقبل المشرق الذي خرج الجميع ثائرين من أجله.
وعلى أن الشعب المصري قد عرف طريقه، وأنه القادر –بعون الله وتوفيقه- على حماية إرادته، واستعادة خياره الديمقراطي، إلا أن ما يحدث في هذه الدولة العريقة هو وصمة من وصمات العار في جبين دول العالم والشعوب الغارقة في الصمت المخزي، إذ لم يعد مقبولاً من أي طرف قادر على فعل شيء أن يقف موقف المتفرج من هذا القتل الجماعي للشعب الأعزل وبآلية الدولة.
كيف وفي كل يوم يمر، بل وفي كل ساعة، نشهد مجزرة هنا ومحرقة هناك على امتداد خارطة الدولة المصرية، بما يوجب على الجميع أن يتحركوا ويفعلوا شيئا، وفي المقدمة –عالميا- المجتمع الدولي ممثلا بمؤسساته الأممية، وانتهاء بالدول العربية والإسلامية التي يمثل كل شعب من شعوب أقطارها أخاً وظهراً وسنداً وامتداداً للأقطار الأخرى وعمقاً جغرافياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً.
وإن استمرار مصادرة حق الشعب المصري وإرادته وقراره، واستمرار إرهاب سلطة الانقلاب لشعبها وإجرامها بحقهم، ليؤسس مستقبلا يستحيل انتظاره بتفاؤل، ولا يمكن استبعاد نتائجه الخطيرة التي لن يكون من السهل مواجهتها ومعالجتها، أو التكهن بإطارها الجغرافي.
ومن يربط مصالحه بأشخاص فهو مخطئ، ذلك أن المصالح الحقيقية والاستراتيجية هي في يد هذه الشعوب التي ستظل تمد إلى كل العالم يد المودة والسلام والرغبة الصادقة في التعايش والتعاون.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها