بئر مدين .. شاهد على ظلم قوم شعيب
بلدة مدين التي ورد ذكرها فى القرآن فى قوله تعالي ” وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ” وذكرت كذلك عند ذكر قصة سيدنا موسى حيث قال الحق تعالى “وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ .
وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ . فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ”. فما هى قصة ماء مدين وأين تقع تلك البئر؟.. يقول بعض الأثريين إن أهل مدين قوم سكنوا مدينتهم مدين، التي هي قريبة من أرض مَعَان فى الأردن . ومدين مدينة عُرفت بالقبيلة وهم من بني مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل. وشعيب هو نبيّهم هو ابن ميكيل بن يشجن ذكره ابن إسحاق.
ويقال: شعيب بن يشخر بن لاوي بن يعقوب. وكان أهل مدين كفارًا، يقطعون السبيل ويُخيفون المارّة، ويعبدون الأيكة وهي شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة بها. وكانوا من أسوأ الناس معاملة، يبخسون المكيال والميزان، ويُطففون فيهما، يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص.
فبعث الله فيهم رجلاً منهم وهو رسول الله شعيب عليه السلام، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وقد أُطلقت على هذا المكان عدة أسماء فهو بئر مدين ثمّ سمّوه بئر موسى ثمّ سمّوه مغاير شعيب وامتدّ الاسم ليشمل الوادي ثمّ سمّاه أهل المنطقة البدع لمّا ابتدعوا فيه قبيلة المساعيد بساتين نخل، وقد غلب اسم البدع الآن التي أصبحت بلدة كبيرة ونُسيت الأسماء القديمة.
أمّا نسبة هذه البئر إلى موسى فهي قديمة متوارثة وتحوّل اسمها من ماء مدين إلى بئر موسى بسبب ورود الايات الكريمة التي تقصّ كيف أن موسى عليه السلام ورد بئر مدين . وفى المنطقة توجد آثار مدين التى بناها قوم شعيب وأهلكها الله وما زالت قبورهم المنحوتة موجودة أمّا المساكن فقد تحوّلت إلى ركامات من التراب تنتشر على مساحة واسعة وتقع هذه الآثار على الضفة الغربية لوادي عفال أمّا على الضفة الشرقية فتوجد بئر موسى أو ماء مدين، ويقول أثريون أردنيون حين توجّهك إلى بلدة مدين الحديثة تشاهد وأنت منحدر باتجاه الوادي أطلال مساكن بلدة مدين القديمة المبنيّة من حجارة بازلتيّة سوداء مسقوفة بجذوع أشجار اللًزاب والسنديان ما يدلّ على آثار غارقة في القدم تحت القرية العتيقة حيث تُخبرك عن “مدين” كما ذكر الرحّالة البريطاني (ترايسترام) في كتابه “رحلتي إلى الأردن” عام1873 ، حيث أورد أسماء قرى مؤابية مثل مرود ومحنة وعزرا ومؤتة ومدين، مشيرًا إلى بئر مدين الموجود ببطن الوادي الذي يشتهر ببساتين الكرمة والتين واللوز.
وفي مدين تشعر برهبة المكان، وسحره العجيب الذي يستحق التأمّل والخشوع، فأنت تقف حيث وقف نبيا الله شعيب وموسى عليهما السلام، تحسّ خطوات أقدامهم ورجع أصواتهم تملأ بطن الوادي الذي يعجّ بأصوات رعاة يهشون على أغنامهم عند البئر وفي أسفل سفح قرية “مدين” القديمة المتربعة على التلة المشرفة على الوادي الفسيح من الشمال تجد ماء مدين الذي تجمّعت عليه أمة من الناس يسقون ماشيتهم، ولا يزال الماء دفّاقاً زلالاً يرتوي منه المتأخّرون كما ارتوى المتقدّمون.
تطل بلدة “مدين” على مشهد معركة مؤتة جنوبًا وإلى الشمال منها تربض بلدة المشيرفة “المشارفة” التي اشتهرت بصناعة السيوف المشرفية، وما إن تنحدر قليلاً إلى بطن وادي ماء مدين قريبًا من البئر حتى تشعر بالخشوع والسكينة وكأن مناديًا من خلفك يقول “اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى” لتبرز أمامك كتلة صخرية عظيمة بداخلها تجويف يسمح للشخص بالدخول فيه دون عناء يطلّ على ماء زلال يُمكّن زائره من الاغتراف منه دون عناء، هذا الماء كما يقول أبناء المنطقة من أنقى المياه وأعذبها يرتاده الكثيرون للشرب والاستشفاء.
وعلى الرغم ممّا تعرّضت له البئر من عمليّات العبث والتعرية إلاّ أنه لا يزال يحتفظ ببعض ملامحه القديمة حيث يُوجد بعض الحصى على جانبيه بُنيت بطريقة هندسية، وعلى مدخله تناثرت حجارة مجوّفة تعرّض بعضها للتحطيم وكانت تُستخدم كمشارب للمواشي والإبل.
ويقول ابن رُشيد الأندلسي 684 فى عام هجري وهو يصف طريق عودته من الحج ومرّ على هذه المنطقة: كانت من جملة ما وردناه أيضًا مغارة شعيب عليه السلام وهو ماء مدين ومدين بلد جذام. وهذا الماء مورد معين جدّاً في مغارة منقورة في حجر ينزل إليها بأدراج متسعة بحيث يتلاقى فيها الصاعد والنازل وهي شبه صهريج مملوءة ماء عذبًا طيبًا. وبعده بسنوات قليلة مرّ المغربي العبدري عام 689 هجرية فقال عن هذا المورد: والمغارة نفسها من صنع الله الذي أتقن كل شيء لا قدرة لآدمي على مثلها، والماء في قعرها كثير، ظاهر من الباب راكد كأنه بركة مصر وهو ماء معين بلا ريب ولولا ذلك لنزف في سقية واحدة، وهو عذب لولا ما يُخالطه ممّا ينصبّ إليه من مسبطة السقاة، وبين باب المغارة وقعرها بالتقدير 60-70 ذراعًا.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها