هل يكون الراعي بطل الانقلاب على هادي؟
![](/uploads/pics/1374008461.jpeg)
أخطر وأقوى ظهور للمخلوع علي عبدالله صالح وسط أنصاره والمتمسكين بزعامته كان بعد مرور عام بالضبط على آخر لقاء علني جمع المخلوع مع الرئيس هادي حينما أقام الأول احتفالية في دار الرئاسة، كانت أشبه بالمسرحية الهزلية سلم خلالها علم اليمن للرئيس هادي كتعبير يوحي بتسليمه لا مجبرا بثورة شعبية.. تلك المسرحية العفاشية شهدها دار الرئاسية صباح الاثنين 27 فبراير 2012.. وصباح الأربعاء 27 فبراير 2013 تجمع عشرات الآلاف من مؤيدي صالح في ميدان السبعين المجاور لدار الرئاسة للمشاركة في مسرحية أكثر هزلية سميت باحتفالية الذكرى الأولى لتسليم صالح للسلطة!!
وخلال العام الفاصل بين المسرحيتين واجه الرئيس هادي أزمات ومشاكل كبيرة افتعلها المخلوع وأقاربه وشبكات المصالح الموالية له من القيام بعمليات تمرد عسكرية وأمنية ومهاجمة وزارات الدفاع والداخلية والمالية "في رمضان الماضي"، إلى استهداف أبراج الكهرباء وأنابيب النفط، والوقوف وراء غالبية عمليات التخريب للاقتصاد الوطني وضرب الاستقرار الأمني.. الخ.
وكل ذلك تعامل معه الرئيس هادي وفرقاء العمل السياسي "باستثناء تيار المخلوع صالح داخل المؤتمر الشعبي وخارجه" ورعاة المبادرة الخليجية أيضا، تعاملوا معه كضريبة كانت متوقعة مسبقا لا بد من الصبر على دفعها مقابل إنجاز التغيير المطلوب في البلد.. ولكن عندما وصلت الوقاحة بالمخلوع صالح إلى درجة التمرد على المبادرة الخليجية وحكم الرئيس هادي بمحاولة إعادة الصراع السياسي إلى ما كان عليه قبل توقيع المبادرة في نوفمبر 2011م عبر تجمع فلوله في ميدان السبعين من جديد.. فقد اعتبروا ذلك تدشينا لانقلاب علني يقوده صالح بنفسه للإطاحة بالرئيس هادي ونسف كل ما أنجزته المبادرة الخليجية لمنع نشوب حرب أهلية في اليمن طيلة أكثر من عام..
ولهذا سارع مجلس الأمن الدولي إلى توجيه ذلك التحذير الشديد للمخلوع "في 15 مارس الماضي" من مغبة تكرار ما فعله.. وقبل ذلك التحذير الملوح بعقوبات قاسية على المخلوع.. تلقى صالح إنذارات شديدة اللهجة من سفراء الدول الكبرى، الأمر الذي دفعه للإعلان أوائل مارس عن نيته التوقف عن ممارسة كل الممارسات السياسية أو استقبال أحد من مناصريه لأنه سيتفرغ بشكل كامل لتدوين ومراجعة مذكراته..!! إلا أنه لم يتوقف عن استفزاز الداخل والخارج سوى لعدة أيام ليخرج بعدها بخطاب يتهم فيه النظام الحاكم "ويقصد نظام الرئيس هادي" بأنه باطل.. وذلك أثناء لقائه بعدد من الشباب قيل إنهم أنصاره في الفيسبوك..
وفي أول ابريل تم الإعلان عن مغادرته إلى السعودية للعلاج، ونشرت حينها بعض وسائل الإعلام تسريبات أشارت إلى بقائه في المملكة إلى ما بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني.. غير أن تلك التسريبات كانت أشهر كذبة أبريل لهذا العام لأن المخلوع عاد بعد 22 يوما فقط، كما أن أخبار الأنشطة السياسية التي قام بها في المملكة أكدت أنه لم يذهب للعلاج وإنما للمساهمة في التخطيط للمؤامرات ضد القيادة اليمنية وقيادات عربية أخرى.. كشفتها أيام مايو ويونيو المنصرمين..
فبراير اليمن.. يونيو مصر
في اليمن اختار صالح اليوم الذي تحل فيه الذكرى الأولى لدخول الرئيس هادي دار الرئاسة لأول مرة بصفته رئيسا للجمهورية ليكون توقيتا لاستعراض حشود مناصريه أمام خصومه وفي مقدمتهم الرئيس هادي.. وتدشين أولى الخطوات الانقلابية عليه. وفي مصر حدد المتمردون يوم حلول الذكرى الأولى لفوز الدكتور مرسي بالرئاسة موعدا لتنفيذ أسوأ خطوة لتبرير الانقلاب العسكري عليه.. فهل ثمة علاقة أو روابط بين الحدثين، أم إن الصدفة المحضة هي فقط ما جعلتهما متشابهين..!؟
لوحظ أن المشهد اليمني قد سجل في فبراير خروج خطابات وتصريحات غير مسبوقة في عهد الرئيس هادي منها مثلا:
- صدور بيان مفاجئ باسم أحمد علي صالح في الثاني من فبراير وكان حينها خارج اليمن- قال فيه أن والده لم يغادر السلطة بسبب ثورة شعبية وإنما بانقلاب عسكري قاده متآمرون بدعم خارجي.. يعني الرئيس هادي وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري!!
يحيى محمد عبدالله صالح في حوار على قناة الميادين بثته في نفس يوم استعراض عمه لحشوده بميدان السبعين 27 فبراير أكد أن نظام الحكم الذي كان قائما في اليمن قبل ثورة فبراير 2011، سيعود للحكم بكامله في انتخابات فبراير 2014، وطبعا يحيى هذا شاهد الجميع صوره في وسائل الإعلام ومعه قيادات مؤتمرية وهم في ميدان التحرير بالقاهرة يوم 30 يونيو يشاركون في الانقلاب على الرئيس مرسي.. وفي ذات اليوم نشرت صحف ومواقع إلكترونية معلومات عن حضور أحمد علي صالح –سفير اليمن بالإمارات- اجتماعات ضمت شخصيات إماراتية ومصرية "على رأسها ضاحي خلفان وأحمد شفيق" كانت تدير ما يشبه غرفة عمليات في دبي لدعم الانقلاب على مرسي..
واضح أنها كلها مصادفات فقط، حتى إجراء صالح عدة لقاءات مع سياسيين وإعلاميين مصريين "مناهضين للرئيس مرسي" أثناء تواجد صالح بالسعودية أوائل إبريل الماضي كانت لقاءاته مصادفة وأغراضها شريفة.. خصوصا وأنها تزامنت مع فتور غير مسبوق في علاقات القيادة السعودية مع الرئيسين هادي ومرسي.
الانقلاب الجاري باليمن.. أبطأ وأخطر
في مصر فشل المتمردون في إسقاط مرسي سياسيا فلجؤوا إلى الاستعانة بالجيش والأمن لإسقاطه بانقلاب عسكري.. وفي اليمن خسر المتمردون تواجدهم القوي داخل معسكرات الجيش وأجهزة الأمن.. فاتجهوا لتقوية أذرعهم السياسية التي استطاعوا الحفاظ عليها أثناء وبعد ثورة فبراير 2011. ولنلاحظ مثلا ما حدث في اليمن منذ فبراير الماضي فقط لتوضيح الصورة أكثر.
اشتد الصراع بين صالح وهادي على رئاسة حزب المؤتمر إلى أن اضطر المخلوع صالح لإنفاق مئات الملايين لشراء ولاء قيادات المؤتمر ومنع هادي من السيطرة عليه رغم أن النظام الداخلي للحزب يقول إن رئيس الدولة إذا كان من المؤتمر فهو يكون بالتالي رئيس الحزب.
رئاسة وأغلبية المؤتمر ما زالت مؤتمرية، وإذا ما وقع مكروه لحياة الرئيس هادي فإن رئيس البرلمان حسب المادة 116 من الدستور الحالي يصبح هو رئيس الجمهورية المؤقت إلى حين إجراء انتخابات رئاسية.. وإذا ما حدث هذا لا سمح الله فإن المخلوع صالح سيصبح رئيس الرئيس بكل ما للكلمة من معنى ولديه نصف الحكومة وأموال طائلة وترسانة أسلحة ضخمة في مسقط رأسه سنحان، كشف عنها السفير الأمريكي "الأسبوع الماضي"، بالإضافة إلى أن جزءا غير قليل من الدولة العميقة ما زالت مرتبط به، كما أن تحالفه مع الحوثيين وأهدافهما المشتركة لإسقاط الرئيس هادي وإخراج الإصلاح من السلطة.. كل ذلك سيساعده كثيرا في العودة إلى قيادة البلد من خلال كسب الانتخابات الرئاسية القادمة لصالح مرشح المؤتمر..
العلاقة الوطيدة بين بقاء هادي حيا مقابل استمرار الراعي رئيسا للبرلمان هو ما يفسر اشتعال قضية رئاسة البرلمان مؤخرا وحديث البركاني "الذي كان مع صالح بالسعودية" عن احتمال وفاة الرئيس هادي خلال شهور قليلة جراء أمراض القلب التي تهدد حياته.. فيرد الرئيس هادي بالتلويح بحل البرلمان وبالتالي يخسر المخلوع صالح أهم ورقة سياسية ما زالت بيده حتى الآن..
ولولا أن لدى الرئيس هادي ثقة قوية باستطاعته انتزاع المؤتمر من مخالب صالح عاجلا أو آجلا.. لولا ذلك لكان قد حل البرلمان منذ شهور بالفعل.
لماذا يكتفي الرئيس هادي بالتهديدات المتكررة منذ ثلاثة أشهر وهو يدرك أنها تخصم من رصيده الشعبي يوميا في ظل الأوضاع الصعبة والمتفاقمة التي يعيشها غالبية المواطنين.؟ أم أن حساباته للاستمرار في الرئاسة لعامين إضافيين -أو أكثر- فرض عليه السعي لكسب مختلف الأطراف السياسية الفاعلة في اليمن بعد أن تمكن من إزاحة الأخطار القادمة من الجيش والأمن لقلب نظام حكمه..؟
بالمجمل فإن ما يقوم به صالح وبعض أركان نظامه منذ فبراير الماضي لا يمكن وصفه إلا بانقلاب بطيء على ثورة فبراير 2011م، وعلى نظام الرئيس هادي الذي أوجدته الثورة، ومن الواضح أن ما يجري حاليا في مصر قد كشف عن درجة خطورة الأحداث المشابهة في اليمن..
وإذا كان الرئيس مرسي قد عمل بكل ما يستطيع لإفشال المؤامرة الكبيرة عليه وعلى مصر وبلدان الربيع العربي كلها، فإن تعامل الرئيس هادي مع مؤامرة الانقلاب الجاري باليمن يشير حتى الآن إلى أن نتائج انقلاب صالح والقوى المتحالفة معه ستكون أسوأ بكثير من حيث تمزيق اليمن وتحويله إلى سلطنات ومناطق حكم ذاتي متصارعة لعقود طويلة قادمة.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها