نص رؤية الحراك الجنوبي لمحتوى القضية الجنوبية
نص الرؤي .. الجنوب قضيتي
محتوى القضية الجنوبية
رؤية مقدمة من الحراك السلمي الجنوبي
الى فريق القضية الجنوبية
مؤتمر الحوار الوطني: صنعاء 25 مايو 2013م
بسم الله الرحمن الرحيم
المحتويات
الملخص التنفيذي 3
المحتوى القانوني: 3
المحتوى السياسي: 3
طمس هوية وثقافة الجنوب 4
تدمير البنية المؤسسية والبشرية للجنوب 4
القتل والاقصاء: 5
نهب ثروات ومقدرات الجنوب 5
المدخـــــــــــــــــــــل: 6
المحتوى للقضية الجنوبية: 7
المحتوى السياسي للقضية الجنوبية 8
المرحلة الأولى: من 30 نوفمبر 1989م ــ 22 مايو 1990م: 8
المرحلة الثانية: من 22 مايو 1990 ــ 27 ابريل 1994م. 9
المرحلة الثالثة: من 27 ابريل 1994 ــ 7 يوليو 1994م. 10
المرحلة الرابعة: من 7 يوليو 1994 ــ 7يوليو 2007م. 10
المرحلة الخامسة: من 7 يوليو 2007م ـ إلى يومنا هذا. 11
المحتوى القانوني للقضية الجنوبية: 12
اختلال البناء القانوني والمؤسسي لدولة الوحدة: 12
الاخطاء والنواقص في اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية: - 12
ثانياً: الاخطاء والنواقص التشريعية في اعداد واقرار دستور دولة الوحدة:- 13
ثالثاً: التعارض بين نصوص اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية التي تم بموجبها تشكيل سلطات دولة الوحدة، وبين احكام الدستور: - 14
المحتوى الثقافي الاجتماعي للقضية الجنوبية: 16
طمس هوية وثقافة الجنوب 16
كارثة التعليم وتشويه المناهج: - 17
-العنف ضد المرأه: 19
الفنون والإبداع الإنساني: 20
تدمير البنية المؤسسية والبشرية للجنوب 20
القتل: 20
الأقصاء: 21
وزارة التخطيط: 21
القضاء (وزارة العدل) : 22
وزارة الصحة: 22
وزارة المالية: 23
أكاديمية الشرطة (وزارة الداخلية): 23
كلية الدراسات العليا (ماجستير علوم شرطة) 23
البعثات: 23
الكلية البحرية: 24
الكلية الحربية (وزارة الدفاع): 24
وزارة الداخلية: 24
متقاعدين الامنيين والعسكريين قسراً: 24
نهب ثروات ومقدرات الجنوب 25
الأراضي: 25
نهب الأراضي...اراضي العزيبة أنموذجاً 25
التبديد والعبث بالثروة السمكية: 26
الموارد النفطية 35
أولا: معلومات عامة عن القطاعات النفطية: 35
ثانياً: كميات وقيمة النفط (النهب والفساد المنظم): 38
ثالثا: النهب والفساد المنظم في القطاعات النفطية: 44
استمراراً لنهب الجنوب: 45
ثالثاً: نهب ثروات الجنوب المستقبلية (نهب موارد الأجيال القادمة): 52
الحراك الحامل السياسي للقضية الجنوبية: 54
الخاتمة: 57
الملاحق: 58
الملخص التنفيذي
لا يمكن الفصل بين الجذور ومحتوى القضية الجنوبية، فجذور القضية هي جزء من محتواها وهي الأسباب التاريخية الحقيقية لمحتوى القضية بأبعادها المختلفة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية وغيرها.
فرضت السلطة الخفية في صنعاء بعد عام 1994م نموذجها على الوحدة وعممت نظام الجمهورية العربية اليمنية كله، نظام أللا دولة، نظام القبيلة والعسكر وعلماء السلطة، نظام تمركز السلطة والثروات بأيدي القوى المتنفذة في صنعاء. ولإدراك هذه المراكز لعمق مدنية شعب الجنوب عملت على اتباع سياسات ممنهجة لمحو هوية وثقافة ومدنية شعب الجنوب، خلق الثأرات والنزاعات القبلية، القضاء على المؤسسات العسكرية والأمنية. لقد طالت الحرب وبعدها كل شيء في الجنوب وما ألفه واعتاد وتعلق به من تاريخ ورمزيات ومن حضور حقيقي للدولة والنظام والقانون، عملت هذه المراكز المنتصرة بعد حرب 1994م على إلغاء الجنوب شعبا وهوية ودولة باتباع السياسات التالية:
طمس هوية وثقافة الجنوب
تدمير البنية المؤسسية والبشرية للجنوب
القتل والإقصاء للكوادر الجنوبية
نهب ثروات ومقدرات الجنوب
المحتوى القانوني:
إن شعب الجنوب المقيم على أرضه منذ الاف السنيين تطلع الى مشروع الوحدة على أساس اتفاقية شراكة مع شعب الجمهورية العربية اليمنية وهو في هذه الحالة لم يبيع أرضه وثرواته ومؤسساته ولم يرهنها لأحد بل كان دافعه للوحدة هو الآخاء العربي والإسلامي والقومي ولكن هذه الوحدة ضربت في الصميم بإعلان الحرب في 1994م من قبل سلطات صنعاء.
أن الوحدة التي قامت بين الدولتين في الشمال والجنوب لم تكن قائمة على أسس وقواعد القانون الدولي والمواثيق الدولية كما أن اتفاقية الوحدة المبرمة كانت بين دولتين ذات سيادة وأعضاء في العديد من الهيئات والمنظمات الدولية والعربية ولم تشرك أي من هذه الهيئات وتحديداً منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في التوقيع على هذه الاتفاقية ولو حتى كشهود ولم تنشر تلك الاتفاقية او تودع لدى الهيئات الدولية ولا يعلم الشعب في الجنوب والشمال عن هذه الاتفاقية شيء سوى ما تسرب بانها من صفحة ونصف الصفحة وهي مساحة لا تكفي حتى لعقد تأجير محل.
المحتوى السياسي:
اعتمدت مراكز القوى في صنعاء وسلطة الحرب الأساليب العسكرية والأمنية المختلفة لإحكام سيطرتها على جغرافيا الجنوب لتكريس الفيد والنهب المستمر على مقدراته وثرواته، مستخدمة مختلف الأساليب والسبل لاستدعاء جراحات وخلافات الماضي بهدف تفكيك البنية الاجتماعية والسياسية، فاتبعت سياسة التعاقدات الانتقائية لضمان التمثيل الشكلي للجنوب وإفراغه من محتواه كمؤسسات دولة قامت على النظام والقانون.
أحدثت حرب صيف 1994م تصدعات عميقة في جدار الوحدة، ومما زاد الأمر سوءاً الممارسات التي أعقبت الحرب و انفراد السلطة في صنعاء بحكم دولة ما بعد 94م، كما أنها لم تقم بحل المشاكل الناجمة عن الحرب، بل إنها استعذبت نتائجها المأساوية ووظفتها لتكريس سياسة النهب و الإقصاء والاستبعاد و التسلط في حين يؤكد مواطنوالجنوب أن السلطة الى جانب تسريح عشرات الألاف من المدنيين و العسكريين عقب الحرب الأهلية في 1994م، قد أطلقت يد الفاسدين و النافذين لنهب أراضي الجنوب و بيع مؤسساته العامة إلى المقربين، إلا أن قرار تسريح عشرات آلاف من العسكرين و المدنيين دفعهم لان يطلقوا شرارة (الحراك الجنوبي).
طمس هوية وثقافة الجنوب
يقول عباس محمود العقاد " إذا أردت أن تدمر أمة فأبدأ أولاً بثقافتها ". ولما كانت سلطة صنعاء تعرف جيداً أن الجنوب هوية وثقافة وكيان سياسي وقانوني، تاريخي وجغرافي، ضارب أعماقه في جذور التاريخ. عملت السلطة، على السعي جاهدة لكل ما من شأنه طمس الهوية الثقافية للجنوب وتاريخة السياسي، لمصلحة المنتصر بمفهوم أن الجنوب مجرد فرع للشمال، بل تحويل التاريخ السياسي والثقافي والتراث الكفاحي الجنوبي إلى فيد صيُغ وفقاً لثقافة المنتصر في إطار من التضليل لخلق هوية وطنية جديدة زائفة يكون فيها الولاء للنظام في صنعاء.
يؤكد الباحث أ. قادري أحمد حيدر أن قوى الحرب : ( حرمت شعب الجنوب من ثروته الوطنية و تجويعه و إفقاره بعد تحويل ثروته الوطنية و الإجتماعيه و التاريخية إلى غنيمة حرب, وفيد, للمتنفذين العسكريين و القبليين, و الجهاديين الإسلامويين, وكان أكثرها قسوة ومرارة على العقل والقلب والوجدان, تدمير وإهانة تراثه الثقافي و الإجتماعي و الوطني, وتحقير رموزه السياسية والوطنية التاريخية, و إزالة معالمه الثقافيه, و الإجتماعية و الوطنية المجسدة لشخصيتهم ولمعنى وجودهم الإجتماعي و الوطني, في عملية تدمير وتخريب واسعين, وبصورة ممنهجة ومنظمة من تدمير للذات الوطنية و الإجتماعية الجنوبية لم يعرفها أبناء الجنوب حتى في ظل الإستعمار).
تدمير البنية المؤسسية والبشرية للجنوب
أمتلك الجنوب مؤسسة عسكرية وأمنية مؤهلة تأهيلاً عالياً وتدريباً احترافياً بشهادة المراكز الاستراتيجية العسكرية العالمية وكان من أفضل جيوش المنطقة حينها حيث كان الاتحاد السوفيتي سابقاً وبلدان حلف وارسو وفي إطار بروتوكولات التعاون العسكري يجري تدريب وتأهيل كل مكونات جيش الجنوب في بلدانها.
هذه المؤسسة التي ساهمت في ميزان معادلة الامن القومي والدولي في المنطقة كانت الهدف الرئيسي والاساسي لنظام مراكز القوى الثلاث في صنعاء حيث تم تصفيتها اثناء وبعد حرب 1994م.
وتعرضت منشآت القطاع العام والتعاوني الى النهب والتخريب حيث تم:
1. نهب وتخريب 255 مرفق حكومي، كان يعمل فيها 25341 موظف.
2. نهب وتخريب 333 مؤسسة قطاع عام لها 859 فرع، تمتلك 1,192 منشأة منها 1,088 منشأة كانت عاملة في ديسمبر 1994م، وكان يعمل فيها 37,279 عامل.
3. نهب وتخريب 266 تعاونية لها 501 فرع، تمتلك 767 منشأة. كان عدد المنشآت العاملة منها في ديسمبر 1994م، 709 منشاة، يعمل فيها 3,839 عامل.
اغلقت دواوين الوزارات في عدن، اما مكاتب فروع الوزارات فلا تستطيع شراء القلم الرصاص بدون العودة الى المركز في صنعاء. وقد اسهمت هذه السياسات التمييزية الشديدة في تعطيل مصالح التجار وانتشار الفساد بصورة غير موجودة في مناطق اخرى في اليمن.
وقامت الدولة وبشكل حثيث وباستخدام الوزارات ومكتب رئيس الوزراء بتغيير الوكلاء الجنوبيين للعديد من الشركات الى وكلاء شماليين مباشرة بعد حرب 1994م حتى أن وكلاء توزيع الصحف والمجلات الدولية الجنوبيين تم ارسال خطابات رسمية بتحويل وكالاتهم الى الناشرين.
القتل والاقصاء:
منذ إنتهاء الحرب بين الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي) في 7 يوليو 1994، يشهد اليمن الجنوبي تصعيداً غير مسبوق في انتهاكات حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني والعنصرية الممنهجة، والتي ترتكب من جانب القوات العسكرية والأمنية اليمنية والمليشيات المسلحة التابعة لنظام صنعاء المنتصرة في حرب 1994.
نهب ثروات ومقدرات الجنوب
أن مصالح مراكز القوى مصدرها الرئيسي ثروات الجنوب وتحديدا من قطاعات النفط... وذلك من خلال تقاسم الثروات بأوجه عدة... شركات النافذون لبيع النفط ووكالات تمنح من خلالها الشركات المنتجة نسبة من الدخل لشركات أخرى يملكها نافذون.
مثال على ذلك وليس الحصر شركات الإنتاج النفطي لقطاعات نفطية وكلائها من المتنفذين الشماليين (قطاع شركة كالفالي وتوتال وأو.إم.فيو كي أن أو سي وكنديان نكسن ودوفإنرجي ليمتد...الخ) وشركات خدمات نفطية يمتلكها نافذون وشيوخ قبائل شماليين مثل شركةالحاشدي و شركة الحثيلي و شركة المازو شركة شلبمرجروشركةأركادياو شركة MIو شركة الكون و شركةجريفن وشركة تنمية ووكالات شركات خدمية ومقاولات من الباطن وكثير من الشركات الأخرى للمتنفذين في الدولة وكلهم من المحافظات الشمالية، وتمنح عقود بإجراءات غير سليمة، غالبا بمقابل عدم محاسبة الشركات المنتجة للنفط المالكة لحق الامتياز على الميزانيات المبالغ فيها والعمالة الأجنبية وإضرار البيئة وأمور كثيرة ساهمت في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في الجنوب.
----- نهاية الملخص التنفيذي.
المدخـــــــــــــــــــــل:
بينت جذور القضية الجنوبية بجلاء أن مشروع الوحدة اليمنية لم يعني في فكر السلطة في الجمهورية العربية اليمنية غير مشروع للتوسع ونهب الثروة وضم الفرع للأصل. هذا المفهوم للوحدة وواقع النهب والظلم والإلحاق لم يتغير منذ 1990م وحتى الآن.
عملت السلطة الخفية (الائتلاف القبلي والعسكري وعلماء السلطة) في الجمهورية اليمنية منذ اليوم الأول للوحدة على قتل ولادة حلم الوحدة اليمنية الذي تغنى به الجنوب منذ الاستقلال ليكتشف بعد 1990م وتحديداً بعد حرب عام 1994م، أن مفهوم الجنوب للوحدة كان مختلف تماما، كانت تعني له الشراكة والقوة ومستوى أفضل لمواطنيه والخطوة الأولى لتحقيق حلم الوحدة العربية، بينما لم تكن الوحدة في ذهنية سلطة الجمهورية العربية اليمنية تتجاوز الاطماع في المزيد من الأراضي والثروة والسلطة. قدم الجنوب للوحدة طواعية كل ما يملك، الدولة، الأراضي والثروات وبنية اساسية وقاعدة مادية ضخمة ومقابل ذلك لم ينل الجنوب سوى المهانة والذل والظلم طيلة 23 عاما جعلته يرفض مشروع الوحدة ويدرك حجم الوهم والخداع الذي عاش فيه ولينتفض في 2007م بحراكه الشعبي السلمي الجنوبي في ثورة جديدة لاستعادة هويته ودولته المنهوبة.
إن المعاناة اليومية لشعب الجنوب طيلة 23 عاما، هذا الشعب الذي سادت فيه قيم مختلفة سياسية، قانونية، ثقافية واجتماعية شكلت عبر قرون من الزمن قيام دولة المؤسسات والنظام والقانون فيه ، ادرك بوضوح طبيعة السلطة الحقيقية الحاكمة في صنعاء، هذه السلطة الخفية التي تكونت من تحالف مصالح قبلية وعسكرية وعلماء سلطة على مر عقود من الزمن، هذه السلطة التي جثمت على أنفاس أبناء الجمهورية العربية اليمنية منذ ما قبل اندلاع ثورة 1962م والانقلابات على الرؤساء واغتيالهم حيث سيطرت هذه القوى على مفاصل الدولة وحرفت مسارها وبسطت نفوذها بالكامل على مقدرات وقرارات الشعب اليمني.
حرب عام 1994م كانت الإعلان الرسمي لانتهاء الوحدة الطوعية وأظهرت الحرب السلطة الخفية بتحالفاتها ودفاعها المستميت ليس للوحدة بل لمصالحها التوسعية. شهدت الحرب تسخير وتعبئة دينية وقبلية من قبل (السلطة الخفية) تحت شعار المحافظة على الوحدة اليمنية بينما الحقيقة لم تكن سوى بهدف نهب مراكز النفوذ لثروات الجنوب حتى وقتنا الحاضر.
إن النزاع المسلح الذي حدث في عام 2011م بين علي عبد الله صالح وال لحمر لم تكن بسبب موالاتهم للثورة بل لرفض ال لحمر توجه علي صالح في توريثه لابنه والانحراف عن الاتفاق الذي ابرم عند تنصيبه رئيسا أن تكون المرجعية للائتلاف الثلاثي، كانت حربا للحفاظ على السلطة وتثبيت مرجعية مراكز القوى القبلية على حساب مرجعية أسرة على صالح.
قاوم شعب الجنوب الاستعمار البريطاني وناضل لحريته ورفضه للذل والتبعية، تعود على الحرية والمواطنة المتساوية والدولة المدنية، على عكس الشعب اليمني الذي تعود العيش في ثقافة القبيلة وسلطتها ورضخ لها لقرون عديدة كمسلمة من المسلمات، وفي المقابل لم ولن يقبل شعب الجنوب العيش في ظل نظام قبلي عسكري ينهب مقدرات الشعوب، قرر شعب الجنوب النضال لاستعادة حريته وكرامته وثرواته ودولته المدنية...... هذه إرادة شعب الجنوب
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجــــــــلي ولابد للقيد أن ينكــــسر
المحتوى للقضية الجنوبية:
يأتي محتوى القضية الجنوبية كنتيجة موضوعية لتلك الأسباب والدوافع التاريخية والسياسية، الاقتصادية والثقافية والتي كانت اساساً وجذوراً لمحتوى القضية الجنوبية بأبعادها المختلفة ولا يمكن الفصل بين الجذور ومحتوى القضية الجنوبية، فجذور القضية هي جزء من محتواها وهي الأسباب التاريخية الحقيقية المشكلة لمحتوى القضية بأبعادها المختلفة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية وغيرها.
إن شعب الجنوب أتسم بمدنية تأسست كمنظومة متكاملة عاشتها مدينة عدن كمستعمرة بريطانية، شهدت خلال أوائل عشرينيات القرن الماضي النهوض الثقافي والاجتماعي والسياسي والنقابي والتعليمي، كما نشأت بينها وبين السلطنات والإمارات والمشيخات والتي بلغ عددها آنذاك 23 سلطنة وإمارة ومشيخة، علاقات جعلت من الجنوب تجمعات سكانية منسجمة فيما بينها، تميزت بالاحترام المتبادل والتعايش والتعاون الثنائي، حيث لم تكن هذه الكيانات تخضع لهيمنة أو سلطة دولة أخرى.
ومع إعلان الوحدة في 22 مايو 1990م، تم الاتفاق على أن تمر دولة الوحدة بمراحل انتقالية بين طرفي الوحدة وهما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية. التي قامت بين النظامين المختلفين، سادت في كل منهما قيم سياسية، قانونية، ثقافية واجتماعية مختلفة شكلت عبر قرون من الزمن قيام دولة المؤسسات والنظام والقانون في الجنوب، بينما اتسمت دولة الشمال بمنظومة قيم تستند في مجملها إلى القوة العائلية والقبيلة والنفوذ الاجتماعي... حيث فشلت مراكز القوى في المرحلة الانتقالية في ترويض شعب الجنوب وفرض نظام الجمهورية العربية اليمنية عليه. وشهدت المرحلة رفض كامل من شعب الجنوب الانصهار في ثقافة الشمال، وأمام هذا الواقع لم تجد مراكز القوى أمامها سوى الحسم العسكري لإخضاع الجنوب لها فكان إعلان الحرب في 27 أبريل 1994م.
فرضت السلطة الخفية في صنعاء بعد عام 1994م نموذجها على الوحدة وعممت نظام الجمهورية العربية اليمنية كله، نظام أللا دولة، نظام القبيلة والعسكر وعلماء السلطة، نظام تمركز السلطة والثروات بأيدي القوى المتنفذة في صنعاء. ولإدراك هذه المراكز لعمق مدنية شعب الجنوب عملت على اتباع سياسات ممنهجة لمحو هوية وثقافة ومدنية شعب الجنوب، خلق الثأرات والنزاعات القبلية، القضاء على المؤسسات العسكرية والأمنية. لقد طالت الحرب وبعدها كل شيء في الجنوب وما ألفه واعتاد وتعلق به من تاريخ ورمزيات ومن حضور حقيقي للدولة والنظام والقانون، عملت هذه المراكز المنتصرة بعد حرب 1994م على إلغاء الجنوب شعبا وهوية ودولة باتباع السياسات التالية:
1. طمس هوية وثقافة الجنوب
2. تدمير البنية المؤسسية والبشرية للجنوب
3. القتل والإقصاء للكوادر الجنوبية
4. نهب ثروات ومقدرات الجنوب
المحتوى السياسي للقضية الجنوبية
تبدأ وقائع الخلفيات السياسية للقضية الجنوبية منذ العام 1989م وهو الذي سيقودنا الى معرفة الحقائق عنها بشكل سليم. حيث نستعرض خلفيتها التاريخية من خلال خمسة مراحل رئيسة وهي:
المرحلة الأولى: من 30 نوفمبر 1989م ــ 22 مايو 1990م:
من فرائد الاتفاقيات الوحدوية التي كانت توقع بين دولتي شطري اليمن أنها كانت عادة تتم بعد حروب بين الطرفين وعلى سبيل المثال اتفاقيتي القاهرة عام 1972م واتفاقية الكويت 1979م، وفي عام 1988م كانت العلاقات بين الطرفين على أشدها توترا بسبب الخلافات حول الثروات النفطية في وادي جنة الواقع بين محافظتي شبوة ومأرب. فتم التوقيع على اتفاقية التنقيب المشترك. وعلى أثر ذلك قام الرئيس علي عبد الله صالح بزيارة رسمية إلى عدن في 30 نوفمبر 1989م بغرض حضور احتفالات شعب الجنوب بعيد الاستقلال. وفجأة يتم الاتفاق بينه وبين علي سالم الابيض الأمين العام للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني في نفق "جولدمور" بمدينة عدن على مشروع وثيقة مشتركة أطلق عليها (اعلان عدن) بشأن الوحدة اليمنية. فقوبلت هذه الوثيقة بمعارضة شديدة من قبل قيادات في الجنوب والشمال. فعلى صعيد الجنوب أعتبر أعضاء المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني أن تلك الوثيقة غير مدروسة وتعبر عن قرار فردي. لأن الوحدة بقدر ما كانت مطلب شعبي ورسمي في الجنوب بحاجة الى خطوات متأنية وفترة زمنية لا تقل عن عشر سنوات كمرحلة انتقالية. فعقدت قيادة الجنوب عدة اجتماعات طلب فيها علي سالم البيض من قيادة الجنوب عدم وضعه في موقف محرج بإجباره على عدم التوقيع على الاتفاقية، واعداً أنه بعد التوقيع عليها لن ينفذ منها شيئا. ولكنه بعد ذلك ذهب نحو الوحدة بشكل منفرد مستغلا حماس الجماهير للوحدة، فأجبرت معظم القيادات على السير معه في نفس الطريق.
أما على صعيد الشمال فإن الاتفاقية ايضا قوبلت بمعارضة شديدة ولاسيما من قبل المشايخ وبعض علماء الدين تحت مبرر أنه لا يمكن التوحد مع كفار وملحدين، وأن الجنوب فقير والشمال غني لما يمتلكه من ثروة نفطية في مأرب. غير أن علي عبد الله صالح كان يعلم أن الجنوب قد استخرج النفط وبكميات أكثر، فسار ايضا نحو الوحدة منفردا مستغلا التأييد الشعبي للوحدة، وهذا ما اجبر كثير من القيادات الشمالية على عدم معارضته والسير معه.
تم تشكيل لجان الوحدة في مختلف الجوانب والمجالات. وتكررت الزيارات واللقاءات بين القيادات وعلى مختلف المستويات. فعرض الطرف الشمالي عدة مشاريع للوحدة منها الكونفدرالية والفيدرالية، لكن علي سالم البيض أصر على الوحدة الاندماجية. حتى أن الرئيس صالح كان متحفظا على التوقيع على الوحدة الاندماجية خشية من المعارضة في الشمال. لكن البيض قدم له عرضا مغريا، فمن يطلع على مذكرات الشيخ سنان ابو لحوم التي يقول فيها ((ان البيض قال له راجع صاحبكم ـ يقصد الرئيس صالح ـ أن يوقع على الوحدة ، فقد ابلغتني اليوم شركة نفطية أنه بإمكاني الاعلان بان انتاج الجنوب من النفط سوف يصل الى قرابة نصف مليون برميل يوميا ، واذا علم بعض الجنوبيين بهذا الامر قد يعارضون الوحدة)) ، فتم التوقيع على اعلان الوحدة في 22 مايو 1990م بين طرفين متساويين هما: جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية على اساس الشراكة الاخوية الندية، ولكنها في الحقيقة كانت مشروعاً وحدوياً مليء بالأخطاء من ابرزها:
1. تم تجاهل وقائع التاريخ بأن هاذين الكيانين لم يكونا موحدين في أي عصر من عصور التاريخ. وان الوحدة اتت بالعاطفة وليس وفقا للمنطق والعقل. وهناك فوارق كبيرة بين النظامين اقتصاديا وثقافيا وإجتماعياً ... الخ.
2. تم تجاهل نصوص الاتفاقيات السابقة التي عقدت بين الطرفين بشأن مشروع دولة الوحدة بما فيها نصوص مشروع الدستور الذي اعد في عام 1981م.
3. قدم الجنوب تنازلات كبيرة منها: العاصمة والعملة ورئاسة الدولة وارض واسعة وشواطئ بحرية وجزر وثروات طبيعية متعددة ... الخ. بينما لم يقدم الشمال مقابلها أي شيئا يذكر.
المرحلة الثانية: من 22 مايو 1990 ــ 27 ابريل 1994م.
1. تم الاتفاق بين الطرفين على تطبيق افضلية التجربتين في دولة الوحدة، ولكن ما تم تطبيقه هو تجربة الجمهورية العربية اليمنية بكل مساوئها.
2. اتى الجنوب الى الوحدة بنوايا طيبة قاصدا بناء دولة مقترنة بالممارسة الديمقراطية بينما مراكز القوى العسكرية والقبلية والدينية في الشمال كانت نواياها مبيته وغير سلمية، والدليل على ذلك ما جاء في مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر بأنه تم الاتفاق بينه وبين على عبد الله صالح على ان يقوم بتشكيل حزب سياسي مهمته معارضة ما يتفق عليه صالح مع القيادة الجنوبية. فتم انشاء التجمع اليمني للإصلاح 23/9/1990م كحزب سياسي إسلامي عبر عن معارضته للوحدة من خلال رفضه للاستفتاء على مشروع دستور دولة الوحدة وأخرج مظاهرات قيل عنها انها مليونية ترفض ذلك الدستور باعتباره دستور علماني، ولكن فيما بعد قاتل حزب الاصلاح تحت مبدأ حماية هذا الدستور والوحدة عام 1994م. فكان الشمال هو الفاعل في السلطة والمعارضة في وقت واحد ويتحكم بكل مقاليد الامور بما فيها مال الدولة والاعلام ...الخ.
3. ارتكب الطرف الجنوبي اخطاء فادحة في عدم دراسته للواقع الاجتماعي والسياسي والقبلي القائم في الشمال. فاعتقد أنه باشتراطه لإقران الوحدة بالديمقراطية سوف يحقق توازن سياسي. ولكن الطرف الاخر اراد من الديمقراطية الغاء الشراكة الوطنية بين الجنوب والشمال.
4. كانت نتائج انتخابات 27 ابريل 1993م بمثابة استفتاء شعبي بأن الوحدة فيها خلل كبير، فقد حصد الحزب الاشتراكي اليمني كل المقاعد البرلمانية المخصصة للجنوب ما عدا مقعدين. اضافة إلى خمسة عشر مقعد في الشمال. بينما المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح حصدا المقاعد المخصصة للشمال. فاعتبر الشمال نتائج تلك الانتخابات الغاء لشراكة الجنوب المتساوية مع الشمال. من خلال تقسيم السلطة على ثلاثة وليس على اثنين. معتدا بالكثافة السكانية في الشمال وقلتها في الجنوب متجاهلا لوقائع التاريخ وكبر مساحة الجنوب وثروته.
5. ما أن بدأت الخلافات بين الطرفين حتى بدأت الاغتيالات للقيادات والكوادر الجنوبية في شوارع صنعاء بحجة انهم كفرة وملحدين. فذهب ضحية تلك الاغتيالات أكثر من (150) جنوبي. كما تمت محاولة اغتيال العديد من قادة الجنوب.
6. عندما عبر الجنوب عن رفضه للممارسات التي تقوم بها القوى النافذة قبليا ودينيا في الشمال ضده شنت عليه حرب تكفيرية وصلت إلى حد التشويه اللا اخلاقي للأسرة الجنوبية. ومواصلة اغتيال قياداته وكوادره عن طريق استقدام العناصر الارهابية التي كانت تقاتل في افغانستان ـ يمنية وغير يمنية ـ بهدف قتل الجنوبيين. وقد كشف الكثير منهم فيما بعد معلومات هامة عن تلك الاغتيالات. وأنها كانت تتم بعلم السلطات الحاكمة. ولهذا كانت هذه السلطات ترفض القبض على المتهمين في الاغتيالات.
7. مع اشتداد الخلافات بين الطرفين جرت الوساطات العربية وغير العربية. فكانت اهمها الوصول الى التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق برعاية اردنية من قبل كل الاطراف اليمنية الفاعلة في 20 ابريل 1994م، ولكن تلك الوثيقة لم يطبق منها شيئا وفي مقدمتها القاء القبض على المتهمين بالاغتيالات. بل بعدها بأسبوع أعلن الرئيس صالح من ميدان السبعين في 27 ابريل 1994م الحرب على الجنوب. فاندلع في مساء نفس اليوم اول صدام مسلح بين لوائين مدرعين في منطقة عمران شمال صنعاء.
المرحلة الثالثة: من 27 ابريل 1994 ــ 7 يوليو 1994م.
1. بعد قتال عمران مباشرة تمت مهاجمة بقية الوحدات العسكرية والامنية الجنوبية المتواجدة في محافظات الشمال، بهدف جعل الجنوب ساحة المعركة، وهذا ما حصل، فقد بدأت مهاجمة الوحدات الجنوبية على مناطق الاطراف، وصدرت الفتاوى الدينية التي تبيح قتل الجنوبيين اثناء تلك الحرب باعتبارها حرب مقدسة. فالقوات الجنوبية أطلقت عليها تسمية (قوى الردة والانفصال) وهذا ما يعني أن المدافعين عن الجنوب هم قوى مرتدة عن الدين الاسلامي ومجرد مجموعة انفصالية يحق قتلهم شرعا وقانونا، وجازت الفتاوى استباحت الممتلكات العامة والخاصة، وكأن الجنوب دار كفر، واستعانت قيادة صنعاء بكل عناصر الارهاب للقتال معها.
2. أثناء الحرب رفض نظام صنعاء الاستجابة للقرارات الدولية واعتقد نظام صنعاء انه بنجاحاته العسكرية على الأرض سوف يحقق الانتصار المطلق. حتى انه رفض نصيحة حلفائه الامريكيين وهي نصيحة هامة جدا .. عندما نصحوه بعدم اقتحام مدينة عدن عسكريا لأنها تشكل معلم رمزي وسياسي وتاريخي ووطني للجنوب وستكون لذلك الاقتحام عواقب مستقبلية وخيمة وقدموا له عدة نصائح لحل مشكلتها.
3. استبيحت مدن الجنوب كلها وفي مقدمتها العاصمة عدن، ودمرت مقومات الجنوب الاقتصادية والخدمية والثقافية والعسكرية، ونهب كل شيء فيه بما في ذلك المتاحف الوطنية والوثائق التاريخية بشكل غير مسبوق في الحروب التي شهدتها البشرية، فقد كانت قوافل القبائل تأتي الى الجنوب بغرض النهب.
4. في يوم 7 يوليو 1994م أعلنت حكومة صنعاء عن انتصارها في الحرب بدخولها مدينة عدن. ووجهت رسالة الى مجلس الامن الدولي احتوت على سبع نقاط ومنها ضمان عودة كل الجنوبيين الى اعمالهم المدنية والعسكرية ودفع التعويضات للمتضررين. ولكن مع الاسف الشديد لم يتم تطبيق نقطة واحدة من تلك النقاط.
المرحلة الرابعة: من 7 يوليو 1994 ــ 7يوليو 2007م.
1. بدلا من ان تقوم حكومة صنعاء بتنفيذ تعهداتها للمجتمع الدولي تم تطبيق سياسة الاقصاء والابعاد للجنوبيين من وظائف الدولة المدنية والعسكرية. وتم تقاسم ممتلكات شعب الجنوب من اراضي وعقارات ومصانع ومزارع ... الخ واصبحت ارض الجنوب تقسم كهبات للأقرباء والمواليين، وكأن الجنوب هبة الله للشمال. حتى أن الجنوبيين أصبحوا لا يجدون الأرض لدفن موتاهم.
2. ارتكبت أبشع الانتهاكات لحقوق الانسان في الجنوب، التي من الصعب ذكرها لأنه لا يليق ان يقال ان مسلمين ارتكبوها.
3. احتقار الانسان الجنوبي ووصفه بأنه مواطن وافد من الصومال والحبشة والهند وباكستان. حتى أن الأخ علي سالم البيض الذي وقع على اعلان دولة الوحدة قيل انه هندي وهو تمييز عنصري سافر يجرد الجنوبيون حقهم في الارض والتاريخ.
4. تم الغاء العمل بجميع الوثائق التي تمت الوحدة بموجبها. بما في ذلك دستور دولة الوحدة تم تعديل معظم مواده ولأكثر من مرة. بما يعزز سيطرة الطرف المنتصر.
5. حرمان الجيل الجديد في الجنوب من الالتحاق بالمعاهد والكليات العسكرية والأمنية حتى وصل الامر إلى منع التحاقهم كجنود في المؤسسات العسكرية والامنية وحرمانهم من التوظيف بشكل مطلق في بعض أجهزة الدولة الهامة مثل القضاء والنيابة العامة والنفط والسلك الدبلوماسي والمرافق الإيرادية مثل الضرائب والمالية والجمارك ... الخ وهذا يؤكد مجددا التعامل العنصري التمييزي من قبل سلطة النظام تجاه الجنوبيين.
6. حرمان الجنوبيين من البعثات الدراسية في الخارج. أو مواصلة دراساتهم للحصول على شهادات عليا.
7. لم يتم الاكتفاء بحرمان الجنوبيين من العمل في مراكز قيادية في مرافق دولة الوحدة المركزية فقط، وإنما حرمانهم من شغل الوظائف العامة على مستوى محافظاتهم ومديرياتهم. حيث تم تعيين شماليين حتى في ابسط المناصب القيادية في الجنوب. فتصوروا ان يقال إنها دولة وحدة وفي كثير من الوزارات والمرافق العامة في صنعاء لا يوجد فيها جنوبي واحد. فأي وحدة يتم الحديث عنها.
8. حرمان الجنوبيين من حق الحصول على رخص الاستيراد والتصدير والاستثمار، وفي أحسن الاحوال يمارسون اعمال تجارية بسيطة. اتباعا لسياسة افقار منهجية مدروسة. فأصبح شعب الجنوب ساحة للعمل السياسي من قبل ما تسمى بالجمعيات الخيرية التابعة للحزبين الرئيسيين (المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح) والجمعيات الأخرى ذات التوجهات السياسية الدينية.
9. حرمان الجنوب من انتخاب ممثليه في مجلس النواب والمجالس المحلية، فقد أصبح اعضاء هذه المجالس يمثلون الحزبين الرئيسيين في الشمال وهما: المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح.
10. حاولت بعض القيادات الجنوبية تقديم مقترحات ومشاريع سياسية لحل أوضاع الجنوب المأساوية بعد حرب عام 1994م مثل: إزالة آثار هذه الحرب، واصلاح مسار الوحدة، والمصالحة الوطنية الشاملة، ولكن رفضت كلها دون وجه حق.
المرحلة الخامسة: من 7 يوليو 2007م ـ إلى يومنا هذا.
القضايا التي عاشها شعب الجنوب في المراحل السابقة وتم ذكرها آنفا. هناك عشرات من القضايا المأساوية التي عاشها الجنوب لم يتم ذكرها. كانت بمجملها محفزا لثورة جنوبية سلمية وعندما قامت مجموعة من العسكريين والامنيين المحالين الى التقاعد قسرا بأول مظاهرة سلمية، استجابت لها كل محافظات ومديريات الجنوب، بتشكيل جمعيات للمتقاعدين العسكريين والامنيين والمدنيين، فقد كان الجنوب كله يئن من القهر والظلم، وتجلى ذلك في أول مظاهرة وطنية جنوبية شاملة جرت وقائعها في ساحة العروض بعدن في يوم 7/7/2007م، ومع ذلك كانت المطالب في البداية حقوقية ومطلبية بسيطة، وبدلا من معالجتها بحلول صادقة جرت مجابهتها بالقمع والعنف من خلال الاعتقالات الواسعة والقتل المفرط ، ومع الاسف في ظل صمت مطبق من قبل قوى المجتمع المدني والمثقفين في الشمال. ومع ذلك استطاع الجنوب الحفاظ على سلمية ثورته ولم ينجر الى دائرة العنف حتى اللحظة.
انطلقت السلطات الحاكمة في صنعاء في بعض معالجاتها للقضية الجنوبية انطلاقا من تجربتها في معالجة القضايا في الشمال، والتي تتعامل فيها مع المواطن الشمالي تعامل الشيخ مع الرعية، من خلال تعيين بعض الشخصيات الجنوبية في مناصب قيادية أو تسوية مرتبات بعض المتقاعدين أو دفع مبالغ مالية وسيارات لشراء الذمم، أو تشكيل لجان للتعويض عن المنازل والاراضي. وهي نفس الطريقة التي اتبعت مؤخرا بعد الاطاحة بالرئيس صالح. فبدلا من اجبار الشماليين على تسليم ما نهبوه في الجنوب. يتم تعويض الجنوبيين من أملاكهم، فأي عدل هذا؟ إن مثل هذه المعالجات غير مجدية في وضع حلول ناجعة للقضية الجنوبية. فالجنوب كدولة وشعب وارض وهوية دخل في وحدة ندية مع الشمال كدولة وشعب وارض وهوية، وبدون الاعتراف والعمل بهذه الحقيقة المطلقة فإن الحلول تبقى ضرب من الخيال.
المحتوى القانوني للقضية الجنوبية:
اختلال البناء القانوني والمؤسسي لدولة الوحدة:
بناءً على اتفاق عدن الصادر في 30 نوفمبر 1989م بين قيادتي الدولتين (جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، والجمهورية العربية اليمنية) صدر في الثاني والعشرين من ابريل 1990م اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية موقعاً عليه من الاخوين/ علي سالم البيض، الامين العام للحزب الاشتراكي اليمني، عن جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، والرئيس/ على عبد الله صالح، رئيس الجمهورية العربية اليمنية. وقد تم التوصل الى هذا الاتفاق في اجتماع عام شاركت فيه كافة الهيئات القيادية العليا السياسية والحكومية والحزبية وأعضاء هيئتي رئاسة مجلس الشعب والشورى في الدولتين. ويتكون الاتفاق في مجمله من صفحة ونصف الصفحة. ويحتوي على مقدمة و(11) مادة. نصت المادة الاولى منه على أن تقوم بتاريخ 22مايو1990م بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية وحدة اندماجية كاملة تذوب فيها الشخصية الدولية لكلٍ منهما في شخص دولي واحد يسمى (الجمهورية اليمنية)، ويكون للجمهورية اليمنية سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة. وتضمنت بقية المواد أحكاماً حول كيفية تكوين مجلس رئاسة للجمهورية اليمنية، ومهامه خلال الفترة الانتقالية، وتحديد مدة الفترة الانتقالية بسنتين ونصف، وكيفية تكوين مجلس النواب خلال الفترة الانتقالية وتخويله الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور عدا انتخاب مجلس الرئاسة وتعديل الدستور. ونصت المواد الختامية على نفاذ الاتفاق ونفاذ أحكام الدستور بعد المصادقة عليهما من قبل مجلسي الشعب والشورى، واعتبار المصادقة عليهما ملغية لدستوري الدولتين السابقتين.
ومن خلال الاطلاع على اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية وعلى دستور دولة الوحدة، وتمحيص نصوصهما نصاً نصاً تتبين لنا الاخطاء والنواقص التشريعية فيهما، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تتعارض بعض نصوص اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية مع أحكام دستور دولة الوحدة وانتهاء العمل بالدستور بعد انقضاء الفترة الانتقالية... ويتلخص أهمها فيما يلي:-
الاخطاء والنواقص في اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية: -
- عدم طرح اتفاق قيام وحدة اندماجية كاملة بين الدولتين على الاستفتاء الشعبي العام في كلا الدولتين قبل اعلان قيام الوحدة (بسبب رفض الجانب الشمالي اجراء الاستفتاء) خلافا لما تم الاتفاق عليه في وثيقة اتفاق عدن الصادر بين الدولتين في 30 نوفمبر 1989م مما أفقد هذه الوحدة الشرعية الكاملة لقيامها.
- خلو الاتفاق من أية ضمانات عربية أو دولية، أو أحكام تضمن نجاح الوحدة وعدم الانحراف بها عن مسارها الصحيح أو الانقلاب عليها، وترتب المسئولية القانونية في حالة إخلال أحد الطرفين بالاتفاق وإفشال الوحدة.
- ضعف الصياغة القانونية الفنية لنصوص الاتفاق المكون من صفحة ونصف الصفحة (في حين أن اتفاقية الوحدة الألمانية مكونة من أكثر من 750 صفحة) وجعله مقصوراً فقط على اعلان قيام الجمهورية اليمنية وتشكيل مجلس رئاسة الجمهورية، ومجلس النواب واختصاصاتهما بإيجاز، وتشكيل الحكومة، واعتباره اتفاقاً منظماً للفترة الانتقالية فقط (المحددة بسنتين ونصف) وليس كوثيقة قانونية أساسية تعتبر كميثاق ومرجعية دائمة لدولة الوحدة.
- عدم اشتمال الاتفاق على جميع الاسس والمقومات اللازمة لبناء دولة الوحدة بسلطاتها الثلاث ومؤسساتها الدستورية، وهيئاتها وأنظمتها وأجهزتها المختلفة.
- غياب التحديد لمدة زمنية كافية للفترة الانتقالية التي من شانها أن تهيئ للانتقال التدريجي من دولتين ذات نظامين سياسيين مختلفين ومتباينين الى دولة واحدة موحدة، وذلك في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والامنية وغيرها، وفق خطط علمية وبرامج زمنية مدروسة.
ثانياً: الاخطاء والنواقص التشريعية في اعداد واقرار دستور دولة الوحدة:-
1-عدم طرح دستور دولة الوحدة للاستفتاء الشعبي العام في الدولتين لإقراره قبل اعلان قيام الجمهورية اليمنية، بينما تمت المصادقة عليه من قبل مجلسي الشعب الاعلى والشورى فقط، يوم قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م وأصبحت أحكامه نافذه منذ ذلك اليوم خلافاً لأحكام المادة(4) من الدستور باعتبار الشعب هو مالك السلطة ومصدرها، ولذلك أصبح الاستفتاء الشعبي العام على الدستور الذي اجري في 15-16 مايو 1991م أي بعد مرور عام على نفاذ الدستور مظهراً شكلياً غير ذي جدوى. وقد قاطع حزب الاصلاح وقواعده وانصاره الاستفتاء على الدستور تعبيرا منهم على رفض الوحده.
2-عدم القيام بمراجعة وتعديل مشروع الدستور قبل المصادقة عليه لأجل إنهاء القصور وسد النواقص الموجودة فيه، حيث تم اعداده بطريقة مرتجلة بعد حرب بين الدولتين قبل قيام الوحدة بعشرسنوات في ظل أنظمة الحكم الشمولي في دولتي الشمال والجنوب.
وأهم الاحكام التي كان يتوجب تعديلها أو تضمينها في مشروع الدستور هي: -
- مبدأ التعددية السياسية والحزبية وحرية تكوين التنظيمات والاحزاب السياسية وممارسة النشاط السياسي.
- حرية النشاط الاقتصادي وحرية التجارة والاستثمار الذي يقوم على أساسه الاقتصاد الوطني.
- وضع نظام انتخابي متوازن يعتمد في تكوين الدوائر الانتخابية للجمهورية الى جانب العدد السكاني، المساحة الجغرافية والثروة الطبيعية، ضماناً لعدم هيمنة أحد الشريكين على الآخر.
- انتخاب رؤساء المجالس المحلية والمحافظين ورؤساء هيئات السلطة المحلية في إطار الدوائر الانتخابية للمجالس المحلية في المحافظات.
- استحداث منصب نائب رئيس مجلس الرئاسة للجمهورية في تشكيلة المجلس الى جانب الرئيس والاعضاء ليتوافق ذلك مع ما نص عليه اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية.
- تأكيد الالتزام بالعمل باتفاق اعلان الوحدة واعتباره ميثاقا ومرجعية دائمة ومترتبات الخروج عليه، بينما أكد الدستور الالتزام بالمواثيق الدولية والعربية.
ثالثاً: التعارض بين نصوص اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية التي تم بموجبها تشكيل سلطات دولة الوحدة، وبين احكام الدستور: -
تم انتخاب مجلس رئاسة الجمهورية اليمنية وأدائه اليمين في اجتماع مشترك لهيئة رئاسة مجلس الشعب الاعلى والمجلس الاستشاري وذلك وفقاً للمادة (2) من اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية، خلافاً لأحكام المادتين(82،83) من دستور دولة الوحدة، اللتين تنصان على انتخاب مجلس الرئاسة من قبل مجلس النواب بالاقتراع السري ويعتبر المرشح عضواً في مجلس الرئاسة بحصوله على ثلثي أعضاء المجلس في المرة الاولى، وإذا لم يتم فبالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس. بالإضافة الى ذلك، فإنه وفقاً لنص المادة(2) من اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية، فقد تم انتخاب مجلس رئاسة الجمهورية لمدة الفترة الانتقالية فقط (المحددة في المادة(3) من ذات الاعلان بسنتين ونصف) وذلك خلافاً لأحكام المادتين(87،84) من دستور دولة الوحدة اللتلن تنصان على ان المدة الدستورية لمجلس الرئاسة هي خمس سنوات شمسية ابتداءً من تاريخ أداء اليمين امام مجلس النواب، هذا من جهة ومن جهة اخرى، فقد تم انتخاب مجلس الرئاسة من خمسة أشخاص انتخبوا من بينهم في أول اجتماع لهم رئيساً لمجلس الرئاسة ونائباً للرئيس وفقاً للمادة (2) من اتفاق اعلان الجمهورية، خلافاً لأحكام المادة (84) من الدستور التي تنص على انتخاب مجلس الرئاسة رئيساً له (فقط) من بين أعضائه دون النص على انتخاب نائباً لرئيس مجلس الرئاسة في قوام تشكيل المجلس، وهو ما تم استخدامه في مواقف - غير معلنه- بقصد الابتزاز ضد نائب رئيس مجلس الرئاسة حينها بصورة تعمدت الاهانة والإساءة الى الرجل الذي وقع اتفاق اعلان الوحدة اليمنية.
تم تكوين مجلس النواب للجمهورية اليمنية من كامل أعضاء مجلس الشورى ومجلس الشعب الاعلى في الدولتين السابقتين بالاضافة الى (31) عضواً صدر بهم قرار من مجلس الرئاسة، وأنيطت بمجلس النواب الصلاحيات المحددة له في الدستور ما عدا انتخاب مجلس الرئاسة وتعديل الدستور، وذلك وفقاً للمادة (3) من اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية بالمخالفة لأحكام المادة (41) من الدستور التي نصت على تكوين مجلس النواب من أعضاء ينتخبون بطريقه الاقتراع السري العام الحر المباشر المتساوي، ويمارس المجلس كافة الصلاحيات المحددة في الدستور دون استثناء بما في ذلك انتخاب مجلس الرئاسة وتعديل الدستور. وفي حالة خلو مقعد أي عضو من اعضاء مجلس النواب لأي سبب كان فقد نصت المادة (3) من اعلان اتفاق الجمهورية بأن يتم ملئه عن طريق التعيين من قبل مجلس الرئاسة، خلافاً لأحكام المادة (61) من الدستور التي نصت على انتخاب خلف عن العضو الذي خلا مقعده في مجلس النواب إذا كانت المدة المتبقية للمجلس لا تقل عن سنة.
وقد نصت المواد (10،9،8) من اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية على نفاذ أحكام دستور دولة الوحدة خلال المرحلة الانتقالية فقط اعتبارا من تاريخ المصادقة عليه من قبل كلٌ من مجلسي الشورى والشعب، واعتبار المصادقة عليه مُلغية لدستوري الدولتين السابقتين. وذلك خلافاً للمبادئ والقواعد الدستورية التي تقرر نفاذ أحكام الدستور من تاريخ إقراره في استفتاء شعبي عام. كما أن الدستور يوضع لمرحلة تاريخية غير محددة المدة وليس لفترة انتقالية مدتها سنتان ونصف.
وقد انقضت الفترة الانتقالية في 22 ديسمبر 1992م دون أن يعقبها اصدار دستور جديد - حسب اتفاقية الوحدة - لانتهاء فترة العمل بدستور الوحدة او على اقل تقدير تعديل دستور الوحدة لأنهاء القصور والسلبيات وسد النواقص التشريعية الموجودة فيه التي برزت خلال الفترة الانتقالية. كما انقضت الفترة الانتقالية دون ان يتم استكمال توحيد البناء المؤسسي لدولة الوحدة وعلى سبيل المثال الحصر المؤسسة العسكرية والامنية (الجيش والامن) ومؤسسة الطيران المدني والملاحة البحرية والإنشاءات الصناعية والانتاجية وشركات القطاع العام... الخ.
كما ان الانتخابات البرلمانية التي جرت بعد انتهاء الفترة الانتقالية بانتخاب مجلس نواب عام 1993م انتخب بدوره مجلس رئاسة للجمهورية تمت في غياب الدستور وبطريقة اخلت بالتوازن في الشراكة القائمة لدولة الوحدة.
إن هذه الاخطاء والنواقص والسلبيات الموجودة في اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية، ودستور دولة الوحدة، والتعارض فيما بينهما، والانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت بعد انتهاء العمل بالدستور لم تكن عفوية، بل كان مخطط لها وتعبر عن نية مبيته في الانقلاب على الوحدة من طرف (الجمهورية العربية اليمنية)، إذ كان لها تأثيراً سلبياً بالغاً على مسار الوحدة منذ بداية اعلانها، مما ساعد على تحويل المشروع الوحدوي من شراكة سلمية نديه متساوية ومتوازنة قامت بالتراضي والاتفاق بين دولتين ونظامين سياسيين مختلفين الى ضم وإلحاق لإحدى الدولتين بالأخرى، والهيمنة الكاملة عليها وعلى كامل مقدرات ومقومات الدولة، والشعب والارض بما فيها من ثروات والسلطة، وهو ما توج في 7/7/1994م باحتلال جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية بعد إعلان الحرب عليها واجتياحها بالقوة المسلحة من قبل الجمهورية العربية اليمنية، مما يعني ذلك صراحةً إلغاء اتفاق اعلان الوحدة ودستورها، وإحلال دستور آخر بديلاً عنه تم الاستفتاء عليه بعد ثلاثة اشهر من احتلال الجنوب وبالتحديد في 1/10/1994م وكان المسمار الاخير في نعش الوحدة. (وكان حزب التجمع اليمني للإصلاح في مقدمة الداعين للاستفتاء بنعم على هذا الدستور اذ كان شريكا في الحرب على الجنوب وفي السلطة التي اعقبتها).
إن كل هذه الاسباب السابق ذكرها كافية لتقويض مشروعية ما جرى الحديث عنه من وحدة قائمة على اسس دستورية وقانونية سليمة، كما أن غياب ما كان ينبغي النص عليه من أحكام تنظيمية شاملة ومتكاملة و لفترة انتقالية كافية وتتضمن معالجات لحالات الخلاف بين طرفي الاتفاق، كان هو السبب المنطقي لممارسات الاغتيالات خلال الفترة الانتقالية ضد ابناء الجنوب من كادر مدني وعسكري ممن حملوا أمتعتهم واستجابوا لنداء وحدة اعتقدوا انها اقيمت على بنيان صلب ومتين، ولكن تبين لهم وفي اقل من اربع سنوات أنهم كانوا فريسة شريك لا يتمتع بمصداقية ووفاء بالعهود والعقود، وكانت حرب 1994م تتويجا لحلقات التآمر على الجنوب وشعبه وثرواته وكامل مقدراته. ولم تفلح وثيقة العهد والاتفاق التي تم
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها