من يصرخ "أنا جائع" يُختطف.. الحوثي يحول الفقر إلى أداة قمع
عدن بوست - متابعات : الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 09:06 مساءً

تحولت صرخات الجوع في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي إلى تهمة يعاقب عليها أصحابها بالاختطاف والتخوين، بعدما جعلت المليشيا من الفقر وسيلةً لإرهاب المجتمع، تستخدمها لإسكات الأصوات الغاضبة، وتكميم كل من يجرؤ على انتقاد فسادها أو كشف معاناة المواطنين.
منذ سنوات، يعيش ملايين اليمنيين في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي مجاعة صامتة إثر نهب المرتبات وفرض الجبايات، في حين تزداد الثروات في يد قادة المليشيا الذين يحتكرون الأسواق والمساعدات ويحولون الجوع إلى وسيلة لإذلال المواطنين وتركيع المجتمع.
ومع تزايد الشكاوى من الجوع خلال الأيام الماضية، أطلقت مليشيا الحوثي حملات اعتقال وملاحقة ضد مواطنين وناشطين وفنانين، لمجرد مطالبتهم بالرواتب أو عرضهم لمعاناتهم، في تأكيد واضح على أن التعبير عن الجوع بات جريمة في زمن المليشيا.
أصوات الجوع تحت المقصلة
"أنا جائع.. الناس جائعون.. من أين نأكل؟!.. نأكل تراب؟!"، بهذه الصرخة عبّر المواطن جميل شرهان من أبناء مديرية همدان العاصمة صنعاء، في فيديو مصور نشره قبل فترة، عن معاناة اليمنيين، فاختطفته مليشيا الحوثي بتهمة الإساءة لقيادتها الإرهابية.
وقبل أيام، داهمت المليشيا منزل الناشط صالح القاز في صنعاء، واقتادته إلى المعتقل بسبب منشور على فيسبوك تحدّث فيه عن مجاعة الناس، في حملة متصاعدة تستهدف كل من يعبّر عن سخطه من غلاء الأسعار أو انقطاع المرتبات أو عجز الأسر عن توفير الطعام.
وأفادت مصادر خاصة لـ"الصحوة نت" أن عشرات المواطنين اعتُقلوا خلال الأسابيع الأخيرة بتهم التحريض أو "إثارة الفوضى" فقط لأنهم تحدثوا عن الجوع، مؤكدة أن المليشيا تُخضع الموقوفين لتحقيقات قاسية وتمنع عنهم الزيارة أو التواصل مع ذويهم.
في السياق، قال الناشط الإعلامي عبدالله السعيدي، إن الحملات القمعية التي يشنها الاحتلال الحوثي ضد مواطنين عُزّل يشتكون من الجوع، ليست دليل قوة، بل اعتراف صريح بالهزيمة، لأن المليشيا تخشى الحقيقة أكثر من السلاح.
وأضاف السعيدي، في تصريح لـ"الصحوة نت"، أن هشاشة المشروع السلالي القائم على مبدأ الطاعة والولاية تجعل أي صوت يطالب بلقمة العيش تهديدًا مباشرًا لأساس سلطتهم، لأن المجاعة تُسقط العبودية، والعبد الجائع لن يبحث عن الولاء بقدر ما يبحث عن الطعام والكرامة.
وبهذا الأسلوب، تسعى المليشيا الحوثية لزرع الخوف في نفوس المواطنين، وجعل الجوع أداة لإخضاع المجتمع، في وقت تتزايد فيه معدلات الفقر والمجاعة وتنهار منظومة الخدمات العامة دون أي مبادرة لإنقاذ الوضع المعيشي المنهار.
الوسط الفني تحت حصار الفقر والقمع
امتدّ القمع إلى الوسط الفني، حيث طالت الاعتقالات عددًا من الفنانين والممثلين الذين تجرؤوا على مناشدة قيادة المليشيا لإنقاذهم من الجوع، بعدما فقدوا أعمالهم ومصادر دخلهم، واضطر بعضهم للنوم في الشوارع بعد أن صادر الحوثيون مشاريعهم الفنية.
خلال الأيام الماضية، انتشرت مقاطع مصوّرة لفنانين - عدد منهم محسوب على المليشيا- يشكون سوء أوضاعهم ويطالبون بمرتباتهم، وبرغم لغة الاسترضاء لقيادة الحوثي، إلا أن المليشيا ردّت بحملة تهديد وتشهير، واتهمت الممثلين بأنهم "عملاء" و"مثيرو فوضى".
المصادر أكدت لـ"الصحوة نت" أن نقابة الفنانين الخاضعة لمليشيا الحوثي تلقت توجيهات بعدم السماح بإنتاج أي أعمال تتناول الأزمة المعيشية أو تتحدث عن الفقر، فيما يواصل ناشطو المليشيا حملة ممنهجة لتشويه سمعة الفنانين المنتقدين.
وأوضحت أن مليشيا الحوثي عمدت على تهميش عدد من الفنانين والممثلين اليمنيين في مناطق سيطرتها، على حساب إبراز مجموعة من الأفراد المحسوبين عليها، على الرغم من عدم حصولهم على شهادات تعليمية أو حتى أدنى الخبرات التي تؤهلهم للتواجد في الوسط الفني والإعلامي.
الجوع ممنوع والشكوى خيانة
في رد على حملات الفنانين والناشطين، خرج القيادي الحوثي أحمد الشامي ليتهم من يكتب عن الجوع بأنه عميل وجاسوس لأجهزة استخبارات أجنبية معادية، زاعمًا أن مؤثرين تم استقطابهم إلى الخارج ودفعهم للتحريض على الوضع المعيشي داخل مناطق سيطرة المليشيا.
أثارت تلك التصريحات موجة سخرية وغضب شعبي واسع، إذ رأى ناشطون يمنيون أنها محاولة مفضوحة لإسكات الناس وإخفاء فشل المليشيا في إدارة الحياة اليومية، بعدما انتهت شماعة "حرب غزة" التي استخدمتها لتبرير أزماتها الاقتصادية.
وأكد ناشطون أن الحوثيين يعيشون حالة خوف من انفجار شعبي، بعد أن بدأ المواطنون يفقدون خوفهم ويطالبون بحقوقهم المعيشية، مشيرين إلى أن خطاب التخوين لن يوقف الجوع، بل يزيد من نقمة الشارع واتساع الفجوة بين المليشيا والمجتمع.
ويعزي الناشط السعيدي هذا الخوف الحوثي إلى جملة من الأسباب؛ أهمها أن هذه الصرخات تنسف السردية الكاذبة للمليشيا حول ما تسميه بـ"المسيرة القرآنية"، وتفضح زيف شعاراتها عن الصمود والمقاومة، إذ لا معنى لأي شعار حين يعجز المواطن عن إطعام أطفاله.
صوت الجائع.. تهديد لمشروع الحوثي الفاسد
يرى محللون أن هذه الاتهامات التي تكيلها المليشيا لكل من يشكو جوعه، تكشف عن طبيعة النظام الحوثي الذي لا يحتمل النقد، ويحوّل أي معاناة إلى مؤامرة وخيانة، في وقتٍ تتسع فيه رقعة الجوع، ويغرق الملايين في فقرٍ غير مسبوق تحت سلطة السلاح والجباية.
بدوره، أشار "عبدالله السعيدي" إلى أن شكاوى الجوع تمثل أيضًا إدانة صريحة لمنظومة الفساد والنهب التي تديرها المليشيا، حيث تذهب الإيرادات والجمارك لتمويل الحرب وإثراء القيادات، بينما يُترك الشعب فريسة للفقر والجوع والقهر.
وأكد في ختام تصريحه لـ"الصحوة نت" على أن الاحتلال الحوثي يخاف من صوت المواطن الجائع أكثر مما يخاف من أي صاروخ، لأن هذا الصوت وحده قادر على تفكيك سلطته، ولا يمكن لأي حاكم أو كيان سلالي أن يستمر إذا أجمع الناس على أنه سرق لقمة عيشهم.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها