موائد رمضانية في عدن تغيث الفقراء وتنشر أجواء الألفة في المدينة

مع غروب شمس رمضان، تتحول شوارع وأحياء العاصمة المؤقتة عدن إلى لوحة نابضة بالتآخي والتراحم، تمتد موائد الإفطار الجماعية في مشهد يُعبّر عن روح التضامن الاجتماعي الذي لطالما ميز أهل هذه المدينة العريقة.
قبيل أذان المغرب، يخرج شباب عدن إلى الشوارع لتوزيع وجبات إفطار خفيفة على المارة، في مشهد متجدد يُلاحظ سنويًا خلال شهر رمضان المبارك. وفي مختلف الأحياء، يقيم الأهالي والمتطوعون موائد إفطار مفتوحة تجمع الصائمين في أجواء من الألفة والتعاون.
رسالة حب
ورغم التحديات الاقتصادية التي تواجه الكثيرين، تظل هذه المبادرات التي تُنظم بعضها من قِبل جمعيات خيرية، فيما تنطلق أخرى بجهود فردية وشبابية، شاهداً على أصالة عدن وأهلها، ورسالة حب تُعبّر عن قيم التكافل التي يُعززها الشهر الفضيل.
يقول علي محسن، أحد المتطوعين في تنظيم هذه الموائد، لـ صحيفة "صيرة":"ما نقوم به ليس مجرد توزيع طعام، بل هو تجسيد لمعاني الأخوة. كبرنا في عدن على هذه العادات، ونرى في رمضان فرصة لتعزيز الألفة والتلاحم الاجتماعي ومساعدة من هم في حاجة."
هذه المبادرات، رغم بساطتها، تساهم في رسم الابتسامة على وجوه العابرين، وخاصة أولئك الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى منازلهم قبل موعد الإفطار. كما أنها توفر فرصة للتواصل المباشر بين مختلف فئات المجتمع، حيث يجلس العمال والمحتاجون جنبًا إلى جنب مع المتطوعين وأبناء الحي، في مشهد يُذيب الفوارق الطبقية ويؤكد أن رمضان شهر الرحمة.
غيث للفقراء
لا تقتصر هذه الموائد على أبناء المدينة فقط، بل تمتد لتشمل النازحين والفئات الأكثر احتياجًا. تقول أم أحمد، النازحة من محافظة الحديدة منذ ثماني سنوات:"هذه الموائد رحمة من الله لنا، فأحيانًا لا أجد ما أفطر عليه مع أولادي، ولكن بفضل هذه المبادرات، نشعر أننا جزء من مجتمع متكاتف لا يترك أحدًا وحده."
ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة، يحرص أهالي عدن على استمرار هذه المبادرات، متجاوزين التحديات مثل نقص التمويل أو الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية.
تقليد عدني أصيل
عرفت عدن هذه العادة منذ عقود، حيث يجتمع الجيران وأبناء الأحياء حول موائد الإفطار المشتركة، يتبادلون الطعام والابتسامات، ويعيشون لحظات روحانية تعزز المحبة بينهم. ورغم الأوضاع المتغيرة، فإن هذا التقليد لم يندثر، بل تزايدت المبادرات خلال السنوات الأخيرة، في إصرار واضح على إبقاء روح التكافل حية.
يقول محمد السعدي، أحد القائمين على مبادرة إفطار جماعي في مدينة الشعب:"كل عام يزداد عدد المشاركين، وهذا دليل على أن الخير ما زال في أهل عدن. رمضان يعيد إلينا أجمل ما في مجتمعنا من تكافل ومحبة."
ويضيف في حديث مع صحيفة "صيرة" أن استمرار هذه المبادرات يعتمد على دعم المجتمع ورجال الأعمال، والتمويل قد يكون تحديًا، لكن عزيمة الشباب وإيمانهم بأهمية العمل الخيري يجعل هذه المبادرات تستمر رغم كل الصعوبات."
وتبقى موائد رمضان في عدن أكثر من مجرد موائد إفطار؛ إنها رسالة محبة وسلام يرسلها أبناء المدينة إلى كل من يمر بها. إنها عنوان للألفة والتراحم، ودليل على أن روح العطاء أقوى من أي تحديات. ورغم تغير الظروف، تظل هذه المبادرات أحد أوجه الخير المتجذرة في المدينة، حيث يُثبت أبناء عدن عامًا بعد عام أن التضامن هو جوهر المجتمع الحقيقي.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها