جدل بشأن نفوذ القبيلة باليمن
بالرغم من الدور الإستراتيجي المهم الذي لعبته القبائل اليمنية في دعم الاحتجاجات وإنجاح الثورة، فإن دورها في صياغة مستقبل اليمن وتحويل المسار السياسي نحو بناء الدولة المدنية الحديثة لا يزال محور جدل لدى كثير من الأوساط السياسية في اليمن.
فالآراء تتباين بين من يرى في القبيلة أحد الركائز الأساسية في التغيير والتحول نحو بناء الحكم الرشيد، وبين من يخشى من استعادة القبيلة ماضيها بإعادة إنتاج الرموز التقليدية مقابل تقويض أسس الدولة المدنية وإضعاف دور القوى التحديثية.
وتعتبر القبيلة في اليمن لاعبا رئيسيا في المسرح السياسي نظرا للدور الذي ظلت تلعبه في كثير من المراحل على مدى العقود الماضية، إضافة إلى نفوذها القوي داخل مفاصل الدولة، والذي تعزز أكثر خلال فترة حكم نظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الذي استمر زهاء 33 عاما.
فرص الانتقال
ويشير محللون إلى أن نسبة تمثيل شيوخ القبائل في برلمان 1993 كانت 29% ووصلت في عام 2001 إلى 45%، إضافة إلى إخضاع رموز الدولة إلى التحكيمات القبلية بمن فيهم علي صالح نفسه الذي خضع للتحكيم القبلي في قضية مقتل الشيخ جابر الشبواني، في غارة جوية نفذتها طائرة أميركية دون طيار عام 2010.
ويؤكد أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء عبد الباقي شمسان أن هناك أيضاً كثير من العوامل لا زالت تعزز من نفوذ القبيلة وتجعلها قوة أساسية لا يمكن تجاوزها، وتجعل من فرص تحقيق الانتقال نحو الدولة المدنية صعبة الاحتمال على المستوى المتوسط والقريب.
وقال للجزيرة نت إن "القبيلة في اليمن لا تزال تفرض نفسها كلاعب أساسي على صانعي تسوية النزاع، نظراً لاعتماد تمثيل قوى المجتمع اليمني من قبل معدي مؤتمر الحوار، وفقا لوزنها داخل الحقل السياسي والعسكري والاجتماعي".
وأضاف أن "القبيلة لها وزن كبير وثقيل، وكان الأحرى عدم القيام بإعادة القوى كما هو بالحقل السياسي الذي كان عليه خلال حكم صالح، وإنما إعطاء نسبة كبيرة لقوى التحديث والمستقلين ليحدثوا نقلة نحو الدولة المدنية والتغيير المنشود".
وأوضح بالقول "أعتقد أن القبيلة أسقطت من إستراتيجية التغيير في اليمن لدى الرعاة الدوليين والإقليمين لتسوية النزاع، وكذا لدى الحكومة الانتقالية اليمنية، لذلك نحن أمام صعوبات كبيرة في وضع المجتمع المدني في مسار بناء الدولة المدنية الحديثة".
قابلية التغيير
غير أن باحثين وسياسيين يرون أن العلاقة بين القبيلة والدولة في اليمن تتلخص في كون الأولى تمثل الأطراف والأخيرة تمثل المركز، وأنه كلما ضعف المركز قويت الأطراف وبسطت نفوذها على المركز.
ويعتقد هؤلاء بأن ما يميز القبيلة في اليمن أنها تبني إستراتيجياتها وفقا للمصالح وليس الأيديلوجيا، وبالتالي فهي مرنة وسريعة القابلية للتغيير وفقا لإستراتيجية النظام القائم حتى تحقق أكبر قدر من مصالح أبنائها.
ويبرهن رئيس مركز أبعاد للدراسات عبد السلام محمد على ذلك بأن القبيلة ليست سوى متغير تابع وليست متغيرا رئيسيا في معادلة النظام السياسي في اليمن.
ويقول "هي تحضر في المشهد السياسي والاجتماعي بقوة حين تغيب الدولة، وتحضر أعرافها وتقاليدها حين يغيب القانون".
ويشير إلى أن النظام السابق رسم صورة قاتمة عن القبيلة للبقاء في الحكم في حال التغيير، متناسيا أن أبناء القبائل أصبحوا المكون الرئيسي للأحزاب السياسية، وأصبحت مصالحهم تتقاطع مع دولة مدنية في اليمن.
وأكد على ذلك بتخلي القبيلة عن السلاح وانخراطها في الاحتجاجات السلمية ضد حكم صالح ودعمها للتحول السياسي في البلاد، لافتا إلى أن القبائل اليمنية أصبحت أكثر تلهفا للدولة المدنية لكون أبنائها تعرضوا للحرمان والظلم من قبل النظام السابق. ويرى أنه في حال نجاح التحول السياسي فإن القبيلة ستكون الأكثر استفادة.
من جهته أكد الكاتب والناشط السياسي سليم الجلال أن القبيلة أصبحت تدرك أن الواقع قد تغير، وأن عليها أن تتحول في إطار التحول السياسي القادم في البلاد.
لكن هذا التحول لدى القبيلة لا يزال في اعتقاده مرهونا أولاً بإيجاد مجتمع سياسي مدني يضمن الانتقال للعمل الديمقراطي والتعددية الحزبية، وينهي جميع مظاهر الفساد والتسلط والنفوذ التي خلفها النظام السابق في مؤسسات الدولة وأجهزتها.
المصدر:الجزيرة
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها