المحافظ شوقي وبابوية الوصاية !!
اليمن شعبا ونظاما وثورة وحوارا ومرحلة على عتبات الدولة الاتحادية الفيدرالية فيما وزراء حكومة الثورة لا يبدو من ممارستهم لسلطاتهم المؤقتة الممنوحة لهم بانهم افضل من اسلافهم الوزراء الذين اداروا البلاد بعقلية ومنطق الامام وسلطانه المطلق غير قابل بمشاركة أحد فيه .
فبرغم أن وزراء حكومة الوفاق هم نتاج حالة ثورية هدفها الاول اسقاط هيمنة المركز ورفض استئثاره الفج والعنجهي بكل مقاليد السلطة والقوة والقرار ؛ إلا ان ما نشاهده - وبعد كل هذه الثورة والتضحيات المجترحة في سبيل الخلاص من سلطة وهيمنة الادارة المركزية – في الواقع لا يوحي بثمة تبدل او تحول يمكن الاعتداد به هنا باعتباره من مكاسب ثورة التغيير ، بل وعلى العكس من ذلك إذ رأينا عجب العجاب ومن وزراء محسوبين على المعارضة وقوى الثورة .
فهذا وزير المالية مثلا يتشبث ويستميت لأجل انفاذ قراره وسلطانه ولو استدعى الامر وقف نشاط واعتمادات ومرتبات المحافظات ، لا أعتقد ان المسألة تتعلق هنا بحرص واحترام للنظام والقانون ، وإنما يمكن وصفها بلوثة مرضية نعاني منها جميعا وبلا استثناء ، فكل واحد منا وبمجرد وصوله لموقع السلطة والقرار إلا وتجده يديره بعقلية الملك لويس السادس عشر القائل يوما : انا الدولة والدولة هي انا " .
وهذا وزير التربية والتعليم قائلا : لن اعترف سوى بالمدير المكلف من الوزارة ، ولن اتعامل ابدا مع مدير عام كلفه المحافظ شوقي " كأني بالوزير الأشول قائلا : لتتوقف الدراسة ولتغلق المدارس الى ان يسقط قرار المحافظ والى ان ينفذ قرار الوزارة والحكومة المركزية .
دعونا نتحدث بشفافية وصدق ودونما عصبية وانفعال ، فعلى فرضية مخالفة محافظات إب وحجة وتعز للقانون والنظام ولوائحه المنظمة لشغل الوظائف محل الخلاف بين المحافظات والوزارات ، كما ولنفترض جدلا بتجاوز سلطة المحافظات لصلاحياتها واختصاصها المحددة لها في قانون السلطة المحلية ولوائحه المقننة لعملها ومهامها ومسئولياتها ! فهل يعني اصرار السلطة المركزية على تكليف وتعيين مسؤولين فاسدين أو موالين ؟
قبل ايام اجرت قناة " يمن شباب " لقاء مع محافظ تعز شوقي احمد هائل ، ما لفت نظري ودعاني لكتابة هذه الاسطر هو تلكم الافكار والاجندة والتوجهات التي بلا شك ستكون بمصلحة هذه المحافظة وابنائها في حال وجدت طريقها للتنفيذ .
والرجل يتحدث عن مشكلة مياه الشرب وما بذله من جهد بمعية وزير المياه والبيئة مع الحكومة السعودية لأجل تنفيذ مشروع تحلية مياه البحر الاحمر خلال العامين القادمين ،وكذا عن مشكلات المحافظة المختلفة وما يملكه من افكار ورؤى وحماسة ، ذكرني بالفقيد صالح قاسم الجنيد حين تم تعيينه محافظا للضالع نهاية 99م .
فالمحافظ الجنيد كان مدهشا بما لديه من افكار وتوجهات وفوق ذلك حماسة وعزيمة وفعل قلما تكرر ثانية ؛ بل اجزم ان ما حققه المحافظ الجنيد وفي ظرفية ثلاث سنوات بات لعنة على خمسة محافظين ، واحدى عشر سنة مرت من عمر المحافظة المعلنة يوم 28يوليو 98م فيما مشروعات تنموية وضرورية من حقبة الثلاث سنوات ذهبية مازالت متعثرة وبانتظار محافظ جديد لديه من الافكار والحلول والفعالية التي يسوقها اليوم محافظ تعز ودونما تجد لها من الاستساغة والتفاعل والادراك ايضا .
المحافظ الشاب شوقي ربما خانه تقدير الوقت ، وطبيعة المرحلة الثورية ، ومناخاتها وتحالفاتها وحساسيتها ؛ لكنه وبرغم هذه الاوضاع المحبطة المنهكة يعد الافضل والمناسب لقيادة تعز ولمشكلاتها التنموية والخدمية والمجتمعية ،فلا يغرنكم يا أهل الحالمة الاسماء والالقاب والاحزاب والنجوم والقلاع والشخيط والنخيط وكثرة الجند المرافقين وغيرها من مظاهر العهد البائد .
كما ولا تخدعكم المركزية وان لبست ثوب اللوائح والقوانين ، فيكفي القول هنا ان قرار تعيين المحافظ ما كان سيصدر لولا اننا في ظرفية ثورية اعفى بمقتضاها محافظ منتخب ولو بطريقة لم ترق لنا ، فهل من اللائق ان يقوم وزراء جاءت بهم ثورة بمهام هي من صميم سلطة المحافظات ، إذ ان قانون السلطة المحلية منح رؤسائها حق اقتراح وترشيح من تتوافر فيهم شروط شغل الوظائف العليا في المحافظة ، وبعد احاطة الهيئات الادارية وبعد اجراء المفاضلة والمنافسة بين المترشحين .
ويقينا بان مشكلة تعز ليست هنا ، ومع ذلك اعتقد ان المحافظ شوقي لم يقم بترشيح واحد من المقربين مثلما سبق وراينا اغلب المحافظين وهم اول من يستحذي القانون ، وبمجرد ان يتبوا منصب الرجل الاول ، الواقع ان الواحد ليصاب بالحيرة والحسرة معا ، فعندما يأتي محافظ وفي وضعية مزرية كهذه ، ومن ثم يعلن على الملا شغره لوظيفة مدير عام عن طريق المفاضلة والمنافسة ؛ فيكون جزاؤه مواجهة المركز بما يعني من هيمنة وفساد وبيروقراطية وطغيان .
اننا هنا لا نعني محافظ تعز فحسب ؛ وإنما تكاد مشكلة مزمنة نعاني منها جميعا وإن بنسبة متفاوتة ، فكل واحد منا تراه ساخطا شاكيا متذمرا من هيمنة بابوية ومن وصاية تاريخية يمارسها المركز وبلذة سادية مفرطة على اخضاع واركاع الجميع ، ومع اعتلائنا وظيفة مرموقة في الدولة ننسي كل شيء ، ذهنية مضطربة وعليلة لا تقتصر فقط على المدراء والوزراء والرؤساء ؛ بل قد تجدها في تصرفات الموظف المستجد إذا لم اقل تراها في العسكري العادي وبمجرد اعتلائه طقم مسلح .
انني اعجب كيف ان أهل البلاد ذاهبون نحو فدرلة القرار والسيادة فيما وزراء يمارسون سلطانهم على المحافظات وعلى منوال الطريقة القديمة ؟ تطلعوا في ماهية الممارسة الواقعية ؛ لتدركوا كم هي حاجتنا ماسة للتغيير الحقيقي والجذري ،وعندما نقول بالتغيير الجذري والعميق فينبغي ان يبدأ من عقولنا المريضة بعضال " أنا وما بعدي الطوفان " .
نعم ؛ فلكي تتعافى هذه البلاد من امراضها الفتاكة القاتلة لحيويتها ونهضتها يستلزمها اولا وقبل أي شيء أخر ذهنية نظيفة من ادران الشخصنة والعصبية والهيمنة المركزية ، كما وتحتاج لعقلية مدنية متفتحة مستوعبة مدركة لطبيعة المهمة وللمرحلة الاستثنائية التي قد تبدو للبعض أكبر من طاقة وجهد المحافظ الشاب ذو الخلفية المدنية التجارية المحضة .
أيا يكن الامر فمحافظة الثورة والمدنية والثقافة والفكر والاستثمار لا أظنها بحاجة لقائد فيلق عسكري يمكنه كبح جماح ثورة تمرد ، فسلطة من هذا القبيل ربما افلحت لزمن في لجم واخماد نيران متأججة في احشاء انسان ، وإذا كانت قد نجحت في اخضاع تعز واهلها زمنا طويلا ؛ فإن الحالمة اليوم يستلزمها قيادة من عينة محافظها الشاب الحالم المتطلع لتغيير الصورة النمطية السؤوم ؛ فهلا منحتموه فرصة كي نستطيع الحكم بنجاحه او اخفاقه ؟ شخصيا اتمنى رؤية افكاره وكلامه واقعا ناجزا في تعز السلام والثقافة والاحلام والمعرفة – وايضا - المعاناة .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها