اليمن من (السنحنة)إلى (الأبينة)!!
منذ عقود واليمن ترزح تحت حكم العائلة أو الطائفة كان آخرها حكم السلاطين في الجنوب والأئمة في الشمال يحكمون اليمن حكما عائليا وبعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر كان من أهدافهما تحرير مؤسسة الحكم من العائلة، لكنها أحبطت وأجهضت وظلت شعارا ناعما كما هي الديمقراطية أيضا والحكم للشعب .. والشعب يحكم نفسه بنفسه .. والحقيقة أن الحكم انتقل من عائلة إلى عائلات ومراكز قوى أخرى.
وخلال العقدين المنصرمين كتب لليمن أن تستسلم طوعا وكرها تحت حكم عائلي بألوان وشعارات كما هو عليه الحال في دولة بريطانيا مثلا !!! فكل الأدبيات الرسمية والبروتوكولية توحي بأنك في دولة ، وهذه الخديعة السياسية التي مارسها المخلوع صالح طوال فترة حكمه الاستبدادي الذي كتب لليمن في يوم 17/7/1978م.
صالح مارس الحكم خلال العقود الثلاثة الماضية متمسكا بخديعة شعاراته السياسية دون أن يتخلى عنها ولو لحظة.
بينما اليمن كان يقبع تحت حكم فردي وعائلي محاط بالجهل والتخلف ، وكان على اليمن ومؤسساته أن يخضع كرها لتسلط العائلة (السنحانية ) , وبعد أن (سنحن) القوات المسلحة وحولها من مؤسسة وطنية إلى مؤسسة عائلية اتجه سريعا إلى (سنحنة) باقي المؤسسات العامة والحيوية وكل شئ خضع (للسنحنة) وتطور الوضع حتى امتدت (سنحنة) اليمن ومؤسساته حتى وصل إلى القطاعات التي لا تنتمي إلى مؤسسة القطاع العام , فتم (سنحنة) منظمات المجتمع المدني وقطاع التجارة والخدمات والإعلام حتى وصل الأمر أن تدخل (السنحنة) في كل مجالات الحياة ابتداءً من رأس الهرم حتى الزواج الجماعي.
(والسنحنة) كانت هي مشكلة الدولة في اليمن وعقبةً تقف في وجه التغيير ما أدى إلى تولد حمم البركان حتى انفجر تدريجياً في صعدة واندلعت معارك مسلحة ، والجنوب من خلال الحراك السلمي وحتى جاء الانفجار الكبير في شهر فبراير 2011م على يد الثورة الشبابية الشعبية السلمية لهدف القضاء على هيمنة العائلة التي صادرت الدولة ومؤسساتها, بهدف بناء دولة على أسس سليمة وجديدة وكان لها النجاح في القضاء على رمز العائلة وبعض أركانها.
ومن هنا نستطيع القول أن الثورة نجحت في الحد من مواصلة (السنحنة) وخروج مؤسسة الرئاسة عن سيطرة العائلة ما سيؤدي بالتالي إلى خروج باقي المؤسسات.
وكان للشعب أن أجمع على الرجل المرحلي عبد ربه منصور هادي الذي حظي ولأول مرة بإجماع وطني شامل على أمل أن يتولى قيادة البلد بأسلوب جديد ومنهج أكثر تطورا وإخراج البلد من استبداد العائلة وهيمنة (السنحنة) على أجهزة الدولة ومؤسساتها.
البرنامج الانتقالي للرئيس هادي يعتبر سليما في جوانبه الشكلية حيث يعتمد على إصلاح الخلل المؤسسي في الدولة وتهيئة الأوضاع وترتيبها مدعوما بالمبادرة الخليجية والتأييد الإقليمي والدولي لقيادته وبرنامجه , مع وجود عامل دعم قوي من الطرف الأساسي في التغيير، وهي كل مكونات الثورة الشبابية الشعبية وأنصارها ومؤيدوها, وهذا هو السند الأكبر للرئيس هادي في تحقيق برنامجه الانتقالي.
ويعد قبول مكونات الثورة الشبابية الشعبية لشخص عبد ربه هادي لتولي مرحلة القيادة الانتقالية كان أساسيا في وضع عبد ربه كشخص وحيد دون منافس , وهذا القبول الثوري لعبد ربه رئيسا انتقاليا بني على أساس الالتزامات التي أفزرتها الثورة على شكل أهداف يتوجب على الرئيس هادي تحقيقها كما وعد .
كتب لهادي الإجماع الوطني وكتب على القوى الثورية أن يكون قائدا مرحليا يفترض أن يكون لها وعليها، وكان لهادي أن أصدر إشارات إيجابية نحو التغيير, من هذه الإشارات ((أن الثوار رموا حجرا ضخماً في المياه الراكدة...)) وغيرها من الإشارات التي تدل على (صوابية) توجهه نحو التغيير, وكان له أن (وفق) بعدد من القرارات الشجاعة رغم العراقيل التي واجهت تنفيذها وبعضها لا يزال قائما ، ولكن يبدو أن اقدار التسلط تأخذ الرئيس هادي نحو المشكلة التي خرجنا من أجلها بثورة عارمة للقضاء عليها وهي مشكلة (السنحنة) فهادي يتجه اليوم نحو (أبينة) الدولة , وهنا ستكون الكارثة عليه أولاً كشخص وكقائد, وكارثة عامة على اليمن, لكن ما يجب أن يفهمه الرئيس هادي أن زمان الفبركة والتجهيل قد ولّى إلى غير رجعة وأن الشعب اليوم هو (الحامي) و (الحارس) لثورته, فلا قبول لأن نلدغ مرة بعد أخرى حتى تصادر الدولة ومؤسساتها.
الرئيس هادي خرج من جلباب صالح بل صالح ذاته فبعض قراراته يغلب عليها الطابع المناطقي وتظهر بلون بارز اسمه (أبين) فالاتجاه (لأبينة) الدولة مرفوض وغير مقبول.
(وأبينة) الدولة تجاوز للدستور والقانون والشعب, فأبين الكريمة واحدة من عشرات المناطق اليمنية يجب أن تأخذ نسبتها على قدر من التساوي مع شرط الكفاءة.
لكن أن (تلجم) بعض المؤسسات الهامة بشخصيات من أبين دون معايير علمية وموضوعية فهذا هو المرفوض،
وبالنظر للحظوظ التي كانت لأبين كإجراء يعتمد على العاطفة سينقلب هذا الحظ إلى نكبة على الوطن وخاصة الجزء الجنوبي من اليمن, فالرئيس هادي يعرف درجة قبول الناس له في الجنوب, ويعرف كيف ينظرون إليه, لا أفضل نكئ الجراح وإنما للتذكير فقط, فالرئيس هادي ينظر له غالبية أبناء الجنوب كشخص مغضوب عليه ومسئول عن (نكبات) كان له إسهاما بارزا فيها.
فإذا تصرف وهو الرئيس على كل اليمن فيجب أن تكون تصرفاته دستورية وقانونية روحاً ونصاً ومضموناً, وهو يعرف أن (السنحنة) و (الأبينة) قوالب غير دستورية ومرفوضة قانونياً وشعبياً.
وبصراحة وصدق أتمنى للرئيس هادي أن يتخلى كلياً عن ماضيه الوظيفي كنائب للمخلوع وأن يخلع العباءة التي يحاول لبسها ولو بشكل غير منتظم, فعباءة المخلوع حين يلبسها هادي يجعلنا نحكم عليه انه (عبد ربه صالح هادي), وكنت أرغب أن أسرد تفاصيل كثيرة عن التداخل والمزج لأفعال وتصرفات هادي وهو رئيساً ومقارنتها بأفعال وتصرفات المخلوع حين كان كذلك لكنني سأؤجلها إلى وقت آخر ، لقناعة وتفاؤل ضئيل بأن الرئيس هادي سيقوم بتصحيح مسار تصرفاته كرئيس منتخب وراعي لليمن ... والعاقبة للفطنين