الشاردون !!
الشاردون ، أناس يقطنون مدينة القدس ، وأطلق عليهم هذه الصفة نظراً لشرودهم وفرارهم من طائفتهم اليهودية الأصولية المتزمتة .
فهذه الطائفة غالت وتشددت في تدينها ولحد انطوائها كجماعة دينية غير قابلة بالتعايش مع محيطها الإجتماعي الآخذ بالتطور والانتشار الكثيف لقيمها واسلوب حياتها .
ولأنهم رفضوا الانطواء ، كان لزاماً عليهم أن يشردوا الى عوالم منفتحة ، تمنحهم انسانيتهم المهدرة في طقوس وتعاليم دينية متواترة ، وفي جلابيب وكوفيات سوداوية اللون فرضها الحاخامات ، وفي بقعة ضيقة عزلت تماماً عن صخب الحياة وعن محيطها الحضاري .
الحقيقة أنني ورفاق كُثر نماثل هؤلاء الشاردون وان اختلفنا معهم دينياً وسلوكيا ومكانيا وذهنياً ، فلكل واحد منا قصته وسببه ودافعه للفرار من قومه ، كما ولكل منا مأساته واغلاله المكبلة لأفكاره وحرياته ..
للأسف الشديد ، نعيش في بيئة طاردة غامطة لكل ما هو عقلاني ومنطقي ، بيئة اعتاد أهلها الانسياق خلف الشعارات والأصوات المرتفعة ، وليكن صاحب ذاك الصوت مجنوناً ، متطرفاً ، مهووساً ، ثورجياً دوغماتياً وووو .....
فكل هذه الاشياء لا تهم ، ففي هذه الحالة لا جدوى ولا نفع من كل ما تريد قوله ، أو إيصاله للناس .
الأفضل لك أن تمضي خلف أوهام وسراب يحسبه الضمان ماء ، أو أنك تلوذ بنفسك وتشرد بعيداً ، والى ان يكتب الله أمراً كان مفعولٌا .
تقول لهم : يا شعب احمد ، هؤلاء هم بلاء البلاد والعباد ، وهم من ادخلكم الأزمات والحروب والصراعات ، وهم من سيفنيكم ويواريكم في أزمات وصراعات سخيفة وضيقة وبلا منتهى ..
فيأتيك الرد سريعاً ونزقاً : انت واحد مريض .. انت حاقد .. انت خائن .. انت مرتد .. انت شيطان رجيم ،وهكذا دواليك من المفردات الساخطة ، الفاحشة ، الغاضبة ..
نعم ، المسألة لا يستلزمها أي ذكاء أو فطنة كيما تدرك أنك صرت شخصاً منبوذاً ، ولكن ليس على اساس طبقي أسوة بالهنود المنبوذين ، وانما بسبب انك تحمل فكرة متجددة ، وتزيد خطورة الأمر حين تثبت الأيام ان الفكرة الممتازة ليس لها ماض ، بل مستقبل ينتظرها .
شخصياً ، اؤمن بفكرة الدولة اليمنية الاتحادية ، بكونها فاتحة لعهد جديد عنوانه الشراكة السياسية الحقة . كما واجزم أن هذه الدولة المدنية الحديثة جديرة لأن ننحاز لها ونحارب من أجلها ، ففي مضامينها العادلة والعظيمة ما تستوجب من اليمنيين التضحية لبلوغها وتحقيقها ومهما كانت تلك التضحيات ..
الأحلام الكبيرة مستهلها فكرة ملهمة ،متمردة ، منصفة ، عادلة ، وعلى الإنسان أن يكون كبيراً في طموحه وفي تفكيره وفي ما يتركه من أثر . كما وعليه أن لا يسقط في أتون افكار صغيرة ضيقة وان اغرته او اغوته مظاهرها .
ختاما .. اذا ما كان الشرود ضرورة فينبغي أن يكون الى المكان الذي يليق بنا ، وليكن من ضيق الى فضاء ، ومن اغلال وقيود ماضوية الى احلام وتطلعات مستقبلية ، ومن دولة ظالمة الى دولة عادلة ؛ فمن ذا الذي يحب قيوده ولو كانت من ذهب وفق قولة لإبراهام لينكولن...
محمد علي محسن
2017م
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها