من يوقف مسلسل الإعتداءات على معالم عدن التاريخية؟
لم يهنأ مقتحم المتحف الحربي بضاحية كريتر في مديرية صيرة بعدن (جنوب اليمن) بعملية اقتحامه لهذا الصرح التاريخي واستحداث محلٍ تجاري، في تعدٍ صارخٍ للحرمات الثقافية والأثرية.
فبعد أقل من أربعةٍ وعشرين ساعة من تداول مواقع التواصل الاجتماعي صور المحل التجاري المستحدث في قلب المتحف، أزالت قواتٌ أمنية بإشراف بلدية مديرية صيرة آثار الاعتداء.
وعقب طمس الاستحداثات شرعت السلطة المحلية بالمديرية في بناء جدار بديلاً عن باب المحل الذي أنشئ في الموقع.
وكانت الحادثة قد أثارت حالةً من الغضب الجماهيري العارم في عدن، انتقدت الجرأة على انتهاك الحرمات الأثرية والتاريخية، خاصةً وأن موقع المتحف الذي تعرض للانتهاك يطل على شارعٍ رئيسي وسوق شعبي في كريتر.
رفض المساس بتاريخ الأجداد
مدير عام مكتب الثقافة في محافظة عدن، محمد عبدالله حسين أكد لـ”المشاهد” رفضه المساس بالأماكن الأثرية والتاريخية والمتاحف والآثار، وكافة الصروح والمعالم العتيقة في المدينة.
وقال حسين: “سنقف بكل حزمٍ أمام كل من تسوّل له نفسه العبث بتاريخ الأجداد، الذي يُمثل هوية وماضي هذا الشعب”.
دعوة للمجتمع المدني
ودعا مدير مكتب ثقافة عدن كافة شرائح المجتمع الوقوف أمام هذه الاعتداءات على الأماكن الأثرية في محافظة عدن، وقال: إن الوقوف أمام هذه الإعتداءات لن يتوقف إلا من خلال تكاتف الخيرين والغيورين والمحبين لتاريخ هذا البلد، وعلى الجميع أن يقف معنا، لمعالجة هذه الظواهر التي استفحلت في الآونة الأخيرة وانتشرت، وتعرضت كثير من المعالم التاريخية والأثرية في عدن للاعتداءات.
كما دعا حسين جميع أبناء المجتمع العدني بكل أطيافه وانتماءاته، والمنظمات المدنية للمشاركة في الوقفة الاحتجاجية التي سينفذها مكتب الثقافة يوم غدٍ السبت، معتبراً مشاركة الجميع رسالة رفض لكل من يحاول البسط أو السطو على مكونات الهوية التاريخية العدنية؛ وتؤكد على تمسك أبناء عدن بموروثهم وكنوزهم الحضارية.
عقد إيجار من التوجيه المعنوي
وكشف مدير عام مديرية صيرة خالد سيدو دوافع جرأة الباسطين المعتدين على حرم المتحف الحربي في كريتر واستحداث محل تجاري.
وحول ما أثير عن قيام شخص بفتح محل بواجهة المتحف العسكري قال السيدو، في توضيحٍ صحفي، تلقى “المشاهد” نسخةً منه: إن المشكلة بدأت منذ أكثر من 5 أشهر، مشيرًا إلى قيام السلطات المحلية بالمديرية بإغلاق المحل المستحدث بالرغم من أن صاحبه كان لديه عقد إيجار من التوجية المعنوي بوزارة الدفاع، باعتبار أن المتحف عسكري وتابع لوزارة الدفاع.
توجيهات ضد الاعتداءات
وأضاف السيدو، فوجئنا يوم الأربعاء الماضي بفتح المحل مرةً أخرى تزامنًا مع حملة ميدانية قمنا بها بالتنسيق مع مكتب الأشغال العامة بالمديرية لتصفية الشوارع من البسطات المعيقة لحركة المواطنين والسيارات.
وأكد مدير عام مديرية صيرة أنه وجه بسرعة إغلاق المحل، وهو ما تم بالفعل صباح أمس الخميس، مع التوجيه بعدم السماح لذلك الشخص بممارسة أي عمل حتى وإن أثبت امتلاكه أوراق أو عقود إيجار.
وشدد على عدم السماح مطلقاً بمثل هذه الاعتداءات، خاصةً أن المبنى يعتبر من المباني التاريخية والتي تحمل رمزية لمدينة عدن.. متمنيًا من الحكومة أن تعطي توجيهاتها بإلغاء أي عقدٍ أو توجيهات بهذا الخصوص.
المتحف الحربي بعدن
يعود تاريخ المتحف الحربي في عدن إلى العام 1918، حينها كان مدرسة للتعليم الأساسي- المرحلة الأساسية باللغة الإنجليزية (Residency School). وفي 22 مايو 1971 بعد الاستقلال عن المملكة المتحدة وجلاء آخر جندي إنجليزي في نوفمبر 1967، تم تحويله إلى متحف للتراث العسكري اليمني، بقرار أصدره رئيس اليمن الجنوبي آنذاك، سالم رُبيّع علي.
وأبرز مقتنيات المتحف التي يحتويها هي الأسلحة القديمة وصور الثوار، ومعروضات عن تاريخ اليمن العسكري ومراحل التطور الحديث التي شهدتها القوات المسلحة اليمنية، كما يحتوي على صور وأعمال يدوية تاريخية صنعها الإنسان من الحجارة.
ويقع المتحف في شارع يحمل اسمه (شارع المتحف) بمدينة كريتر في مديرية صيرة، محافظة عدن.
وأشار تقرير صادر عن منظمة مواطنة في ديسمبر 2018 إلى تعرض المتحف لعدة قذائف ألحقت أضراراً متفاوتة في جدرانه بسبب محاولات جماعة الحوثي اقتحام مدينة كريتر في أبريل 2015.
وفي مايو من نفس العام، تمكن مقاتلو الجماعة من اقتحام كريتر وتمركزوا في عدة أماكن مهمّة، منها المتحف الحربي، وكسر مقاتلو جماعة الحوثي البوابة الرئيسية للمتحف ومكثوا بداخله عدة أشهر، وحولوه إلى ثكنة عسكرية، ونهبوا خلال مكوثهم بعض محتويات المتحف.
وفي 15 يوليو 2015، تعرض المتحف لغارة جوية نفذها طيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات، أدت الغارة إلى تهدّمٍ جزئيٍ لبعض جدرانه وتشقق بقية الجدران، وانهيار أجزاء من السقف وأرضية الطابق العلوي.
حينها غادر مقاتلو جماعة الحوثي مبنى المتحف فراراً، ثم تعرض المتحف لعملية نهب وسرقة فُقدت جرّاءها محتويات كثيرة، أغلبها أسلحة قديمة وثمينة.
تدمير ممنهج للآثار والمعالم
وتزخر عدن بالكثير من المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية والتي تعتبر من الأقدم في الجزيرة العربية، ومن أهم معالم عدن قلعة صيرة وصهاريج الطويلة ومنارة عدن وأسوار تلال جبل حديد والكنائس والمعابد والمدارس التاريخية.
وساعد التسامح الديني على وجود الكنائس والمعابد والمدارس إلى جانب المعالم الإسلامية منذ القدم، كما ساعد على ظهور طبقات اجتماعية كبيرة (رجال أعمال ورجال دين من مختلف الديانات والجنسيات) ساهموا بشكل مباشر بالنهوض العمراني والثقافي لمدينة عدن.
غير أن تلك المعالم والآثار تعرضت للانتهاك منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وبلغت الاعتداءات أوجها عقب الحرب الأخيرة التي شهدتها عدن عام 2015.
حيث تشير تقارير المنظمات الدولية والمحلية المهتمة إلى استحداثات وأبنية عشوائية داخل حرم عدد من المعالم التاريخية كصهاريج الطويلة التي تم البناء داخلها وتسجيل مايربو على 30 اعتداء.
بالإضافة إلى البناء العشوائي بجوار مبنى المجلس التشريعي التاريخي بعدن، أو ما كان يومًا كنيسة القديسة ماري تريز، وتغيير معالم الحصن التاريخي في جبل البادري بكريتر والذي تحول إلى مسكن، والاعتداء على المعالم بالبناء في محيطها، وتدمير جزئي أو كلي للمعالم أثناء الحروب، وإهمال وتقصير السلطات المختصة في تطبيق القانون.
غير أن التدمير الذي تشهده عدن لمعالمها وآثارها يكشف عن منهجية متعمدة، بحسب تقرير منظمة “مواطنة” الصادر أواخر 2018.
التقرير أشار إلى أن الموروث الثقافي لعدن تعرض منذ عقدين ونصف للهدم والتخريب والنبش والبناء العشوائي من قبل عصابات الفيد والنفوذ، مستغلة ضعف قانون الآثار الحالي الذي يجيز الاتجار بالآثار، بعد أن فُرض بديلاً عن القانون السابق الصادر في حكومة الجنوب رقم (26) لعام 1974 الذي كان يحرم الاتجار بالآثار باعتبارها ثروة وطنية وسيادية لا يجوز المساس بها.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها