المهمشون : استبعاد من الإغاثة وسجن حتى الموت
ألقت الحرب الدائرة في اليمن بأنواع من المعاناة وقسوة العيش على كافة فئات المجتمع، وبخاصة الفئات الأشد ضعفاً، وأبرزها المهمشون الذين عجزوا عن نيل حقوقهم حتى في زمن السلم والدولة.
ومع اندلاع الحرب اضطرت عائلات من “المهمّشين” من محافظات مثل حجّة (شمالي غرب اليمن) وتعز (جنوبي غرب)، للنزوح. ولكن بسبب وضعهم الاجتماعي لم يستطيعوا السكن سوى في ضواحي المدن، ولم يستفيدوا مثل بقية النازحين من الهياكل المجتمعية لاستضافة النازحين.
استبعاد “المهمشين” من قوائم الإغاثة
وبحسب التقرير الأخير لفريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، فقد عانى بعض المهمشين من عمليات نزوح متعددة، ولم يُسمح لهم بالعيش على أراض خاصة، وانتقلوا إلى مناطق نائية وبعيدة.
وأسهم عدم انتماء “المهمشين” إلى النظام القبلي اليمني، في جعلهم أكثر عرضة للخطر خلال النزاع، كما يؤكد التقرير، الذي يوضح أن النظام القبلي لعب دوراً حيوياً في توزيع المساعدات، خصوصاً في المواقع التي عملت فيها المنظمات الإنسانية “عن بعد”.
وتلقى فريق الخبراء بلاغات تفيد بإزالة عائلات لـ”المهمشين” من عمليات التقييم وقوائم التوزيعات في تعز، أو تلقي سلل غذائية أقل من العدد المخصص لها.
ووثق الخبراء تعرض المهمشين لمخاطر متعددة أثناء البحث عن آليات للتغلب على آثار النزاع على حياتهم، مثل العمل بالقرب من الخطوط الأمامية للمواجهات التي أدت إلى وفاة اثنين منهم.
تجنيد قسري
لم يسلم المهمشون من التهم والاعتقال والتجنيد القسري، باعتبارهم الحلقة الاجتماعية الأضعف.
واختطف الحوثيون رجلاً مهمشاً من منزله في منطقة الحوبان (شرق مدينة تعز)، أمام أسرته وأطفاله، مع أحد أبناء عمه، في أبريل 2017، بتهمة أنه “داعشي”، واحتجز في “مدينة الصالح” بالحوبان، ثم نُقل إلى سجن الأمن السياسي بصنعاء، ولم تستطع أسرته زيارته طوال فترة الاعتقال، وفق تقرير الخبراء.
وأطلق الحوثيون سراحه بعد تدهور حالته الصحية، لتتكفل أسرته الفقيرة بعلاجه، ولكنه توفي في المستشفى، بعدما تبين فقدانه رئته اليسرى.
وبحسب تقرير الخبراء الذي سرد القصة، فقد اختطف الحوثيون 8 رجال آخرين من العائلة نفسها، ولايزال 3 منهم مختفين بدون توجيه تهم إليهم.
وليس هذا الرجل المهمش وحده من تعرض للاعتقال والموت على يد الحوثيين، فقد حقق فريق الخبراء في 10 حالات تعرض فيها 7 رجال وفتَيان وامرأة من المهمشين في تعز، للاحتجاز التعسفي والعنف الجنسي.
وأورد التقرير وفاة شاب من “المهمشين”، بعد اختطافه من قبل جماعة الحوثي، من شوارع تعز، واتهامه بالعمل لمصلحة المقاومة والجيش الحكومي.
وكصاحبه السابق، اتُّهم بأنه “داعشي”، وأخفي قسراً في سجون تعرّض فيها للعنف الجسدي والجنسي وأشكال التعذيب، مما أدى إلى إلحاق ضرر شديد بخصيتيه وكليتيه، ولم يطلق سراحه إلا عندما دفع فاعل خير رافقه في السجن، مبالغ مالية، ليتوفى في النهاية في المستشفى.
ويرى الخبراء أن الانتهاكات الواقعة على المهشمين مرتبطة بالضغط الذي يمارس لتجنيد الرجال بالقوة، حيث وثق الفريق محاولات الحوثيين تجنيد المهمشين قسرياً في الحوبان، ومارسوا ضغوطاً شتى على مجموعة من المهمشين مؤلفة من 21 عائلة، كي ينضم لصفوفهم شخص أو شخصان من كل عائلة.
كفاح لم يثمر
تتفاوت المصادر التاريخية عن أصول المهمشين الذين يقدر عددهم بـ3 ملايين، ويرجح أنهم بقايا الأحباش الذين احتلوا اليمن خلال الفترة (525–599م)، وطردهم سيف بن ذي يزن بمساعدة الفرس.
ومع قيام الجمهورية صدرت القوانين والتشريعات التي تلغي التمييز الاجتماعي والطبقي، لكن النظرة الاجتماعية لم تتغير، وبقي الناس يتعاملون معهم بعنصرية وتهميش.
وشارك المهمشون أو ما يطلق عليهم “الأخدام”، في “ثورة الربيع العربي” على الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وبدأ كفاحهم للحصول على المواطنة الفعلية بتأسيس حزب “أخدام الله”، في 2013، برئاسة نعمان الحذيفي الذي مثلهم في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي انطلق في 18 مارس 2013 بصنعاء.
الحرب فاقمت من المعاناة
وجاءت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، لتؤكد على حق كل الفئات، ومنها “المهمشون”، في المواطنة المتساوية، ونيل كافة الحقوق، إذ أكد القرار رقم 96 لفريق الحقوق والحريات، على ضرورة اتخاذ الدولة تدابير تشريعية لحماية أشخاص أو فئات معينة مثل “المهمشين، النساء، الأطفال، ذوي الإعاقة أو العاهة”، بسبب التمييز ضدهم، والنهوض بأوضاعهم.
ونص القرار 79 على اتخاذ التدابير اللازمة لإدماج المهمشين بالعملية التعليمية، واعتماد إلزامية التعليم ومنح دراسية في المراحل الأساسية، والثانوية، والجامعية، وتتحمل السلطات تكاليف المنح وتخصيص نسبة في المعاهد والكليات العسكرية والمدنية بما يتناسب مع عددهم السكاني.
كما ألزم القرار 80 الدولة بإنشاء هيئة وطنية للمهمشين تعمل على دمجهم في المجتمع، لكن الحرب هدمت كل ما حاولوا تحقيقه، وحملتهم وزراً أكبر ومعاناة إضافية.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها