أحلام الدميني وسرب الفراشات
يقال في المثل الشعبي: إن نصف الطريق عتبة الباب.
ولا أرى أحلام الدميني إلا تجاوزت نصف طريقها لتفرد جناحي الكلمة محلقة في فضاء الأدب.
انطلاقاً من العنوان نجده يختزل الكثير من المعاني في طياته.
"أبجدية_امرأة_في_الحب"
ففي الأبجدية إيقاعات موسيقية منسقة( أبجد هوز ..... بعكس الهجائية (أ.ب .ت .....
والأبجدية ثانياً تستخدم لترتيب الأفكار ووضع النقاط في الموضوعات المتشعبة ولا يوجد أكثر غوصا وتشعبا مثل امرأة.
ونلاحظ أن الشاعرة تركت الكلمة الثانية بدون تعريف ففي التعريف تخصيص بعكس التعميم الذي تنشده الشاعرة، فهي تتحدث بلسان كل امرأة،ابنة أو أم ،طفلة وناضجة عاشقة ومعشوقة عن الحب، بصفته العلاقة الأهم بين البشر والأعمق أثرا، والشعور الذي لايمكن اختزاله أبدا ..
و تردف العنوان بجملة "إلى_رجل_يقرأني_الآن"، لم تخصص رجلا بعينه أو صفته، بل جعلته عاما بعيدا عن التعريف ليكون الأب و الابن و الحبيب.
وهي في ذلك تتجاوز كل الحدود الضيقة إلى فضاء رحب ترتاح فيه وتطمئن، وتقدم كل ما تقدر عليه، في صياغة كتابها المقدس ..
ففي "الإهداءات" تبدأ بوالدها ثم ابنائها في ثلاث قصائد منثورة خاطبت كل منهم بما يناسبه، فمن التقدير والإجلال للوالد إلى الدفء والحنان إلى الأبناء.
ثم تأتيك "الفاتحة" التي هي مقدمة الديوان افتتحتها بأسلوب خبري رصين
"الجهل منتشر رغم الكتابة والقراءة"..
فتحسب أنها ستثير قضية للنقاش وإنما هي تمهد لسؤال "ماذا سيحدث إذا انعدمت الأبجدية؟"..
لتختزل الديوان في ثلاث جمل:
"الأبجدية امرأة
والحياة امرأة
والحب امرأة"
بإيقاع رشيق وموسيقى داخلية تشعر أنك تلمح دوائر في سطح مائي تكبر وتتسع، كلما ابتعدت عن المركز حين ترمي بحصاة الفكر في بركة الكلمة.
"اكتب للحب
كي لاتشيخ المشاعر
اكتب لنحيا ......... الخ"
وفي 74 ومضة شعرية تتنوع المشاعر والأساليب
بين العتاب والتودد والفلسفة والتصوف وبين النرجسية والماسوكية والطفولة والهيام ..
مثلا:
1. في_الهيام:
"لا أريد أن أعيش
في مدافن الأموات
من الأحياء
مجازا.
أريد أن أموت في حبك
كي أشعر بحقيقة الحياة"
...
بالرغم من جمال المقابلة بين الجملتين إلا أني تمنيت أنها لم تكتب كلمة( مجازا ) لتترك الخيال في فضاء رحب.
وتترك للقارئ لذة الاكتشاف.
.2 . في_الصوفية:
"أنت السلف الصالح للهوى
فإذا هواك الهوى
هامت في هواك الروح
وهويتُ بين يديك."
تكرار كلمة الهوى تأكيد وموسيقى هامسة كأنها همهمات خافتة..
... أتذكر هنا بيتا لرابعة العدوية ..
"هواك هواي الذي يعرفون
وسرك سري وما ينكرون" ..
الأسلوب الصوفي الذي يتأثر بالفلسفة في عرض الكلمة بأكثر من صورة ..
وكذلك:
"عندما لا أكون (أنا)
مع من أعتبره (أناي)
فلا (أنا) (أناي)
ولا من ظننت أنه (أناي)
يكون (أنا)."
مصفوفة رياضية فلسفية توصل نقطة إن الإكتمال لا يكون إلا بالتقاء الأحباب ..
وتطالعنا نرجسية الشاعر في أكثر من نص بمعجم أنثوي أنيق. وكلمات قريبة للقارئ بعيدا عن الإغراق في اللغة.
-"يزداد التجميل جمالا"
- "اللون البمبي"
- "يتلألأ الروج الأحمر"
- "يفشل الريجيم في إثبات ذاته"
....
وأحلام في تحليقها تؤكد ذاتها المتحدية المسيطرة في حب، حين تكون في نص متمركز حول الذات أو عنها أو تستخدم الوعظ أحيانا..
ولأن الديوان كان "إلى_رجل_يقرأني_الآن" فيطالعنا الطرف الآخر في نصوص حوارية دافئة عذبة، أو خطاب تخيلي نابض
...(حنين)
.- "سرب من الحنين يعبر
جسر الانتظار
ويزرع اسمك في كل الخطى
وأنا اعزف
سيمفونية عشقي لك."
......
هنا حركة وأصوات كثيرة.. ففي كلمة سرب يثور ضجيج مروره، فيكون الانتظار مجرد جسر للعبور إلى جنة اللقاء، وتتظلل تحت أوراقه، ليكون هو ملاذها وهي تعزف سيمفونية عشق جميلة.
وللقصائد العمودية مجال فقد انسابت في بحور رشيقة بين الكامل والوافر فمثلا:
"هي هالة للحسن تسلب من رأى
هي آية الاخلاق في مسعاها"
...
في أغلب قصائدها انطلقت في الفضاء محلقة محاولة الخروج من سيطرة وحدود المكان، اعتمدت في صورها على الشمس والسحب القمر والنور والصباح والمساء والرياح وقوس قزح في بساطة وعفوية..
لست مادحة ولكني قارئة اطلقت خيالي مع كلماتها .. لأتذكر هنا الفراشة التي ذكرها الدكتور حاتم الصكر في كتابه .."حلم_الفراشة" ..
مشبها قصيدة النثر بامرأة حالمة.
(تستيقظ المرأة الحالمة فلا تعلم إن كانت فراشة حلمت أنها امرأة، أم أنها امرأة حلمت أنها فراشة)..
فالمرأة والفراشة هما القصيدة النثرية، وكلاهما تمتلكان الجمال والخفة والأنوثة..
وأحلام الدميني قدمت لنا سربا متنوعا متفاوتا من الفراشات، كانت كلها انعكاسات وتجليات لأحلام الدميني.
أ/ رينا يحيى
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها