الجار قبل الدار ..
اتذكر أن رئيس وزراء ماليزيا ، الدكتور مهاتير محمد زار صنعاء وعدن قبل عقدين ونيف تقريبا ، ومما سرده في سياق محاضرته القيمة أنَّه قال : أن دعمنا لجارتنا فيتنام كان باعثه أمنيًا واقتصاديًا ودينيًا ، فالنبي محمد اوصانا بالجار ، وبدلًا من أن تكون الدولة الجارة مصدرا للجريمة والمخدرات والمافيات الى بلادنا أحسنا في تعاملنا مع البلد الجار ومن خلال عوننا له وفي ظرفية حرجة وخطرة " ..
اليوم فيتنام تمضي بوتيرة سريعة وعلى كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وما يحدث فيها الان كفيل بأن يضعها في قائمة النمور الآسيوية الكبرى وأتوقع أن منتجاتها ستصل إلى كل بيت وبلد وقارة ، وفي ظرفية وجيزة ، وحتماً لن تنسى من ساهم في نهضتها الحديثة ..
فمن لا يكترث بجاره سيكون عليه تحمل مشقة الجيرة ، فخذوا مثلاً الرئيس الأمريكي المهووس المجنون " ترامب " والذي ظن أن انجع طريقة لوقف تدفق جيرانه المكسيكيين الفقراء هو بتشييد اطول واضخم سور فاصل بين دولتين ، وبرغم كلفة الجدار على الاقتصاد والكرامة الإنسانية ، لم يحول الجدار العازل من وقف تدفق الهجرة غير الشرعية والتهريب والمخدرات ..
وعليه من يظن أنه بمقدوره العيش الكريم فيما جاره جائعاً فحتماً سيكتشف كم كان ساذجاً وواهماً ؟؟ .
كما ومن يعتقد انه سيعيش بأمان وسلام بينما جاره يغشاه الخوف والهلع والفقر ، فذاك هو الخطأ عينه ، أنه هنا يعيش حياة العزلة ، فلا معنى للراحة والأمان دون مشاطرتها الآخرين واول هؤلاء الجيران .
والمسالة لا تقتصر على جيرانا في الخليج ، وانما تنطبق أيضاً على سكان هذه البلاد ، فدون مشاركتنا جيران الداخل ، لهمهم وحلمهم ، فرحهم وحزنهم ، حربهم وسلامهم ؛ يستحيل تحقيق السلام بما يعني من استقرار وتنمية وازدهار .
فإما اوصدنا أبوابنا واذاننا وكأن شيئا لا يعنينا ، وإما فتحنا عقولنا واصخنا السمع لمعاناة وتوسلات الجيران ..
في الحالة الأولى سنتعب ، وسنخسر ، وسندفع ، وسنضحي ، لكننا مع ذلك سنكسب التحدي وسننتصر في المعركة وسنحقق السلام والوئام لنا ولجيراننا ..
في الحالة الثانية لن نواجه ، ولن نكترث أو نبالي ، وسنبقى في ديارنا ، ومع ذلك لن نأمن وسيبقي الخطر محدقاً ومهددا لنا وفي كل الاوقات ..
في الماضي حكم الشمال أئمة كهنة متخلفون فلم يسلم الجنوب زمنا من شرورهم وحروبهم ومطامعهم ، والحال ينطبق على الجنوب حين استقر نسبيا في عهد الإنكليز فلم يغلق منافذه وفتحها للفارين وللباحثين عن لقمة العيش ..
أما وحين قامت ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م معلنة نهاية حكم الأئمة السلاليين فلم يقتصر أمر هذه الثورة على صنعاء والشمال عموما وانما رجع صداه وصل لعدن وحضرموت وأبين ولحج وسواها من مساحة الجنوب .
ولعل قيام ثورة ١٤ اكتوبر في العام التالي واحدة من انجازات ثورة صنعاء ، ولا أحسب ثوار اكتوبر أخطأوا حين وصفوها بالثورة الأُم ..
وعندما قست الثورتين على اليمنيين ، قادة ونخبة وتجارة وشعب ، أو تعثرت مسيرتها ، أو أخفقت ، كان هناك في كل شطر مساحة يأوي إليها كل ناجٍ وفار ، ففي النهاية لا يحب الانسان الحر قيوده ولو كانت من ذهب ..
هذه خلاصة اجابتي لمن سألني عمَّا يجري اليوم في جبهتي مريس وقعطبة ، ففي كل الأحوال للجغرافيا لغتها الفصيحة والواقعية ، ومن يظن أن التاريخ السياسي كفيل بمحو الجيرة والجوار والجغرافيا فهذا منطق سخيف وساذج وجاهل بحقيقة أن الجار قبل الدار ، وان جارك القريب افضل لك مليون مرة من اخوك البعيد .
كما والجغرافيا ثابتة وراسخة فيما التاريخ احداث وتواريخ ولكم أن تسألوا المؤرخين عن كيفية كتابتها أو تغييرها أو حرفها وتشويهها لا فرق ..
محمد علي محسن
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها