“ملف ” الإيدز قاتل يتكاثر في زمن الحرب
فوجئ الثلاثيني “و.م.س” لدى إجرائه فحوصات قبل خضوعه لعملية جراحية لتفتيت حصوات في الكلى، أنه مصاب بمرض نقص المناعة (الإيدز).
حالة من الذعر أدخلت الشاب المصاب الذي لا يعرف كيف أصيب بهذا المرض، في وضع نفسي سيئ، لم يتمكن خلاله من إجراء العملية قبل 4 سنوات، كما يقول لـ”المشاهد”.
وعلى الرغم من تكتم الشاب عن إصابته، إلا أن زوجته عرفت خبر إصابته بالإيدز من خلال صديقه الذي أسره بالأمر، حينها، حاول تهدئة زوجته، وأجرى لها فحوصات للتأكد مما إذا كانت تحمل الفيروس أم لا، فكانت الصدمة أكبر أنها تحمله، لكنه يحمد الله أن أطفالهما لا يحملون الفيروس، مضيفاً أنهما يتعايشان مع المرض، مع المواظبة على استخدام العلاج واتباع تعليمات الطبيب بدقة.
هذا الشاب واحد من 923 حالة مصابة بالإيدز في محافظة تعز، 675 حالة منهم يمنيون، و248 من الأجانب.
وبلغ عدد المصابين من الذكور 567 حالة، و356 حالة من الإناث، فيما توفي خلال الفترة من 2009 حتى 2018، حوالي 126 حالة، 96 من الذكور، بمن فيهم الأطفال، و24 حالة وفاة من الإناث.
وبلغ عدد الحالات المصابة بالإيدز في الموقع العلاجي بهيئة مستشفى الثورة العام بتعز فقط، 379 حالة.
واستقبل مركز الحميات الحكومي بصنعاء ما يزيد عن 1000 حالة جديدة أصيبت بالإيدز خلال الفترة من يناير 2015 حتى يناير 2019، من مختلف مديريات وأحياء العاصمة صنعاء والمناطق الريفية القريبة منها، ليضافوا إلى 4000 شخص كانوا أصيبوا بالمرض قبل العام 2015، بحسب مدير المركز الدكتور نشوان البنا.
وتشير إحصائية منظمة الصحة العالمية في اليمن، إلى أن حالات الإيدز في اليمن وصلت إلى أزيد من 50 ألف مصاب.
وتقترب هذه الإحصائية من إحصائية برنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس “الإيدز”، التي أكدت أن الإصابات بالفيروس، ارتفعت لتصل إلى نحو 54 ألف حالة في اليمن.
ويؤكد الدكتور سعيد سفيان، مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز بتعز، أن الأرقام الحقيقية غائبه وغير مسجلة بسبب إغلاق مراكز الترصد، نتيجة الحرب التي تعيشها اليمن عامة، وتعز خاصة، وهذا مؤشر خطير يهدد المجتمع، كما يقول لـ”المشاهد”.
ويقول مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز الدكتور محمد عدلان: “لا نريد أن نعطي للجمهور بيانات مزيفة. الكثير يعلم أن مرض الإيدز منتشر في البلاد، حتى من قبل الحرب، هناك عشرات الآلاف من المصابين الجدد الذين لم يُعلن عنهم بشكل رسمي”.
مراكز علاجية متوقفة
وكانت تصل إلى الموقع العلاجي بمستشفى الثورة الذي تم افتتاحه في العام 2008 وحتى العام 2014، حوالي 80 حالة، لكن عدد الحالات انخفض أثناء الحرب الى 25 حالة في العام، بسبب إغلاق مراكز الترصد، وانعدام المحاليل وكروت الفحص، بحسب الدكتور سفيان الذي أكد أن الحرب زادت من عدد حالات الاصابة بالإيدز، إما بممارسات خاطئة بسبب الفقر وغيره، أو تدني الخدمات الصحية.
وأجرى البرنامج الوطني لمكافحة مرض الإيدز، دراسة في العام 2012، حدد فيها تجمعات الفئات المعرضة للإصابة بالإيدز كـ”عاملات بالجنس والمثليين ومتعاطي المخدرات”، إذ توجد بؤر كثيرة ومتفرقة بمدينة تعز، بحسب الدكتور سفيان.
ويضيف: “تمكنا من الوصول للفئات المباشرة، وحصلنا عبرهم على معلومات، وفي ضوء ذلك أُعدت خطة للتدخل المباشر لتنفيذ برامج توعية يسمى “برنامج تثقيف النظراء”، ندرب مجموعة من المثليين والمدمنين وعاملات بالجنس، والهدف منه هو الحد من انتشار المرض، ولكن بسبب الحرب توقف نشاط البرنامج”.
والمؤسف بنظر الدكتور سفيان أن السلطة المحلية لا تدعم أو تهتم بهذا البرنامج، فلديها أولويات أخرى، رغم خطورة إهمال هذا الموضوع، كما يقول.
الأمر ذاته يتكرر في مركز الحميات والإيدز الحكومي، الذي يعتذر للمترددين عليه بحجة توقف دعم المنظمات له، وهو ما حدث مع المصاب بالإيدز العشريني “م.ر” الذي جاء من محافظة حجة، حيث يعيش، العام الماضي، لتلقي العلاج في هذا المركز، لكنه لم يواصل علاجه بعد أن اعتذر له المركز عن عدم استمرار العلاج، لعدم تلقي المركز للدعم.
لكن الدكتور نشوان البنا، وهو الطبيب المتخصص في علاج مرضى الإيدز بمركز الحميات في العاصمة صنعاء، يقول إن جميع المرضى تصرف لهم علاجات مجانية من المركز حتى يومنا هذا، مضيفاً أن الذي لا يتابع مركز الحميات ولا يلتزم بإجراء الفحوصات الطبية الدورية، فمن الطبيعي أن المركز غير ملتزم بعلاجه.
كيف ينتقل الفيروس؟
ويؤكد الدكتور نشوان البنا، أن العلاقات الجنسية المحرمة هي السبب الأول للإصابة بمرض الإيدز لدى غالبية الحالات المرضية الواصلة إلى المركز خلال الفترة الأخيرة، ثم تأتي الأسباب الأخرى كانعدام الوسائل المثلى لتعقيم المعدات والآلات الطبية وغيرها.
ويقول الدكتور جواد الوبر، المتخصص في القضايا الصحية، لـ”المشاهد”: “الناس يجهلون وجود أسباب كثيره للإصابة بمرض الإيدز، من غير الاتصال الجنسي، ومن هذه الأسباب نقل الدم أو وصول دم المصاب إلى مجرى دم الشخص السليم سواء عبر وخز الإبر، أو الإصابة بالخدوش، والقطع بالآلات الحاده الملوثة بدم المريض مثل المشارط وغيرها.
وتؤكد طبيبة الأسنان سماح أحمد أن عيادات الأسنان هي أحد الأماكن والطرق الخطيرة لانتقال فيروس الإيدز، ما لم تتوفر فيها العناية الكافية والتعقيم والرعاية الكاملة.
ولا ينقل مريض الإيدز الفيروس للشخص السليم عن طريق التنفس أو العسال أو الملابس، إنما ينتقل عبر الطرق المعروفة، وهي نقل الدم الملوث، وممارسة الجنس خارج العلاقة الزوجية، واستخدام أدوات ملوثة، أو من الأم للجنين، أو الرضاعة، بحسب الدكتور سفيان.
“م.ر”، لا يعرف حتى الآن كيف انتقل إليه فيروس الإيدز؟ بعد معرفته بالإصابة أثناء إجراء فحص لاستكمال إجراءات الفيزا التي حصل عليها بهدف السفر إلى السعودية، رغم تأكده من عدم وقوعه بخطأ جنسي مطلقاً.
مخاطر في المستشفيات
ويرتاد المرضى المصابون بالإيدز في العاصمة صنعاء، مختلف المستشفيات والمرافق الصحية، في حال إصابتهم بأمراض أخرى، أو في حال إجرائهم عمليات جراحية مختلفة، دون أن يعرف عنهم أنهم مصابون بالإيدز، إلا بعد أن تجرى لهم فحوصات طبية عادية في تلك المستشفيات، التي تفتقر معظمها للإشراف الدقيق على وسائل التعقيم المفترضة، بحسب الدكتور البنا.
ويضيف: “يجب على مريض الإيدز أن يتقي الله، ولا يكون سبباً في انتقال العدوى لشخص آخر سليمً سواء بقصد أو دون قصد”.
وتتراوح أعمار المصابين بين 10 و45 عاماً، وتشكل النساء والأطفال النسبة الأكبر من المصابين الجدد بمرض نقص المناعة المكتسبة، علماً أن العديد من المصابين لا يعلمون بإصابتهم لعدم وجود نظام الفحص الصحي الدوري لدى اليمنيين، وبالتالي هذا العدد يظل ينشر العدوى، دون علمه، وخاصة أن فترة الحضانة لمرض الإيدز قد تصل إلى 20 عاماً قبل ظهور الأعراض المرضية، ويظل حامل المرض خلال هذه الفترة مصدر عدوى لمن حوله، بحسب الدكتور جواد الوبر، المتخصص في القضايا الصحية.
وصمة مجتمعية
يتوارى “و.م.س” عن أعين الناس بعد معرفتهم بإصابته هو وزوجته، رغم تقبلهما به، غير أن نظرات الناس، وخاصة الجيران، هي الموجعة، كما يقول.
ويضيف: “ينظر الناس إلينا كأننا ارتكبنا جريمة لا تغتفر، وحتى بعض الأطباء كذلك، رغم أنهم الفئة الأكثر تفهماً وعلماً بالمرض، يتعاملون معنا بإقصاء وتهميش، فلم أتمكن من عمل عملية تفتيت الحصوات إلا بعد معاناة وتدخل الطبيب المعالج لحالتي، بعد أن كدت أفقد حياتي من شدة الألم”.
وخشية من نظرة الناس التي يعاني منها “و.م.س”، تحرص سامية (اسم مستعار بناء على طلبها) على التكتم بشأن إصابتها بهذا الفيروس، خوفاً من رد فعل المجتمع ونظرته السلبية تجاه الأشخاص المصابين بالإيدز.
وتروي سامية معاناتها مع الإيدز بالقول: “أصبت بمرض الإيدز بعد زواجي بسنة واحدة فقط، فقد كان زوجي مغترباً بإحدى دول الخليج، وأصيب بالفيروس نتيجة ممارسات غير أخلاقية، ونقل لي الفيروس، وعند اكتشافي لهذا الأمر أصبت بصدمة نفسية كبيرة، ولا زال ذلك مؤثراً على نفسيتي”.
وتضيف: “انفصلت عن زوجي، ولم أخبر أحداً بإصابتي، أما هو فعاد إلى الخليج، وأنا هنا محطمة. حاولت أن أخرج من هذه الحالة، وأعيش بشكل طبيعي، كون المرض غير ظاهر على شكلي، وأستخدم العلاج بشكل منتظم، ومع مرور سنوات تعرفت على شاب أحبني بصدق، وكان يرغب بخطبتي، ولكني رفضت رغم أني أبادله نفس الشعور، لكني مصابة. أمر بحالة نفسية سيئة، وأحياناً أفكر بالانتحار، فليس لي ذنب بإصابتي”.
وبحسب الدكتور سعيد سفيان، فإن وصمة العار والنظرة القاصرة لمريض الإيدز تجعله يعيش حالة نفسية سيئة.
ويرى بدر العامري، خطيب جامع الرحمن بتعز، أن نقص المعلومات الدقيقة لدى المجتمع أدى إلى إلصاق وصمة العار على المصابين بهذا المرض، وأحكام سابقة تترتب عليها أن يصاب المريض بالانطواء، وأحياناً محاولة الانتحار.
ويضاف إلى الشعور بالألم، الشعور بالعار الناتج عن الوصمة المجتمعية، وسعي المجتمع إلى عزلهم وعدم الاختلاط بهم خوفاً من انتقال العدوى، بحسب العامري.
ما الذي يجب فعله؟
ويقول الشيخ العامري: “إذا كانت الإصابة بالمرض نتيجة معصية، لا يعني ذلك أن نقاطع المريض أو نعزله، ولكن يجب أن ننظر إليه بأنه مبتلى، وليس عاصياً، والله غفور رحيم. فالمصاب بحاجة إلى المساندة حتى لا يتحول إلى منتقم يخفي مرضه ليوقع أكبر عدد من الأفراد بنفس المرض، نتيجة النظرة المجتمعية القاصرة، ووصمة العار التي ألصقت به”.
ويؤكد العامري على أهمية استخدام الخطاب المرتكز على القرآن والسنة، وتوجيه الرأي العام ومؤسسة الإعلام والمؤسسات التعليمية، للتحذير من هذا المرض، وكيفية انتقاله، وكيفية التعامل مع المصاب.
وينصح الدكتور سفيان باستعمال أدوات تستخدم لمرة واحدة، ولتخفيف نسبة الإصابة بين المتزوجين المصابين، ينصح باستخدام الواقي الذكري في كل لقاء جنسي، واستخدام العلاج الثلاثي، حيث يقلل من احتمال انتقال العدوى إلى أقل من 2%.
وهو ما تنصح الدكتورة سماح أحمد، بالعمل به، مشيرة إلى أهمية استخدام الأدوات التي تستخدم لمرة واحدة، كونها أفضل طريقة للوقاية من انتقال الفيروس، والتعقيم المستمر قبل استخدام أدوات الأسنان.
إجراءات مؤجلة
تزايد عدد المصابين بالإيدز في العاصمة صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، دفع بعدد من المسؤولين وممثلين عن الجهات الأمنية والعدلية وحقوق الإنسان والمغتربين ومصلحة السجون والأوقاف، إلى لقاء تشاوري لمناقشة تطوير اللائحة الوطنية لمكافحة الإيدز، عقد نهاية العام المنصرم، في العاصمة صنعاء.
وفي اللقاء، أكد المجتمعون على أهمية تكثيف الحملات التثقيفية والتوعوية حول مرض الإيدز، وخاصة في صفوف الشباب، والتركيز على المناطق الأكثر عرضة لانتشار المرض، خاصة في ظل النزوح غير الشرعي من القرن الأفريقي إلى اليمن.
وتم الاتفاق على بذل المزيد من الجهود لتطوير الاستراتيجية الوطنية، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، للحد من انتشار مرض الإيدز، والتقليل من آثاره على المجتمع، وتوفير المتطلبات الأساسية والعلاجية الضرورية للمريض.
وطالب المجتمعون المنظمات الدولية العاملة في المجال الصحي في اليمن، إلى القيام بدورها لتوفير المحاليل والمستلزمات الطبية، خاصة ما يتعلق بفحص الدم لتوفير دم آمن داخل البلاد.
كما أوصى المجتمعون بتشكيل غرفة عمليات مشتركة من عدة جهات، أبرزها “الأمن القومي، الأمن السياسي، القضاء، مجلس النواب، ووزارتا الصحة والمغتربين”، تقوم بتعديل القانون رقم 30 لسنة 2009 للحفاظ على حقوق المجتمع وحقوق المريض.
وكان مجلس النواب اليمني أقر في العام 2009، قانون حماية المجتمع من الإيدز وحماية حقوق المتعايشين.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها