الجنوب والنتيجة الطبيعية للاستبعاد من مشاورات السويد
باتَ من المؤكد عدم مشاركة الطرف الجنوبي بالمشاورات اليمنية التي تنطلق اليوم في السويد، مما يعني أن المجتمع الدولي، أو بالأحرى المحيط الإقليمي الخليجي، مصممٌ على استبعاد القضية الجنوبية من فوق طاولة مشاورات السويد، وربما من طاولات المفاوضات القادمة والتسويات النهاية، اتساقاً مع مصالحه أي مصالح «التحالف»، وإنفاذاً لرغبات القوى اليمنية الشمالية، بما فيها القوى التي تنعته بالاحتلال، برغم ما قدمه الجنوبيون، على اختلاف إنتماءاتهم، من تضحيات كبيرة بهذه الحرب إلى جانب التحالف السعودي الإماراتي، وإلى جانب السلطة الموالية له «الشرعية».
قد لا تتطرق هذه المشاورات الى أمور جوهرية، وتكتفي بأمورٍ غير خلافية في الجولة الأولى، ولكنها بالتأكيد ستشكّــل الأرضية التي ستُـنبى عليها المفوضات والتسويات السياسية النهاية. فالأطراف التي ذهبت إلى السويد هي طرفا الصراع الرئيسيين «الشرعية والحركة الحوثية»، بحسب التصنيف الخليجي والدولي، وهذا يعني بالضرورة أن السعودية والإمارات والمجتمع الدولي لا يعترفون بغير هذين الطرفين فقط، وهما ومن خلفهما «التحالف» والأمم المتحدة، مَن سيحدد مصير هذه الحرب وما بعدها من تسويات، برغم وجود شريك عسكري فاعل (الجنوب) بل هو القوة العسكرية التي قلبت ميازين القوى على الأرض- في الجنوب والساحل الغربي على الأقل - تم إزاحته من الطاولة بصورة مهينة بعد استخدامه - بل قل استغلاله - من قبِل «التحالف» و«الشرعية» أسوأ استخدام وأبشع استغلال. بل إن تحديد أطراف الحرب باليمن بطرفي صراع نداً بند، يسقط أكذوبة: «إنقلابيون وشرعيون»!
السعودية والإمارات والمجتمع الدولي لا يعترفون بغير «الشرعية» و«الحوثيين»
ولكن، بالرغم من كل بشاعة الخذلان الخليجي وقبح تعاطي «الشرعية» ومكايدها حيال الشريك الجنوبي منذ اليوم الأول لهذه الحرب، إلّا أن من يتحمّل هذا التجاهل المعيب وهذا الإقصاء المشين هو الطرف الجنوبي ذاته، وبالذات الكيانات والشخصيات التي هرولتْ إلى حضن «التحالف» و«الشرعية» برغم وضوح نوايا وأهداف تلك الأطراف من هذه الحرب، ووضوح موقفها السلبي من القضية الجنوبية، إلا أنه برغم كل ذلك لم نر أية ضوابط ولا ضمانات واضحة ولو بحدودها الدنيا بشأن مستقبل القضية الجنوبية أو حتى تفاهمات شفوية أو وعود أخلاقية تضمن حق الجنوب وتضحياته المهولة التي قدمها وما زال يقدمها كبندقية مستأجرة بالدرهم والريال، أو هكذا أرادوا للجنوب أن يؤدي هكذا دور مخزٍ.
وحين نتحدث عن مشاركة جنوبية، فلا نعني بالطبع مشاركة ديكورية وصورية وكمالة عدد فوق الطاولة، مجرّد المشاركة لشرعنة أية تسوية سياسية قادمة على شاكلة المشاركة في حوار صنعاء، بل مشاركة حقيقية يكون فيها الجنوب صوتاً مسموعاً، وطرفاً رئيس بها ليس فقط لأن اليد الطولى بهذه الحرب كانت له، بل لأنه الطرف الذي يمتلك قضية حقيقية، قضية وطن لا قضية سلطة وكرسي حُــكم. كما أن القضية الجنوبية هي أُس الأزمة اليمنية وجذرها الأصلي التي ولِدتْ من رحم كارثة فشل المشروع الوحدوي اليمني، وبالتالي فأية معالجة للأزمة اليمنية يجب أن يتم معالجة سببها وجذرها أولاً.
يراهن بعض الجنوبيين، وبالذات الساخطون على إقصاء الجنوب من هذه المشاورات على فشلها، وهو رهان لا يجدي نفعاً، بل أنه حيلة العاجز إن كان هذا الرهان وهذا التمنّــي هو مبلغ تعاطينا مع الحدث بدون أية خطوات جدية فاعلة تجبر الحليف- المخادع، قبل الخصم أن يستمع للصوت الجنوبي.
من يتحمّل هذا التجاهل المعيب والإقصاء المشين هو الطرف الجنوبي الذي هرول إلى حضن «التحالف» و«الشرعية»
نعم، هذه المشاورات قد تفشل، كما أنها قد تنجح، أي أن النسبة بين المصيرين متساوية بخلاف المرات الماضية، ولكن حتى وإن فشلت فلن يكون فشلاً كاملاً كالمرات السابقة، خصوصاً وأن ثمة خطوات قد أقدمت عليها أطراف الصراع كموضوع المعتقلين ونقل الجرحى الحوثيين وغير ذلك من الإجراءات، فضلاً عن أن المجتمع الدولي اليوم قد ضاق ذرعاً بحرب مدمرة يقوم بها تجار أسلحة وأنظمة توسعية وهيمنة بالمنطقة وصار يضغط بجدية لوقف عبثها وعبث من قام بها، وهذا يعني أن المشاورات التي ستليها ستكون ناجحة دون شك، فالحروب في نهاية المطاف مصيرها التوقف، وبالتالي فالرهان على بقاء الحرب إلى ما لا نهاية هو ضرب من العبث وضحالة بالتفكير وتملص من المصارحة مع الذات ومع الشركاء.
لم تفاجئنا الأصوات الخليجية التي ظهرت مؤخراً والتي تلقي باللائمة في استبعاد الجنوب من هذه المشاورات على الطرف الجنوبي نفسه،وبالذات «المجلس الانتقالي الجنوبي»، الذي قد وضعَ كل بيضه في سلة «التحالف»، بحسب تعبير تلك الاصوات الخليجية. فهذا التنصّل الخليجي لم يكتف فقط بدفع اللوم والعتب على «التحالف» بل ألقى به على الطرف الضحية «الجنوب»، وهذه الفهلولة الخليجية شيء طبيعي كما أسلفنا، بعد أن وضع الطرف الجنوبي قضيته الوطنية وبندقيته وكل طاقاته البشرية والمادية والجغرافية تحت تصرّف «التحالف» و«الشرعية»، وقوقع نفسه في مربع سياسي ضيّق، بعد أن أوصد بوجهه كل الأبواب النوافذ أمام أية تحالفات داخلية وخارجية أخرى كما يفعل الآخرون، بل والأشد مضاضة أن يتم قمع كل القوى والأصوات الجنوبية التي رفضت الأضواء تحت مظلة «التحالف» ورفضت مسخ القضية الجنوبية إرضاءً للملوك والأمراء، وظلت تحتفظ بموقفها المستقل وتسعى الى علاقة وضوح وندية مع «التحالف» و«الشرعية»، علاقة تحكمها المصالح المتبادلة والعادلة وليس التعبية والإنقياد الخانع الذي عادة ما يفضي الى الاستغناء عن خدمات المتطوع بالمجاني بعد أن تكون كل أطراف الصراع المحلية والإقليمية قد نالت غرضها وقضتْ منه وِطرها، ورمتْ به في سلة الإهمال وقارعة طريق الاستغناء. فالسعودية، ومعها الإمارات والسلطة الموالية لهما (الشرعية)، لا تحمي المغفلين، هكذا تبدتْ لنا الأمور خلال أربعة أعوام مضت هي عُــمر حرب أثبتت بالدليل والحُــجة أن علاقة الجنوب بها كعلاقة الذخيرة بالبندقية، والحطب بالنار.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها