جبهات مشتعلة تسابق مشاورات «نوفمبر» لتجاوز الصيغة الأمريكية للتسوية
مقابل تصاعد صوت عالمي يتحدث بنبرة واحدة، قادته الولايات المتحدة الأمريكية، لوقف الحرب في اليمن، وبدء مفاوضات مباشرة قبل نهاية نوفمبر الجاري، اشتدت ضراوة المعارك في أكثر من جبهة تسابق الزمن، في محاولة لتغيير المعادلات الميدانية قبل أي محاولات لتثبيتها على طاولة السياسة والمفاوضات.
شهد الأسبوع الماضي تصعيداً أمريكياً واضحاً في دعواته لوقف الحرب، وعقد مفاوضات حدد موعدها في غضون شهر، ومكانها السويد، مشدداً على وقف غارات مقاتلات التحالف العربي، ووقف الحوثيين إطلاق الصواريخ الباليستية باتجاه الأراضي السعودية.
ذهب الموقف الأمريكي أبعد من ذلك، إذ عرض وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس خطوطاً عريضة لخارطة طريق الحوار قال إنها يجب أن تبدأ في نوفمبر وتتجه صوب القضايا الجوهرية.
أشار ماتيس إلى أن خطته تعتمد خطين متوازيين، الأول ضمان حدود منزوعة السلاح وفق جدول تدريجي طويل، بدءاً بالصواريخ الباليستية التي قال إن لا حاجة لها بعد الآن إذ لا أحد سيغزو اليمن، والخط الآخر إعطاء المناطق التقليدية لسكانها الأصليين ليكون الجميع في مناطقهم، دون الحاجة للسيطرة على أجزاء أخرى من البلاد.
ويرى وزير الدفاع الأمريكي أن هذا الأمر في مصلحة الحوثيين لأنهم سيجدون فرصتهم ومصلحتهم الأفضل، في حكم منطقتهم بمستوى من الحكم الذاتي، ولن يحتاجوا لمساعدة إيران، التي لن تستخدم دولاً أخرى كطرق جانبية سريعة لإخراج أسلحتها التي تزعزع الاستقرار، وتهدد الحركة التجارية في الخليج وتطلق الصواريخ على أهداف مدنية سعودية.
تصريحات ماتيس، أكدتها تصريحات تالية لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي دعا لوقف الأعمال القتالية في اليمن، وبدء المفاوضات في شهر نوفمبر.
ودعا بومبيو جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران للتوقف عن تنفيذ ضربات صاروخية ضد السعودية والإمارات، مقابل دعوته السعودية للتوقف عن شن ضربات جوية في كل المناطق المأهولة باليمن.
الموقف الأمريكي تبعته مواقف داعمه ومؤيدة من دول غربية عديدة، أبرزها بريطانيا وفرنسا والسويد والاتحاد الاوروبي وكندا والأمم المتحدة، ودول أخرى.
ومقابل الصمت الذي التزمه التحالف وامتناعه عن التعليق، أعلنت الحكومة، على لسان وزير خارجيتها ترحيبها بالحوار، لكنها نفت أن يكون الزمان والمكان قد تم تحديده، أو تمت مناقشة أجندة المفاوضات.
وتؤكد الحكومة اليمنية على المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار وقرار مجلس الأمن 2216.
بدورهم أبدى الحوثيون على لسان ناطق الجماعة محمد عبدالسلام ترحيباً بالمفاوضات، لكنهم طالبوا واشنطن أولاً بوقف دعمها ومشاركتها بالحرب والامتناع عن تزويد السعودية بالأسلحة وطائرات الاستطلاع وعدم تزويد الوقود لطائراتها جواً، مشيراً إلى استعداد جماعته لمواجهة أي تصعيد في الجبهات.
وبحلول اليوم الأول من نوفمبر كانت المعارك على أشدها في عدة جبهات، بينها الجبهتان الأكثر حساسية محلياً ودولياً، الحديدة وصعدة.
والخميس بدأت قوات الجيش الوطني المدعومة من مقاتلات التحالف العربي عمليات عسكرية واسعة في ثلاث محافظات، الحديدة، والبيضاء، وصعدة معقل المتمردين الحوثيين.
فمعركة الحديدة التي تأخرت منذ عدة أشهر، رغم مرابطة القوات المحسوبة على الحكومة الشرعية على تخوم المدينة، انطلقت الخميس بقوة مدعومة بخط إمداد مفتوح، لتتقدم ألوية العمالقة داخل الأجزاء الجنوبية والشرقية من مدينة الحديدة.
وذكر المركز الاعلامي لألوية العمالقة بان قواتها تتقدم من عدة محاور وسيطرت على العديد من المواقع في منطقة كيلو 16 وصولاً إلى قوس النصر، الذي يعتبر البوابة الشرقية لمدينة الحديدة، كما تواصل تقدمها الميداني لتحرير قرى ومدن الحديدة وتأمينها.
وتمكنت ألوية العمالقة، بإسناد مقاتلات جوية ودعم طيران الأباتشي، من تمشيط منطقة كيلو 16 وصولاً إلى قوس النصر. ومساء كانت الأخبار تشير إلى أن المعركة باتت عند أسوار جامعة الحديدة باتجاه الساحل.
ولجأ الحوثيون لإغلاق شارع الخمسين، والطرق المؤدية إلى حي 7 يوليو، وكثفوا من انتشار مسلحيهم في تلك المناطق، وإضرام النار في إطارات السيارات لحجب الرؤية، واستمروا في إطلاق القذائف المدفعية التي لا تتوقف.
وتأتي هذه المواجهات بعد هدوء شهدته جبهة الحديدة منذ أسابيع، بعدما توقفت قوات الحكومة والتحالف عند النقاط التي وصلت إليها أواخر سبتمبر الماضي.
وتوازياً مع سخونة معارك الحديدة، دشنت قوات الجيش الوطني في محور صعدة، الجمعة، عملية عسكرية كبيرة تستهدف التقدم في أكثر من خمس مديريات في المحافظة، التي تمثل مهد جماعة الحوثيين ومعقلها الرئيس.
ونقل موقع (سبتمبر نت) التابع لوزارة الدفاع عن مصادر ميدانية أن قوات الجيش تتقدم من 11 محورا في صعدة وبمشاركة أكثر من عشرة الوية عسكرية.
وأوضحت المصادر أن ألوية العروبة، تقود تلك العمليات الأولى من نوعها منذ بدء معركة صعدة، وبمشاركة لواء العاصفة ولواء القوات الخاصة ومكافحة الارهاب.
وتشمل العملية مناطق حيدان ومران وشدا والظاهر والملاحيظ، وضحيان، وتعززها مقاتلات التحالف العربي، حسب موقع الجيش اليمني.
وأطلقت القوات الحكومية، يوم الجمعة، معركة واسعة لتحرير أجزاء من محافظة البيضاء (وسط اليمن).
وقال مسؤول عسكري لـ«المصدر أونلاين»، إن القوات الحكومية، أطلقت يوم الجمعة معركة جديدة لتحرير محافظة البيضاء، بمشاركة طيران التحالف العربي، انطلاقاً من جبهتي «فضحة، والملاجم».
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سبأ) أن قوات الجيش تمكنت من تحرير عدد من المواقع الاستراتيجية في مديرية الملاجم شملت جبال «صوران وكبار ودير وشعب باحواص» في منطقة فضحة بمديرية الملاجم، فيما قصفت مدفعية الجيش الوطني مواقع الحوثيين في ظهر البياض ومفرق وعاله بمنطقة فضحة.
ونقلت الوكالة عن مصادرها أن قوات الجيش تواصل تقدمها باتجاه مفرق «وعالة» بمديرية الملاجم، في حين دمرت مقاتلات التحالف تعزيزات عسكرية للحوثيين بينها عربة (بي إم بي) وعدد من الأطقم المحملة بالذخائر والأفراد.
ولم يقتصر التصعيد على الجبهات المحلية بل تعداها إلى الأراضي السعودية، إذ أعلن المتحدث باسم قوات التحالف العربي أن الدفاعات الجوية السعودية اعترضت الجمعة صاروخاً باليستياً أطلقه الحوثيون، من محافظة صعدة باتجاه نجران.
وأعلن تركي المالكي أن مقاتلات التحالف العربي دمرت مساء الخميس مواقع إطلاق وتخزين الصواريخ الباليستية ومحطات التحكم الأرضية للطائرات بدون طيار وورش التفخيخ والتجميع والمواقع المساندة لها بقاعدة الديلمي الجوية شمال صنعاء.
التطورات الميدانية، وما رافقها من تأييد للمفاوضات مع تحفظ على صيغته المعلنة، تشير إلى أن الأيام القادمة ستشهد سباقاً على السيطرة الميدانية هو الأشد ضراوة منذ مطلع العام الجاري.
دعوات التفاوض ووقف الحرب تبدو أكثر جدية وتحظى بتأييد عالمي واسع، ورغم صيغتها الأمريكية المعلنة بما تحمله من تفاصيل غير مقبولة للشرعية وحلفائها، فلن يكون بمقدور السعودية التي تقود التحالف التملص من هذه الدعوات كما فعلت سابقاً مع مبادرة وزير الخارجية الامريكي الأسبق جون كيري، في ظل المتغيرات والضغوط الكبيرة التي تتعرض لها على خلفية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، التي يرى كثير من المراقبين والمعنيين أن لها تأثير قوي للدفع باتجاه وقف الحرب في اليمن، وكان آخرها تصريح المبعوث الأممي مارتن غريفيث الذي قال إن مقتل خاشقجي شكل دافعاً قوياً للدعوات الأمريكية لوقف الحرب في اليمن.
وعلى الرغم من تواري أخبار الحرب في اليمن من عناوين نشرات الأخبار والصحف الأمريكية والغربية عموماً إلا أن مقتل خاشقجي وما أثاره من ضجة جعل موضوع الحرب في اليمن يعود إلى الواجهة، حيث يذهب كثير من المحللين إلى اعتبار الحرب في اليمن هي النقطة التي انطلق منها محمد بن سلمان وأنه يجب أن تتوقف.
لكنها مع إعلانها الترحيب بالمفاوضات كخيار مبدئي تلتزم به، استجمعت كل قواها مع بداية العد التنازلي للمفاوضات مطلع نوفمبر لتدشن أكبر عمليات عسكرية على الأرض في عدة جبهات ذات أهمية بالغة محلياً وإقليمياً ودولياً، وإذا ما قدر لها أن تحقق أهدافها قبل انقضاء مهلة الشهر، فإنها ستتجاوز بنتائجها الصيغة الأمريكية للتسوية، وتعيدها إلى ذات الصيفة بمحدداتها الثلاثة الذي توقفت عنده مفاوضات الكويت، والتي يتبناها التحالف والشرعية وإلى وقت قريب أمريكا والأمم المتحدة والدول الغربية الأخرى.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها