إضاءة حول المجموعة القصصيّة "ناسك الصّومعة" للدكتورة سناء الشّعلان
"ناسك الصومعة"(1) مجموعة قصصيّة للأديبة د سناء الشّعلان،والمجموعة تتكوّن من خمس عشرة قصة،هي على التّوالي:ناسك الصّومعة،المجاعة،السّجان،حكاية لكلّ الحكايات ، يوميّات حروف،عبودية،عام النّمل،ولادة متعسرة،حدث في ليلة ماطرة،أقاصيص رجل لا ينام ، حذاء عنترة،الموزة اللّغز،حتى النّصر،إذن استثنائي خاصّ،زوجة الحذاء.وقد اخترت قصّة " ناسك الصّومعة" لألقي الضّوء عليها؛إذ تتكوّن القصّة من خمسة أسفار،واختارت الكاتبة هذه التّسميّة لتضفي عليها هالة القدسيّة التي يجب أن يتحلّى بها ناسك،والنّاسك هذا يمرّ بتدرجات حياتيّة مختلفة،ففي السّفر الأول المسمّى "سفر التّكوين" حيث ينقسم هذا السّفر إلى تسعة أجزاء، وأسمتها الكاتبة صوامع هي على التّوالي صومعة العشق،صومعة الشّهادة ، صومعة الرّجولة،صومعة الموت،صومعة الجسد،صومعة الحرمان،صومعة الفضيلة،صومعة الظّلام ، وصومعتهم،والتّسمية صومعة دلالة أخرى لتجسيد شخصيّة النّاسك .
ففي صومعة العشق يكون هو ثمرة حب جارف جمع بين والديه،وسمي أحمد تيمنا بخاله الشّهيد،فنشأ الطّفل وهو يدرك أنّه يحمل اسم شهيد لتنغرس في قلبه فكرة الشّهادة،وفي لا وعيه يدرك أنّه كرس نفسه للعبادة التي قد تقوده إلى الشّهادة. وأنشأه والده العسكريّ على الجدّ والصّرامة،ويتقاعد العسكريّ لينشئ متجراً للحوم،ويصطحبه إليه،فتأبى نفسه الرّهيفة رؤية شعائر الذّبح والموت والسلخ والفرم والتّقطيع،فيعرض عن الطّعام لاسيما عن أكل اللحوم. وهنا إضاءة حول شخصيته وطبعه الودود والرحمة التي تغلب عليه ورقة أحاسيسه،فنتعرف على خصائص أخرى تليق بشخصيّة ناسك،وفي صومعة الجسد يتعرّف على جسده،وبمر بأحداث عديدة يترفع بها عن الوقوع في الرّذيلة،ويدرك أنّ الجسد وعاء الروح،وعليه أن يكون طاهراً ليحافظ على أمانته إلى أن يستردها الله خالقها،فتنغرس في قلبه الفضيلة،وفي صومعة الحرمان تأكيد لتمسك الشّاب بفضيلته،وبعد تخرجه من الجامعة يعمل أمين مكتبة ،فينهل من العلم والمعرفة، ويترصده بعض أعدائه،وينجو منهم بحصانة والده وأخيرا يلوذ في صومعة عائلته المسماة صومعتهم، فيكرس نفسه لهم كما يغدقون عليه حبهم،وينتهي سفر التّكوين حيث تتكوّن شخصية النّاسك، لتنتقل به الكاتبة إلى الأسفار التي تليه؛ففي سفر المتعة حيث تتأجّج نار شهوته،وخوفاً من الوقوع في المعصية يتزوج وهو الشّاب من فتاة صغيرة تربّت على النّسك وحافظة للقرآن. وسكنت شهوته في جسدها الصّغير كما تقول الكاتبة وفي الأسفار التّالية تتطور شخصيّة النّاسك ليمر بتدرجات حياتيّة تحيد به عن طهارته وقدسيته التي ميّزته في سفر التّكوين،لتسوقه إلى عالم المتعة وعبادة الجسد،لتنشأ علاقة محرمة مع امرأة لاهية عابثة متوّجة على عرش الكلمات كما تقول الكاتبة،وينحرف معها إلى الخطيئة،وبمحاولة ذكية تضع الكاتبة احتمالات شتى لهذه العلاقة،وتتضارب الاحتمالات بين الزّواج أو الهجر أو الموت،لتختتم الكاتبة قصّتها بسفر الغفران،وكفانا بعنوانه لنقرأ باطنه،فهو سفر المغفرة التي تمنحه إياها زوجته ، ويعدّان أنّ ما مر به من شذوذ ما هو إلا كابوس شفي منه بحمد الله،ويعود إلى نسكه ونقائه.
وهنا تريد الكاتبة أن تقول أنّ الإنسان يمرّ في مراحل حياتيّة مختلفة،وقد تقوده التّجربة إلى العصيان،ولكن على الإنسان أن يقود خطواته بحكمة ليتغلب على إغراءات النّفس المتطلّعة إلى استحواذ الدّنيا،لتنهل من جمالها الوحشي بعيداً عن رقابة الضّمير،ولكن للمغفرة سطوة ورحمة تقودنا نحو الفضيلة متدثرين بها مبتعدين عن الخطيئة إلى النّزاهة وللتوبة عبق أثير.وأخيراً الله غفور رحيم ونحن عباده الطائعين .
قصة حكاية لكل الحكايات : في مجتمعنا الذّكوري نسمع دائماً عن قضايا الّشرف التي يقف القضاء فيها في صف الرجل المنتقم لشرف العائلة الذي أهدرته الأنثى،وهذه الأنثى أحياناً كثيرة تكون ضحية اعتداء بشع من فحول شاذة،وتساق الأنثى كالنعجة إلى الذّبح،ويبرّأ القاتل أو يحاكم حكماً خفيفاً،فهو منتقم لشرف العائلة المصان،أمّا إذا تبودلت الأدوار،وانتقمت المرأة لشرفها تساق إلى حبل المشنقة،فهي قاتلة آثمة لا تبرير لفعلتها الشّنيعة ولا عزاء لها إلاّ الموت . هذا كان همّ الكاتبة في "حكاية لكلّ الحكايات"، فتقول لنا بأسلوبها الجميل من خلال حكايات شتى تدور حول جرائم الشّرف،وهي دعوة لقراءتها،فالحديث حولها يطول،واختصرته الكاتبة بنماذج حية لنعيشها بوجداننا .
الكتاب يحتوي على العديد من المفاجئات والمفارقات التي تذكي الخيال وتخاطب الوجدان ففي قصة "يوميات حروف" مثلا تتوالد القصص من الأبجدية،وهي لعبة ذكية لتحيك الكاتبة قصصها لتكون من السّهل الممتنع،وهي دعوة لقراءتها،وكما يقال الوصف ليس كالمشاهدة .
بقلم د ميسون حنا / الأردن
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها