الزحف يا رجال .. يراد ان نظل مجرد سلاحف زاحفة على بطونها لا حمائم وديعة أو صقور في عُباب السماء
المناضل/شلال يدعو أبناء الضالع للزحف، المناضل/ناصر النوبة يدعو أبناء شبوه للزحف،، تظاهرة في الحوطة لحج تدعو كافة الجنوبيين في المحافظات الست للزحف المليوني إلى العاصمة عدن، تظاهرة في أبين تدعو إلى الزحف إلى عدن يومي 16و17مارس للمشاركة في مليونية القرار قرارنا، الإصلاح بتفريعاته وجمعياته لم يكن غائباً، إذ سبق له دعوة جماهيره إلى الزحف إلى عدن قبيل مهرجان 21فبراير المشئوم ، وهكذا دواليك من دعوات الزحف.
لماذا نزحف على بطوننا إلى عدن؟ لماذا علينا قطع عشرات ومئات الكيلو مترات زحفاً على البطون وليس مشياً على الأقدام أو ركوباً على المركبات؟ كيف تدعونا القوى الثورية المتنازعة على بسط وجودها ونفوذها على عدن؛ للزحف الثوري، ومن ثم إننا لا نزحف شبراً وذراعاً؟.
لا أعلم لماذا كافة الفصائل الجنوبية تريد منا أن نكون مجرد سلاحف زاحفة على بطونها بدلاً من نكون حمائم وديعة أو حتى صقور كاسرة ماخرة عُباب السماء؟.. الواقع أن الواحد منا ليصاب بالدهشة والحيرة إزاء افتتان كاسح ومجنون بلفظة "الزحف"، فبرغم يقيننا بقولة الشاعر الروسي مكسيم جوركي "المخلوقات التي ولدت لتزحف لا يمكنها أن تطير".. لكننا مع ذلك نود أن نبقى كائنات بشرية زاحفة لا قدرة لها مطلقاً؛ كي تصير طيوراً سابحة مغردة في فضاءات فسيحة لا متناهية.
شخصياً؛ الزحف مفردة جميلة وطنت في ذاكرتي مذ سني طفولتي، فصورة ثوار 14أكتوبر والجماهير من خلفهم وهم يصعدون الهضبة المطلة على مدينة الضالع - الواقع فيها مقر الأمير/شعفل بن علي رحمه الله، دار الحيد حالياً – يوم 21يونيو 1967م؛ مازالت ماثلة بقوة ووقرها في أذني يستيقظ كلما سمع كلمة "الزحف"..
هذه الصورة المتحركة المستقرة في ذهني رابطها اوبريت "المزهر الحزين" الذي صاغه الشاعر الكبير الفقيد/لطفي جعفر أمان وغناه الموسيقار الفذ الراحل/أحمد بن أحمد قاسم، فما من ذكرى استقلال 30نوفمبر إلا وصوت الفنان الفخم يضوع كلمات "الزحف الزحف يا رجال" مقترناً بزحف ثوري جماهيري صوب قصر آخر أمراء الضالع.
تعبنا.. أنهكنا.. أهلكنا هذا الزحف الثوري الطويل، التقدمي، الاشتراكي، اليساري، البعثي، الناصري، الثوري، كل هؤلاء مسكونون بهاجس الزحف النضالي التحرري الذي ساد حقبة الستينات من القرن العشرين، الرجعي، السلطاني، الإمبريالي، السلالي، الإخواني، السلفي، اليميني، فجميع هؤلاء يدعون في الحاضر إلى الزحف الثوري وعلى نمط كلاسيكي تقليدي يفترض أنه صار إرثاً تراثياً في سفر التاريخ والكفاح..
لا أحد من القوى الزاحفة سيدعونا للتحليق في سماوات الفضاء المفتوح، الواقع يستلزمه سرعة وخفة وحكمة هدهد سليمان ونبأ يقين في فيمتو ثانية.. ومع طبيعة الزمن الطائر المتسارع المتصارع قومه على تملك مساحة الفضاء؛ مازلنا نزحف ونزحف في مجاهل الثرى ودونما محاولة ولو لمرة كي نثبت أننا خلقنا لنطير ونحلق ونزاحم الشهب والنجوم؛ لا كي نزحف على بطوننا كالسلاحف التي أضناها زحفها في ماراثون عبثي بلا منتهى أو غاية مرجوة.
أرجو أن لا أستفيق من نومي صباحاً وقد قناة اليمن ولجنة الحوار والحكومة والرئاسة تدعو إلى زحف مليوني مماثل صوب العاصمة صنعاء وذلك للتعبير عن مشاركتها في الحوار الوطني ورفضها لكل أشكال الزحف الآخر، فبكل تأكيد سيكون لمثل هذا الزحف الرسمي عواقب وخيمة وكارثية على اليمن واليمنيين الزاحفين ماضياً وحاضراً ولا أظنهم سيلجون مضمار المستقبل السريع بزحف السلاحف.
نعم الزحف الطويل أرهقنا كثيراً وكلفنا كثيراً من الوقت والجهد والإمكانيات والقرابين، كلفة باهظة ومهولة دفعتها الأجيال السالفة واللاحقة ومع ذلك مازلنا نزحف وبترف ونهم وجلد وإصرار عجيب على وتيرة الزحف القديم الذي ساد مرحلة تاريخية ونضالية مختلفة عن الزمن الحاضر ووسائله وأدواته السابحة في فضاءات مفتوحة لا متناهية.
ختاماً يجب القول إنه وبمثل هذه المفردات الثورية يمكن تعبئة وإغراء وحشد الجماهير الغفيرة إلى الساحات والأمكنة، لكن هذه الجماهير المتطلعة والمتحفزة لمزاحمة الشهب والنجوم لا أعتقد أنه بمقدورها قطع المسافة الشاسعة وعلى طريقة السلاحف الزاحفة، إذا لم أقل الزواحف عامة، فبرغم زحفها المستديم تبقى كائنات زاحفة يستحيل أن تمشي على قدميها أو تطير في السماء..
فهذه الملايين المقاطعة أو المشاركة يستلزمها عقلية مدركة ومستوعبة، وقبل ذا وذاك منتمية لهذا العالم الفسيح، ولهذا الماراثون الكوني الذي لا متسع فيه أو أهمية لغير الكائنات البشرية المفردة أجنحتها وبصيرتها لعنان ثورات الفضاء الأثير؛ لا ترى الكائنات الزاحفة المتخلفة وسيلة وطريقة وعقلية وثورية وغاية – الواقع أنني أيضاً – كائن زاحف ومن فرط ما زحفت أصابني الإرهاق والإنهاك "الزحفة" وفق تعبير دارج لحالة الإعياء والخمول البدني والذهني.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها