لماذا رضخت الإمارات مؤخرا وأفرجت عن بعض المختطفين من سجونها بحضرموت وعدن؟ (تقرير)
بعد اخفاء قسري لأكثر من عامين افرجت دولة الإمارات عن عدد من المخفيين في سجونها الخاصة، التي تحرسها قوات موالية لها في محافظتي حضرموت وعدن.
وكان اخرها الإفراج عن 46 مخفي قسرا في سجن بئر احمد بمدينة عدن يوم أمس، و19مخفي اليوم الأربعاء، بعد تغييب استمر لأكثر من عامين لم يسمح خلالها لأهاليهم بزيارتهم، تعرضوا خلالها لابشع اساليب التعذيب الوحشي، بحسب ما كشفت عددا من المنظمات، ووسائل إعلامية محلية وعالمية.
بعض عمليات الإفراج قالت وكالة سبأ الحكومية إنه أتى بحسب أوامر النيابة العامة، لعدم الاكتفاء بالادلة في ضلوع المتهمين بالإرهاب، وهي الأوامر التي ظلت أبوظبي ترفضها طوال فترة الاعتقال.
واللافت أن الإفراج عن المخفيين أتى بعد تنصل أبوظبي من إدارتها لأي سجون سرية في اليمن، عقب تصريحات رسمية من قبل الحكومة اليمنية، أكدت فيها أن لا سلطة لها على تلك السجون، وكان آخرها تصريحات وزير الداخلية اليمني احمد الميسري، وتزامن ذلك مع تزايد الاتهامات الدولية لابوظبي بإدارة عددا من السجون السرية في اليمن، وتعرض المخفيين فيها للتعذيب.
زيارة الميسري
وعقب تزايد الاتهامات الدولية المتزامنة مع التصعيد المتواصل لأهالي المخفيين قسرا، جاءت زيارة وزير الداخلية احمد الميسري الى ابوظبي، وكان واضحا أن هذا الملف من ضمن أهم أجندة الزيارة، في محاولة من قبل ابو ظبي للتخلص من هذا الملف الشائك، الذي عرضها للاحراج، والخوف من التبعات القانونية المترتبة عليه.
وعقب عوده الوزير الميسري بحسب المحلل السياسي اليمني عبدالرقيب الهدياني شهد هذا الملف زحزحة باتجاه انهائه، فالاول مرة يصدر قرار بشأن تشكيل مصلحة السجون.
ضغوط
كان واضحا أن تزايد الاتهامات من قبل المنظمات الدولية وهيئات الأمم المتحدة، لدولة الإمارات بشأن هذا الملف، قد اتى ثماره، وبدت نتائجها على ارض الواقع بالافراج عن اعدادا من المخفيين في محافظتي حضرموت وعدن.
وإضافة لذلك فقد كان كشف وسائل الإعلام لسلسلة من الانتهاكات، التي تمارسها الامارات، والاجهزة العسكرية التابعة لها في تلك المعتقلات، دورا بارزا في حلحلة هذا الملف.
وكان تحقيق وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية آخر تلك التناولات الصحفية، وهو التحقيق الذي كشفت فيه الوكالة عن سلسلة من الانتهاكات والتعذيب البشع الذي يمارس بحق المعتقلين.
قالت الوكالة في التحقيق إنها حصلت على معلومات من شهود عيان ومعتقلين سابقين تفيد بأن الحراس اليمنيين العاملين تحت إشراف ضباط إماراتيين استخدموا أساليب مختلفة للتعذيب والإذلال الجنسيين في خمسة سجون سرية على الأقل تديرها الإمارات في اليمن، وفق "أسوشيتد برس" التي اتهمت ضابطا إمارتيين بالتورط في اغتصاب معتقلين.
خطوة استباقية
ويرجح أن تكون عمليات الإفراج عن المخفيين في سجون أبوظبي السرية في اليمن، استباقا لزيارة وفد اممي للعاصمة عدن، في محاولة للتخلص من هذا الملف.
وهو الوفد الذي أكدت مصادر يمنية وثيقة الاطلاع للموقع بوست في وقت سابق أنه سيزور العاصمة المؤقتة عدن خلال الأيام القادمة للإطلاع على الأوضاع هناك، وسيقابل مسؤولين في الحكومة اليمنية وآخرين في التحالف العربي.
وتأكد وصول الوفد الأممي بلقائه رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر اليوم في مدينة عدن، حيث التقى بكل من رئيس فريق الخبراء الأممي أحمد حميش، ومسؤولة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية ماري لويس، وناقش الجميع التسهيلات التي ستقدم للفريق خلال مهمة عمله في اليمن.
إعادة حسابات
الكاتب والصحفي اليمني صدام ابو عاصم قال أن الخطوة كانت خاطئة منذ البداية، وأضاف في حديث خاص للموقع بوست "من غير المعقول أن يتم اعتقال مشتبه به ومن ثم التحقيق معه سنتين أو سنة".
وأشار أبو عاصم الى أن هذه الخطوة توحي أن الإمارات بأذرعها الأمنية والعسكرية في عدن، شعرت أنها تتورط يوما عن آخر في أول مغامرة سياسية وعسكرية لها في الإقليم.
وتابع بالقول: في كل الأحوال يبدو أن هناك تقارب بين الشرعية والامارات، خصوصا بعد زيارة هادي الأخيرة الى الإمارات والتقائه مسؤولين هناك، لتصفية ملف الخلاف بعد حادثة سقطرى وحجز رئيس الوزراء.
وعن افراج أبوظبي لعدد من المخفيين في سجونها قال صدام أبو عاصم أن الإمارات تلقت العديد من الانتقادات من قبل مهتمين ومراقبين ودول، وخصوصا فيما يتعلق بملف الاعتقالات والسجون السرية في عدن.
ورجح ابو عاصم أن ذلك دفعها لاعادة حساباتها مع الشرعية، كونها صاحبة القول الفصل في إبقاء الإمارات كشريك في التحالف العربي أو استبعادها بشكل رسمي.
واختتم الكاتب صدام أبو عاصم حديثه للموقع بوست بالقول "يجب أن يكون هناك انسجام في أداء التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، وخصوصا بين السعودية والامارات، وإن كان ثمة تحميل للمسؤولية في أي خلل تقوم به فصائل مدعومة علنا من الامارات، فيجب أن تتحمله الشرعية، ومعها السعودية كونها صاحبة اليد الطولى في هذا التحالف.
لملمة فضيحة
الكاتب والمحلل السياسي اليمني عبدالرقيب الهدياني من جانبه يرى أن ملف السجون السرية التي انشأتها الإمارات في عدن، والمحافظات المحررة، والتي يقبع فيها المئات والآلاف من المعتقلين، والذين يتعرضون فيها لأبشع أنواع التعذيب وصل الى حد الوفاة لبعض السجناء أصبح حملا ثقيلا عليها.
وأوضح أن التناولات الصحفية والتي كان اخرها الصحافة الامريكية، والتي كان آخرها ما نشرت احدى كبريات الصحف فيها من تحقيق مطول لاقى رواجا كبيرا.
واشار في سياق حديثه للموقع بوست أن هذا الملف عقب تناول الإعلام له، كلف دولة الإمارات كثيرا من سمعتها، حقوقيا وسياسيا، واشتغل عليه خصوم الإمارات، ولذلك هي اليوم تحاول أن تتخفف من هذا الملف الكبير .
ويتفق الهدياني مع الصحفي صدام ابو عاصم بان التقارب الأخير الذي حدث بين الشرعية ودولة الإمارات، حيث يرى أن حلحلة هذا الملف يأتي في سياق هذه التفاهمات.
ووفقا لذلك كما يقول يجري الإفراج عن المعتقلين والمخفيين في عدن وحضرموت، في إطار محاولة لملمة هذه الفضيحة الكبيرة بحسب وصفه، والتي علقت بالإمارات ومشروع التحالف العربي، والحكومة الشرعية، ومثلت وصمة عار في وجه الجميع.
ويؤكد الهدياني أنه وفقا للتفاهمات الاخيرة، يجري حلحلة هذا الملف عبر وزارة الداخلية، وجهات من القضاء، بحيث كل من لم تثبت عليه تهمة، وكثيرا منهم - وفق الهدياني- مغردين في شبكات التواصل الاجتماعي، وفنانون وبعضهم اعتقل بتهمة الإشتباه، والكثير اعتقل بتهم سياسية كيدية.
وبين أن كل هؤلاء جري تنقية اسمائهم، ومن لم تثبت عليه تهمة، يجري الإفراج عنه، وكل من عليه تهمه سيجري احالته للقضاء وهكذا سيتم حلحلة هذا الملف.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها