معركة الحديدة تكشف الأرضية الرخوة التي أصبحت تتحرك عليها جماعة الحوثي الانقلابية
كشفت معركة تحرير محافظة الحديدة، غربي اليمن، أن جماعة الحوثي لم تعد بالقوة التي يصورها فيها إعلامها، بقدر ما أصبحت تتحرك في (أرضية رخوة) لا تستطيع الصمود طويلا فيها، وهو ما تسبب في انهيار الميليشيا الانقلابية بشكل سريع في معركة محافظة الحديدة، التي كشفت حقيقتها الراهنة.
وأرجعت العديد من المصادر المقربة من جماعة الحوثي أن البنية العسكرية للجماعة تشهد اختلالا منقطع النظير، بدءا بالتراجع في القدرة على حشد المقاتلين، مرورا بتراجع الولاء والتذمر في أوساط الأعضاء والقيادات الحوثية وانتهاء بتراجع الحاضنة الشعبية إلى حد كبير، وبالذات بعد إعدام الحوثيين لحليفهم القوي الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، الذي فقدوا بمقتله الكثير من مناصريهم في مختلف أرجاء اليمن.
وأوضحت هذه المصادر لـ»القدس العربي» أن الأحداث والخسائر العسكرية المتلاحقة تؤكد أن جماعة الحوثي أصبحت مكشوفة الظهر، لا تستطيع قيادة زمام المبادرة، ولا حتى الصمود للاحتفاظ بمكاسبها العسكرية، وهذا ما جعلها تنهار سريعا أمام التحرك العسكري للقوات الحكومية في محافظة الحديدة، حيث لم تستطع صد المهاجمين من هذه القوات، رغم ان المهاجم دائما مكشوف ويسهل توجيه ضربات موجعة ضده بأقل الخسائر.
وأرجع أسباب عجز الميليشيا الحوثية عن الدفاع على مطار الحديدة وعدم القدرة على الصمود فيه لأطول فترة ممكنة، إلى هذا الضعف الراهن والواقع الجديد الذي تعاني منه الجماعة، والذي كشف الوهم الكبير الذي كان يعيش فيه زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، والذي اضطر إلى مراجعة الحدة في خطابه السياسي وارسال إشارات تراجع وصفت بـ»الاستسلام» في خطابه المتلفز الأخير الأسبوع الماضي، والذي حاول استباق الأحداث التي تعزز إمكانية سيطرة القوات الحكومية على مدينة الحديدة بسرعة متناهية، بإعلانه عن استعداد جماعة الحوثي تسليم ميناء الحديدة لإشراف الأمم المتحدة، لإحراجها بإجبار القوات الحكومية وقوات التحالف العربي الداعمة لها بوقف المعركة لأسباب إنسانية، بينما الحقيقة تؤكد أن الخطاب الحوثي يكشف حجم الضعف والانهيار الذي وصلت إليه الجماعة.
وأوضحت أن «البنية العسكرية لجماعة الحوثي لم تعد كما كانت عليه قبل ثلاث سنوات من الآن، عندما اشتعلت الحرب اليمنية وأطلقت قوات التحالف العربي بقيادة السعودية عملياتها العسكرية في اليمن، حيث أصبحت العديد من قيادات الجماعة تعيش حاليا تخمة من الثراء السريع والمكاسب المادية التي جنتها خلال سنوات الحرب، وأن هذه القيادات أصبحت تفكر في كيفية الحفاظ على مكاسبها ولو بوقف الحرب سريعا والعيش بسلام».
وأضافت أنه على الصعيد الشعبي، «أصبح الكثير من أنصار جماعة الحوثي يعانون الابتزاز المرهق والمتواصل لهم ماديا وبشريا، حيث خسروا الكثير من أبنائهم خلال الثلاث السنوات الماضية من الحرب ولم يعد بمقدورهم الاستمرار في رفد جبهات القتال الحوثية بالمزيد من الأبناء وتحمل المزيد من الخسائر البشرية ويتطلعون إلى وقف الحرب في أي لحظة».
مصادر عسكرية أكدت هذا الوضع المضطرب الجديد لجماعة الحوثي، وأوضحت أن الجماعة حاولت الهروب منه مؤخرا بنقل المعركة خارجيا عبر إطلاق الصواريخ البالستية على الأراضي السعودية لتصوير نفسها إعلاميا أنها تحقق مكاسب وانتصارا عسكريا، بينما هي في الواقع عكس ذلك، وانكشفت لعبتها في أول مواجهة قوية مع القوات الحكومية في محافظة الحديدة، حيث انهارت كافة الجبهات الحوثية أمام القوات الحكومية وقوات المقاومة الشعبية طوال الشريط الساحلي لمحافظة الحديدة الذي يمتد لنحو 200 كيلو متر.
وكشفت أن المشهد العسكري تغير بشكل كبير لصالح القوات الحكومية في ظل تخلخل الأرضية التي كانت تتحرك عليها جماعة الحوثي خلال السنوات الماضية وأن هذه الأرضية أصبحت في الوقت الراهن رخوة في ظل تراجع الحاضنة الشعبية بشكل كبير لجماعة الحوثي وارتفاع نسبة المصالح المادية لقادة الجماعة الذين أثروا من وراء الحرب، عبر النهب المستمر الذي مارسوه خلال الثلاث السنوات الماضية من المساعدات الدولية التي كانت تصل عبر ميناء الحديدة وأيضا استغلالهم السيء لميناء الحديدة بابتزاز التجار والموردين عبره، بفرض رسوم وأتاوات تذهب جميعها لجيوب كبار القيادات الحوثية والتي حاولت الجماعة غض الطرف عنهم لشراء ولاءاتهم.
وقال القائد السابق لقوات الاحتياط «الحرس الجمهوري سابقا» اللواء الركن سمير عبدالله الحاج لـ»القدس العربي» ان «معركة الحديدة تعد بمثابة معركة كسر عظم للانقلاب الحوثي، حيث من المؤكد أن معركة تحرير محافظة الحديدة وميناءها الاستراتيجي هي المعركة الفاصلة والأخطر بالنسبة لميليشيا الانقلاب الحوثي».
وأوضح أن «معركة الحديدة تحتل أهمية عسكرية واقتصادية وأمنية كبيرة لقوات الحكومة الشرعية ولقوات التحالف العربي وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية والإمارات العربية الشقيقة وكذلك على الملاحة الدوليه بشكل عام».
وأضاف أن لقوات التحالف العربي وبالذات القوات الإماراتية دور بارز في إدارة هذه المعركه إضافة إلى الدور المحوري للمملكة العربية السعودية وكذا الجيش الوطني اليمني والمقاومة الشعبية التهامية في الحديدة وقوات العمالقة على وجه الخصوص أبرز الأثر في تحقيق هذا النصر الكبير «والذي يوشك أن يستكمل بتحرير ميناء الحديدة الرئيسي ومدينة الحديدة وكذا ميناء الصليف العام والذي يبعد حوالي أربعين كيلو مترا عن مدينة الحديدة».وذكر أن جميع المؤشرات تؤكد أن الانتهاء من معركة الحديدة بات قريبا رغم الصعوبات والعراقيل التي تعتمدها ميليشيا جماعة الحوثي من الاحتماء بالمدنيين واتخاذهم دروعا بشرية وزارعة الألغام بشكل مهول في المناطق السكنية.
وأضاف الحاج أن قوات الجيش الوطني والتحالف العربي يتبعون تكتيكا خاصا في معركة الحديدة لأنها مناطق سهلية مفتوحة ويعتمدون أساسا على القتال بنظام المجموعات المدعمة بالطيران والعمل على تعدد المحاور القتالية لتفتيت وتفكيك الكتل الصلبة والنقاط القوية للعدو، وقد نجحت هذه الخطط بشكل كبير من خلال النتائج الملموسة في معركة مطار الحديدة والتقدم إليه من عدة محاور، ما أربك الميليشيا الحوثية وخلخل توازنها ومن ثم تم عزل مجموعات عديدة منها ووقوعهم بين اسير أو مستسلم أو محاصر.
وأشار إلى أن السيطرة على الطريق الرئيسي بين الحديدة وصنعاء والمعروف باسم كيلو16 وقطع خط الإمداد الرئيسي للمليليشيا الحوثية وكذا السيطرة العامة على مطار المدينة والخط الساحلي القادم من الجنوب والالتفاف على خط طريق الحديدة باتجاه مدينة حرض، يعد بمثابة النهاية الحقيقية لمعركة الحديدة وربما النهاية لما بعدها.
وقال «يعتبر الانتصار العسكري في الحديدة من أهم عوامل تحرير محافظة تعز لان السيطرة على المحافظة تعني عسكريا انهيار خط الإمداد الرئيسي للمليشيات الحوثية القادم لها من جهة الحديدة وكذا انهيار عناصرها على الخط الرابط مع محافظه تعز ومن ثم تحرير الخط الغربي بالكامل وهو الشريان الرئيسي لمحافظة تعز».
وأرجع الحاج أسباب تراجع العقيدة القتالية لدى ميليشيا الحوثي إلى عدة أسباب، أبرزها في نظره، مقتل العديد من القيادات الحوثية المؤثرة، وإدارتهم الرديئة لشؤون البلاد وإيصال المناطق التي تحت سيطرتهم إلى الفقر المدقع، بينما يتمتع أتباع الجماعة بالثراء السريع ويحظون بميزات عالية وكذا عدم تفاعل الكثير من الدول المؤثرة مع الحوثيين، مثلما كانت سابقا، ربما لتغير في بعض المواقف الدولية وتحرك التحالف العربي، بالإضافة إلى القوة الضاربة المتقدمة صوب مدينة الحديدة وخصوصا طيران التحالف العربي الذي كثف غاراته لتشكيل غطاء جوي للقوات العسكرية على الأرض.
وذكر الكاتب الصحافي والمحلل السياسي ياسين التميمي لـ»القدس العربي» ان «معركة الحديدة هي مؤشر على التحول الاستراتيجي للحرب في اليمن والذي وضع الرياض وأبو ظبي تحت رحمة الصواريخ التي يطلقها الحوثيون من الأراضي اليمنية».
وأضاف أن هذه المعركة أيضا «تشير إلى التعقيدات الإقليمية والدولية لهذه الحرب بعد أن رسخت إيران نفوذها في اليمن وباتت تخوض حربا بالوكالة ضد السعودية».
وأوضح التميمي أنه «ليس من بين أولويات معركة الحديدة تمكين السلطة الشرعية في اليمن أو خوض معركة حقيقية لحساب السلطة الشرعية التي خرجت للتو من معركة مع أبو ظبي حول السيادة الوطنية في اليمن».
وأكد أن الانفتاح على السلطة الشرعية مؤخرا من جانب التحالف العربي «استدعتها حاجة التحالف إلى غطاء وطني دستوري لمعركة الحديدة التي تهدف إلى منع تهريب الصواريخ وتكريس النفوذ الحربي لأبو ظبي في الموانئ والمياه الإقليمية اليمنية، بدليل ان المعركة بدأت ولم يكن في اليمن أي مسؤول حكومي له وزن».
وذكر أن الموقف الدولي يصعّب معركة الحديدة، لكن التحالف ماض في إنهاء هذه المعركة بأي ثمن «لكنه لا يخطط على ما يبدو لإنهاء النفوذ السياسي والعسكري للحوثيين في المدى القريب وان كان هدفا كهذا يبدو ملحا بالنسبة للمملكة العربية السعودية، التي استغرقت نحو ثلاث سنوات في تقييم حلفائها وإعطائها قبل أن تنحرف مع تيار أبو ظبي المعادي للإسلاميين ومعظمهم حلفاء للسعودية في ميادين القتال، الأمر الذي أغرق اليمن في حرب لا أفق لها ولا تتمتع بأي أهداف أخلاقية».
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها