العيد في تعز: وجع يحاصر النساء والثكالى...وحلمٌ يهجر الأطفال!
من صفيح ساخن إلى آخر مُذكّى، هكذا يتقلب أهالي مدينة تعز بين مآسيهم المتعاقبة. ففي الوقت الذي لم ينتهِ عنده المواطنون من دفع فاتورة متطلبات رمضان، داهمهم العيد، فوجدوا أنفسهم مطالبين بسداد قائمة عريضة بمتطلباته الباهضة. حالهم في هذا التداول المؤلم حال مدينتهم التي لا تكاد تخرج من نفق إلا وتنزلق في آخر أكثر قتامة، منذ ثلاث سنوات من الحرب قابلة للزيادة، إذ لا شيء يقول بإنها ستقف عند أربع فقط.
العيد ذكرى تفطر القلب
الأرملة صفية المعمري، تقول في حديثها لـ«العربي»، إن «العيد صار بالنسبة لها ولأسرتها ذكرى لتقليب المواجع وتمزيق القلب»، وذلك لأنها «لم تعد قادرة على كسوة بناتها الثلاث ولبنها الوحيد، خاصة أنها لم تقبض مرتب زوجها المتوفي بشكل مستمر، ناهيك عن تسلمها لجزء منه فقط في حال حصل وتم صرفه».
وتضيف الأم بلهجة انكسار: «مش سهل على الأم أنها ترى أطفال وبنات الجيران بالعيد يمشوا ويلعبوا بالشارع وهم بملابس جديدة وأبناءها جالسين داخل البيت، مستحيين يخرجوا أو يسلموا على أصحابهم، بسبب أنهم بغير كسوة ولا حتى مصاريف»، وتفصح عن ان «رؤيتهم على تلك الحالة عادة تدخلها في حالة من البكاء والتأنيب الذاتي»، لكنها تؤكد أن «أكثر شيء يتسبب لها بوافر من الألم هو تظاهر أبناؤها باللامبالة، محاولين بذلك التخفيف عن حزنها تجاههم».
الغلاء عزاء الفقراء
ربات المنازل غير القادرات على توفير ملابس لأطفالهن بسبب الفاقة ربما، وجدن قليلاً من المواساة في ارتفاع أسعار الملابس في هذا العام، ذلك ليس لسوء في قرارتهن، بل لأنهن يضمن من وراء ذلك مبررا أمام أطفالهن المعجونين بالألم. فيما تقف الأسر الأخرى والأفضل وضعاً موقف الحائر أمام ارتفاع أسعار الملابس هذه السنة في تعز، فهم اعتادوا سابقا عدم حرمان أطفالهم من فرحة العيد وإن بدرجة متواضعة، بينما في وضع متأزم كهذا العام، غدا حالهم كحال المعدمين، لا يشعرون تجاه العيد سوى بالوجع.
محاولات يائسة لرسم الفرحة
ويشكوا الموطنون في مدينة تعز من ارتفاع أسعار المشتريات هذا العام إلى حد عجزهم عن الشراء، إذ لا يقل سعر «البدلة» الواحدة والرديئة النوع عن ثمانية آلاف ريال، وهو مبلغ جنوني مقابل ما يعيشه السكان من حرب وحصار وبطالة وانقطاع المرتبات.
فاطمة محمد، إحدى المتسوقات، بلغة ممزوجة بين السخط والخذلان، تقول في حديثها، لـ«العربي»، إنها «عاجزة كل العجز عن شراء ملابس لأطفالها»، وتضيف، «خرجت هذا المساء مع أطفالي لكسائهم لكنني عدت بهم من السوق وهم يبكون»، وتتابع «الأسعار هذا العام مرتفعة بشكل جنوني أقل سعر لملابس طفل واحد هو ثمانية ألف ريال، وانا لدي خمسة أطفال، ولا أستطيع دفع هذا المبلغ»، وتذرف فاطمة الدموع على واقعها الذي جعلها عاجزاً عن رسم الفرحة على وجه أطفالها، وهي تردد، «أغلقت علينا أبواب السماء والأرض».
أطفال تعز: العيد أن تتوقف الحرب
فرحة العيد هذا العام لم تزر أطفال تعز، فالحرب سلبتهم كل شيء جميل، وعيدهم هو أن تتوقف الحرب.
الطفلة ملاك عبد الجليل الشميري، تقول رداً على سؤال وجهه لها مراسل «العربي» عن شعورها بالعيد والفرحة هذا العام، إن «فرحة العيد هذا العام تبدو غائبة، فأي فرحة لا توجد فيها صديقتَيَّ منى وسارة، اللتين قصفهما طيران التحالف، في منزلهما المجاور لنا، بالقرب من مدرسة المنار، ليست بفرحة».
وتضيف: «نحن في كل عيد كنا نلبس الملابس الجديدة ونخرج إلى الشارع ونلعب معا، لكن هذا العام مع من سألعب»، وبلغة امرأة قد خبرت الحياة وتعلمت من دروسها الكثير، لا طفلة ذات الأعوام الأحد عشر، تؤكد أن «العيد والفرحة الحقيقية لنا كأطفال تعز يتمثل بأن تتوقف الحرب»، مشيرة إلى أنه «ولو توقفت الحرب فلن تستطيع أن تعيد لي صديقاتي».
الإستيراد و«التحالف» حرب أخرى
ويشكو مستوردوا وتجار الملابس في تعز، من تأخر بضائعهم بسبب تعسفات «التحالف» ولجوئهم مؤخراً إلى الشحن عبر ميناء دبي، ما يضطرهم إلى دفع مبالغ باهظة للجمارك هناك، ومن ثم يتم نقل بضائعهم عبر البر وهو يكلفهم وقت وثمن إضافي.
صلاح مرشد، صاحب محل لبيع الملابس يقول في حديثه لـ«العربي»، إن «ارتفاع أسعار الملابس لهذا العام زادت بنسبة 70% بالنسبة للأعوام السابقة من عمر الحرب، التي دخلت عامها الرابع في تعز»، ويؤكد أن «هناك أسباب عدة أدت إلى إرتفاع الأسعار، منها، ارتفاع سعر صرف الدولار وانعدامه في السوق المحلية، وتكاليف الجمارك الباهظة، بالإضافة إلى الضرائب والإتاوات غير القانونية، والتي تمارس ضد مختلف التُجار بمن فيهم تجار الملابس، في المدينة».
وأفاد مرشد، بأنه «يقوم بجلب الملابس من الصين وغيرها من الدول الأوربية عن طريق ميناء دبي، بعد التعسفات التي طالته في ميناء عدن من قبل قوات التحالف والتي تتسبب بتأخير البضاعة في الميناء لعدة أشهر»، مشيراً إلى أنه «اضطر مؤخراً إلى الشحن عبر ميناء دبي، ومن ثم يقوم بنقل بضاعته عبر البر من دبي إلى عمان ومنها إلى اليمن وهو ما يكلفه وقت وثمن إضافي غير الأعوام السابقة».
ولفت إلى أن «هناك متهبشين من أبناء المدينة وبقوة السلاح يأتون إلى المحل ويضطر لإسكاتهم بالمال خوفاً على حياته وعلى محله من النهب والسطو المسلح، في ظل الإنفلات الأمني الذي تشهده المدينة».
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها