جنوب اليمن.. اتهام التحالف "بالاحتلال" يعمق شقاق الانفصاليين
يعيش جنوب اليمن حالة غليان سياسي غير مسبوقة بعد وصف مجلس الحراك الثوري -أحد أقوى الفصائل الجنوبية- سيطرة الإمارات والسعودية "بالاحتلال"، ومطالبته دول التحالف بسحب قواتها من جنوب اليمن، والتفاوض معه كممثل للجنوب.
فقد ازداد المشهد الجنوبي تعقيدا بإعلان مجلس الحراك الثوري الذي يترأسه القيادي حسن باعوم؛ عن مواقف مثيرة مثلت مفاجأة كبيرة للأطراف المتصارعة في جنوب اليمن، والمتمثلة في الشرعية اليمنية والتحالف العربي والموالين لهم من أتباع المجلس الانتقالي.
ويبدو أن الانفلات والمخاوف من خروج الأوضاع عن السيطرة هما التهديدان الأخطر في المحافظات الجنوبية، فبعد عامين ونصف على إخراج الحوثيين من مناطق الجنوب، لا تزال المدن الخاضعة للحكومة الشرعية تتنازع فصائلُ مختلفة أحقيتها في قيادة هذا الشطر من الأراضي اليمنية نحو الانفصال، وتعتبر خصومها السياسيين محتلين.
دول احتلال
وجاء إعلان مجلس الحراك الثوري عقب مؤتمر عقده في عدن، ضم نحو ستمئة مندوب من كافة محافظات الجنوب، وصدر عنه بيان شديد اللهجة وصف سيطرة الإمارات والسعودية "بالاحتلال"، مطالباً دول التحالف بسحب قواتها من جنوب اليمن، والتفاوض معه كممثل للجنوب.
ودعا المجلس إلى احترام حق الشعب وسيادته ووقف الحرب، مؤكدا حقه في التعامل مع "الاحتلال بكافة الطرق والوسائل المشروعة، في الزمان والمكان المناسبين وفقا للمصالح الوطنية". وحمل من أسماها "دول الاحتلال" تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في جنوب اليمن.
ويعتبر أن التطور الأول من نوعه لفصيل بارز في "الحراك الجنوبي"، يعارض حرب التحالف الذي تقوده السعودية، ويقف في مواجهة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه أبو ظبي وتقدمه بصفته الممثل الشرعي والوحيد للجنوب، للمطالبة بالاستقلال والانفصال.
ولا تزال أصداء وتداعيات المؤتمر تتصدر المشهد السياسي، حيث تشهد مواقع التواصل الاجتماعي تراشقا إعلاميا حادا بين أنصار الحراك الجنوبي الموالين لزعيم الحركة الانفصالية حسن باعوم، وبين ناشطين تابعين للمجلس الانتقالي الجنوبي -المدعوم إماراتيا- بقيادة محافظ عدن المقال عيدروس الزُبيدي.
ويرى رئيس مؤسسة "خليج عدن" للإعلام خالد الشوذري أن مطالبة حراك باعوم السعودية والإمارات بسحب قواتهما من جنوب اليمن؛ تعد أحد تجليات تدويل القضية الجنوبية، وإقحامها في التجاذبات الإقليمية التي حولت جنوب اليمن إلى ساحة صراع في ظل الاستقطاب.
وقال الشوذري للجزيرة نت إن "تشكيل المجلس الانتقالي الذي يتبنى مواقف الإمارات من خصومها وإقصاء باقي الأطراف الجنوبية، ضاعف من حالة التشظي التي تعاني منها القوى الجنوبية، واستدعى تواجد آخرين من داخل الحراك يتبنون خطابا مضادا".
وينقسم الحراك الجنوبي إلى عدة فصائل بعد استقطاب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عددا من قياداته ضمن الحكومة الشرعية، أبرزها المجلس الانتقالي وحراك باعوم الذي يعد أحد أبرز قادة وزعماء جنوب اليمن.
مشاريع إقليمية
ورغم اتفاق مراقبين للوضع اليمني على أن مؤتمر الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال نجح في خلط أوراق حلفاء الإمارات في جنوب اليمن، فإنهم اختلفوا بشأن مدى قدرته على تغيير معادلة الصراع مع "المجلس الانتقالي".
فيرى الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي أن هذه التطورات ملامح خارطة تحالفات جديدة ذات طابع إقليمي، "فالتحالف العربي سيواجه صعوبة كبيرة في المضي قدما لترتيب الوضع في المحافظات الجنوبية بالأريحية التي ميزت أداءه خلال المرحلة الماضية".
ويضيف التميمي في حديث للجزيرة نت أن هذه التطورات مؤشر على أن المشاريع الإقليمية المنافسة أصبح لديها الأدوات الكافية لمضايقة التحالف، وبالأخص الإمارات ومواجهة مشروعها لتفكيك اليمن.
وعن موازين القوى في معادلة الصراع بين الطرفين، يرى أن "مؤتمر باعوم نجح في خطف الأضواء من الانتقالي وبدد أوهام الإجماع الجنوبي حول المشروع السياسي الانتقالي المدعوم من الإمارات". لكن المجلس الانتقالي ما زال لديه وحدات مقاتلة يمكن أن تحسم أي مواجهة مقبلة على النفوذ.
توظيف إيراني
وفي ذات السياق، قلل الباحث المتخصص في القضية الجنوبية عبد الناصر المودع من ثقل مؤتمر الحراك في عدن حاليا، بعد أن تمكنت أطراف أخرى تمتلك قوات عسكرية ودعما خارجيا من دول التحالف -وتحديدا الإمارات- من تصدر المشهد في الجنوب.
ويقول المودع في حديث للجزيرة نت إن "تيار باعوم يدور الآن في الفلك الإيراني، وعلى هذا الأساس جاءت تصريحاته الأخيرة متناغمة مع الحوثيين فيما يتعلق بنظرتهم لدول التحالف، وإن كان في الظاهر يبدو بعيدا عن الحوثيين، وهو في ذلك ينسجم مع السياسة الإيرانية في اليمن".
ويوضح أن السياسية الإيرانية تقوم على مواجهة خصومها الخليجيين عبر أكثر من طرف ولاعب، حتى إن اختلفت أجندتها السياسية مع بعض الأطراف كما هو حال الانفصاليين الجنوبيين والحوثيين، فقد سبق لإيران أن دعمت الحراك الانفصالي بقيادة البيض وباعوم، وكان عيدروس الزبيدي ضمن هذا الفريق الذي كانت تدعمه إيران.
ويضيف المودع أن "الملاحظ هو خروج باعوم بهذا التصريح بعد فترة طويلة من الصمت، وعقد أنصاره اجتماعا لهم في عدن، مما يشير إلى أن هناك أطرافا داخلية وخارجية أرادت أن تستخدم باعوم في صراعها على النفوذ في الجنوب، وتصفية حساباتها مع أكثر من طرف".
المصدر : الجزيرة
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها