بلائحة إلكترونية.. الحوثيون يحاولون عزل اليمن عن العالم
بينما كان اليمن يسجل خطوات تصاعدية واثقة في الحريات الصحفية والإعلامية، على مستوى المنطقة العربية، منذ الوحدة في العام 1990، جاء الحوثيون ليفتحوا صفحة هي الأشد قتامة في تاريخ الحريات الصحفية اليمنية.
فمنذ الساعات الأولى لانقلاب الحوثيين المسلح على السلطة الشرعية بالتحالف مع الرئيس المخلوع صالح في (21 سبتمبر 2014)، باشروا أعمال القمع للحريات الصحفية، مبتدئين باقتحام قنوات تلفزيونية ومقار صحف، ومصادرة محطات إذاعية.
وعمدوا أيضاً إلى قتل صحفيين وتشريد آخرين، فكانت النتيجة تصنيفها من منظمة صحفيين بلا حدود بأنها ثاني جماعة في انتهاك الحريات الصحفية في العالم بعد تنظيم الدولة.
لم يأبه الحوثيون بذلك التصنيف، واستمروا في سلوكهم وانتهاكاتهم، فسيطروا على وسائل الإعلام الرسمية، ومكنوها لعناصر منهم، وكان الضحية نحو 1100 موظف متعاقد في قنوات اليمن وسبأ والإيمان وعدن، وصحف الثورة والجمهورية، جميعهم وجدوا أنفسهم مجبرين على الجلوس في بيوتهم بلا عمل وبلا مرتبات.
- صوت واحد
أصبحت المناطق الواقعة تحت سيطرة الانقلاب تسيطر عليها صورة وصوت ومحتوى بلون واحد، يمجد الانقلاب، وينشر فكر الخميني.
لم يتوقف الانقلابيون عند هذا الحدّ، فتوجهوا صوب الفضاء الرقمي، باعتقادهم أنهم قادرون على حجب الحقيقة؛ فحجبوا مئات المواقع المحلية والعربية والدولية، على غرار وكالة "رويترز" وهي المعروفة بنسبة كبيرة من الموضوعية.
ولأن أكثر المواقع الإلكترونية يبث من الخارج، ونسبة كبيرة من المستخدمين لجأت إلى برامج كسر الحجب، كانت الخطوة التالية هي قمع ما تبقى من مواقع، خاصة الموالية للمخلوع صالح، وإن كانت محسوبة عليهم كحلفاء للانقلاب.
- لائحة قمعية
بعد ثلاث سنوات من الانقلاب أصدر وزير الإعلام في حكومة الانقلاب، أحمد حامد، وهو المسؤول عن إدارة الماكينة الإعلامية لمليشيا الحوثي، لائحة لتنظيم الإعلام الإلكتروني نشرتها صحيفة الثورة الرسمية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
أبرز ما تضمنته اللائحة، التي صدرت قبل منتصف أكتوبر الحالي، هو منع ممارسة أي نشاط في مجال الصحافة الإلكترونية، إلا بعد الحصول على ترخيص من وزارة الإعلام (الواقعة تحت سيطرة الحوثيين)، وتعهد الصحفيين الالتزام بالقوانين واللوائح والأنظمة والتعليمات من قبل الوزارة، وعلى وجه الخصوص في أوقات الأزمات والحروب.
ونصت أيضاً على ربط المواقع الإلكترونية الإخبارية بالاتصالات؛ كنوع من الرقابة على النشر، بالإضافة إلى التنسيق مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والجهات ذات العلاقة الأخرى.
- رفض نقابي
نبيل الأسيدي، عضو الهيئة التنفيذية لنقابة الصحفيين اليمنيين، علق على اللائحة الحوثية بقوله: "نحن في نقابة الصحفيين نرفض رفضاً قاطعاً الانتهاكات أو هذه اللائحة، ونعتبرها غير قانونية؛ لأنها صدرت عن مليشيا، وما يصدر عن مليشيا ليس له أي أساس قانوني، وما بني على باطل فهو باطل".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" أكد الأسيدي أن نقابة الصحفيين تعتبر هذه اللائحة مرحلة خطيرة جداً تمهد للانتهاكات التي ستحصل للصحفيين خلال المرحلة المقبلة.
وأضاف: "نحن نشعر أن هناك مرحلة جديدة من الانتهاكات ستمارسها تلك المليشيا، من خلال استخدام هذه اللائحة في قمع الصحافة والصحفيين".
وتابع: "نحن في نقابة الصحفيين نحذر المليشيا وسلطة الأمر الواقع من استخدام هذه اللائحة في قمع ما تبقى من الحريات الصحفية، أو في الانتهاكات الجديدة التي تخطط لتنفيذها من خلال هذه اللائحة المشوهة، التي لا تمت بصلة للقانون أو الأخلاق أو الحريات الصحفية".
- عزل اليمن
من جانبه اتهم الصحفي عبد الولي المذابي، في منشور له بموقع "فيسبوك"، الوزير الحوثي أحمد حامد بأنه يسعى لعزل اليمن عن العالم من خلال هذه اللائحة، التي مررها كي يتسنى له قمع الصحافة الإلكترونية بحسب قوله.
المذابي الذي يعد من الصحفيين المقربين من الرئيس المخلوع صالح، قال إن جهل الوزير حامد بالعمل الإعلامي جعله يعتقد أن قمع الصحافة الإلكترونية ما زال ممكناً في ظل التطور التكنولوجي، والانفتاح الواسع في مجال الإعلام.
وأوضح المذابي -ساخراً- أن الوزير الحوثي استطاع أن يقلص عدد الصحف الورقية، حتى باتت محصورة في صحيفتين يوميتين بدلاً ن سبع، و3 صحف أسبوعية بدلاً من 40 صحيفة، وانتقل فوراً إلى القنوات التلفزيونية الخاصة ليقلصها إلى قناة واحدة في الداخل بدلاً من 12 قناة، وبسط سيطرته على القنوات الحكومية لتصبح معبرة عن طرف سياسي، وهي في طريقها الآن للتحول إلى قنوات متطرفة إن صح التعبير.
- فضيحة قانونية
وشدد المذابي على أن هذه اللائحة "فضيحة قانونية من العيار الثقيل"، مشيراً إلى أنها تمثل إعلاناً لحالة الطوارئ بصورة غير مباشرة؛ لكونها تمنح كل صلاحيات الضبط القضائي والإجراءات العقابية لتقدير الوزير وبحسب مزاجه.
توقعات المذابي، وهو أحد صحفيي الانقلاب، لم تذهب سدى؛ فالحوثيون لم يكتفوا بملاحقة الصحفيين بل وصلوا إلى مرحلة إغلاق مقاهي الإنترنت، ومراقبة المستخدمين وملاحقتهم.
وعمد الحوثيون إلى إغلاق عدد من مقاهي الإنترنت في محافظة ذمار، مطلع الأسبوع الحالي، واعتقلوا 13 من ملاّكها؛ بتهمة السماح لمدونين بكتابة مواد معارضة للمليشيا في صفحاتهم بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وفقاً لمصادر إعلامية.
من جانبها وثقت نقابة الصحافيين اليمنيين 38 حالة انتهاك خلال الربع الثالث من عام 2017، وأكدت أن الحريات الصحافية في البلاد لا تزال في وضع حرج، مع استمرار حالة العنف والعدائية إزاء الصحافة والصحافيين.
- جيش إلكتروني
ورصد تقرير النقابة 11 حالة اختطاف واعتقال، في حين لا يزال 16 صحافياً مختطفاً بينهم 15 صحافياً لدى الحوثيين، يعيشون أوضاعاً قاسية في سجون الحوثيين في صنعاء، ويحرمون من حقهم في التطبيب والرعاية الصحية، وصحفي مختطف لدى تنظيم "القاعدة" في حضرموت، بالإضافة إلى 10 حالات تهديد بالتصفية والأذى والتحريض، و8 حالات اعتداء.
وفي الوقت الذي تقمع فيه كل صوت مخالف أو حتى لا يؤمن بنهجها، تجيّش مليشيا الحوثي فرقاً إلكترونية، تشمل مهامها، وفقاً لمصدر خاص تحدث لـ"لخليج أونلاين"، الرصد لما ينشر في المواقع الإخبارية والشبكات الاجتماعية، وتنفيذ الحملات الإعلامية الإلكترونية بحسب مقتضيات المرحلة، ومهاجمة خصوم المليشيا.
المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أكد أنه يتم توفير الأجهزة وخطوط الإنترنت لهم من قبل المليشيا، سواء من يعمل في نقاط تجمع معينة أو من يعمل بطريقة شخصية، وتصرف لهم مكافأة شهرية بمتوسط 50 ألف ريال يمني (نحو 150 دولاراً أمريكياً)، بالإضافة إلى غالونات من البنزين ومواد تموينية.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها