قرار تعويم الريال.. مزيداً من الأزمات الاقتصادية وشرعنة للسوق الموازية
لا تمتلك العملة الوطنية في اليمن أية قدرات على الحد من التدهور والهبوط الذي تعيشه، وفي الوقت الذي يرى خبراء الاقتصاد أن "الريال اليمني" يعيش وضعاً كارثياً جاء قرار محافظ البنك المركزي اليمني منصر القيعطي بتعويم الريال مقابل الدولار أي خضوعه لأسعار السوق وإلغاء التعامل بسعر الصرف الثابت الذي حدده البنك المركزي سابقاً بـ250 ريال للدولار الواحد.
ويؤكد خبراء الاقتصاد في حديثهم لـ"التنمية بلا حدود" أن العملة الوطنية بحاجة ماسة إلى الحد من التحديات التي تهددها بدلاً من إخضاعها لسياسة التعويم، من خلال التوصل إلى حل سياسي وتنشيط منابع النقد الأجنبي، والعمل مع المؤسسات المالية الدولية على رفد خزينة البنك المركزي بودائع ومنح بالنقد الأجنبي لوقف نزيف العملة الوطنية.
مزيداً من الأزمات الاقتصادية
تحرير سعر صرف العملة الوطنية وفقاً لآليات العرض والطلب يحمل مزيداً من التحديات والأزمات الاقتصادية التي تهدد المواطن وفقاً لما يقوله المواطنين، حيث يرى المواطن عبد الله حسين أن السوق اليمنية مرتبطة بالدولار، وفي حال ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الريال اليمني فإن الأسعار ترتفع بشكل كبير، ويشير حسين في حديثه لـ"التنمية بلا حدود" إلى أن المواد الغذائية باتت مقلقة للغاية، خاصة أنها تشهد ارتفاعات سعرية مستمرة يقابل ذلك غياباً للدخل القائم على المرتبات الشهرية لموظفي الدولة، في حين أن هناك من لا يملكون مصادر للدخل خاصة في ظل الحرب وغياب فرص العمل.
من جانبه المواطن عبد الرحمن سعيد، يقول لـ"التنمية بلا حدود" إن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطن اليمني أصبحت متردية بسبب غياب الدخل وفرص العمل، إضافة إلى ما يشهده البلد من حروب وأزمات سياسية واقتصادية وارتفاع في الأسعار، وكذلك تدهور وهبوط العملة المحلية وارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية خاصة الدولار الذي ترتكز عليه عملية الاستيراد وبالأخص المواد الغذائية الأساسية.
المواطن سيجني الآثار السلبية
بدورها الباحثة الاقتصادية ندى عبدالملك ترى أن تعويم الريال أمام العملات الأجنبية سيزيد من تردي وتدهور قيمة العملة الوطنية، وتشير في حديثها لـ"التنمية بلا حدود" إلى أن هناك آثاراً اقتصادية سلبية ستترتب على قرار التعويم، وسيكون المواطن عرضة لهذه الآثار، خاصة أن ذلك سيسهم في زيادة التضخم، وسيواجه المواطن حالة عدم قدرته على تأمين الغذاء، فاليمن تستورد ما نسبته 95% من احتياجاته من الخارج بما فيها السلع الغذائية الأساسية.
انعدام الأمن الغذائي
حالات الفقر والجوع تتزايد يوماً تلو الآخر حسب ما تقوله الباحثة الاقتصادية ندى عبدالملك لـ"التنمية بلا حدود"، ووفقاً للبيانات الرسمية التي حصلت عليها "التنمية بلا حدود" فإن حوالي 14 مليون نسمة يعانون انعدام الأمن الغذائي، من بينهم 7 ملايين نسمة يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهذا ما يؤكد على ما تقوله الباحثة ندى عبدالملك، التي تطالب الحكومة الشرعية بضرورة دراسة الآثار السلبية المترتبة على قرار التعويم قبل البدء بتنفيذه.
قرار المركزي بتعويم العملة يشرعن للسوق الموازية
تؤكد الباحثة الاقتصادية ندى عبدالملك لـ"التنمية بلا حدود" أن قرار البنك المركزي اليمني الرامي إلى تعويم العملة يعني التخلي عن السعر الرسمي الذي حدده البنك سابقاً بـ 250 ريالاً للدولار الواحد، والخضوع للعرض والطلب، الأمر الذي سيتيح للسوق الموازية التحكم في أسعار الصرف كون هذا القرار أشبه بشرعنة لصالح السوق الموازية التي ستصبح اللاعب الأبرز في تحديد سعر الصرف للعملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.
من جانبها الباحثة الاقتصادية نجيبة الغابري تؤكد لـ"التنمية بلا حدود" أن هذا القرار يشرعن للسوق الموازية في التحكم بسعر الصرف، وتضيف: "هذا بالتأكيد ما سيحصل إذا تم التعويم بشكل كامل خاصة أن من بحوزتهم الكتلة الأكبر من العملات الأجنبية هم فئة قليلة بيدها السلطة والقوة وذلك في ظل تآكل احتياطيات البنك المركزي وفي ظل الظروف الحالية التي من أبرز صفاتها غياب السلطات القانونية".
التعويم سينعكس سلباً على التعاملات الرسمية
بدوره رئيس مركز الإعلام والدراسات الاقتصادية مصطفى نصر ينتقد قرار التعويم الصادر عن البنك المركزي اليمني، ويضيف: "من الواضح أن للقرار انعكاسات سلبية على كل التعاملات الرسمية التي كانت تعتمد السعر الرسمي ومنها الجمارك، حيث سترتفع الجمارك فعلياً بنسبة 45% وبالتالي ستنعكس تلك الزيادات على أسعار السلع المستوردة".
البنوك تتعامل مع السوق السوداء والتعويم لا يهددها
وفيما يخص البنوك المحلية وتأثرها بقرار التعويم يؤكد مصطفى نصر أن القرار لن يؤثر كثيراً على البنوك لأنها عملياً تتعامل بسعر السوق السوداء، وهو خاضع للعرض والطلب باستثناء بنك اليمن الدولي الذي يستقبل معظم تحويلات المنظمات الدولية ويعتمد سعر الصرف الرسمي ليجني فوارق طائلة في ظل تواطئ من قبل تلك المنظمات -حسب قوله-.
التعويم سياسة فرضتها الإصلاحات
قرار التعويم ليس بالجديد فسياسة التعويم معمول بها منذ 1996 عندما دخل اليمن في برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي، وذلك سعيا لتصحيح الاختلالات الاقتصادية والمالية خلال تلك الفترة، وفي مقابل تطبيق هذه السياسة حصل اليمن على دعم كبير من قبل المانحين الدوليين عموماً والبنك والصندوق الدوليين خصوصاً، حسب ما تقوله الباحثة الاقتصادية نجيبة الغابري لـ"التنمية بلا حدود".
وتشير الغابري إلى أن البنك المركزي لم يتبع سياسة التثبيت، بل يتبع سياسة التعويم المدار بحيث يترك سعره يتحدد وفقا للعرض والطلب مع التدخل حالما اقتضت الحاجة لذلك، وعند التدهور غير المبرر لسعر الصرف، وفي هذا الإطار ونتيجة للأوضاع السياسة وما نتج عنها من أوضاع اقتصادية متردية خلال عام 2011 قام البنك المركزي باتخاذ سعر رسمي لتقييم المعاملات الحكومية والرسمية واستخدم هذا السعر لتغطية اعتماد استيراد السلع الأساسية (قمح- أرز- سكر) وذلك للحد من الارتفاع المستمر لهذه السلع بحيث كان السعر الرسمي 214 ريال للدولار فيما وصل سعره في السوق الى 255، وعندما استقرت الأوضاع خلال الفترة اللاحقة واستقر سعر الصرف بحيث كان سعر الصرف في السوق هو نفسه سعر صرف البنك توقف البنك عن استخدام سعر صرف رسمي ثابت وكان السعر الرسمي هو سعر السوق، ونتيجة للحروب الداخلية والخارجية في اليمن خلال 2015 وما تبعها من توقف المساعدات والقروض الخارجية وكذا توقف عائدات التصدير نتج عن ذلك تدهور كبير في سعر الصرف في السوق عاد البنك ليستخدم سعر ثابت لتقييم المعاملات الرسمية تم تغييره اواخر مارس 2016 ليسجل 250 ريال للدولار مقابل 214.89 خلال الفترة السابقة . ليضل هذا السعر هو السعر الرسمي رغم نقل المركز الرئيسي للبنك المركزي إلى عدن حتى 14 اغسطس حينما وجه محافظ البنك المركزي في عدن خطاباً لمدراء عموم البنوك التجارية والإسلامية العاملة في اليمن، أكد فيها إلغاء التعامل بسعر الصرف الرسمي المحدد بـ 250 ريالاً يمنياً للدولار الأمريكي، وتحرير سعر صرف الريال اليمني، وتحديد سعر العملة وفقاً لآليات العرض والطلب.
الآثار الاقتصادية المترتبة على قرار تعويم سعر الصرف
تقول الباحثة الاقتصادية نجيبة الغابري لـ"التنمية بلا حدود": "لا يغيب عن تحليلنا مدى التزام مركزي صنعاء بتطبيق هذا القرار من عدمه وهذا يستدعي التحليل كل وضعية على حده، وهنا نتغاضى عن هذه الوضعية ونركز فقط على الآثار عموماً وباختصار شديد".
الآثار السلبية
لهذا القرار أثاراً سلبية تتلخص في جملة من النقاط التي أبرزها:
- أن سعر الصرف الرسمي مؤشر للسعر حالما استقرت الأوضاع اي انه مهما حدث من تدهور للعملة فإنها ستعود للسعر الرسمي المسجل ، اما في حالة التعويم الحر فان سقف التدهور مفتوح و في اعتقادي سلبية القرار راجع لخصوصية المرحلة الحالية وتأثير هذا الإعلان على توقعات سوق سعر الصرف وما سينتج عنه من انخفاض مستمر في سعر الصرف ما يقابله من ارتفاع مستمر في أسعار السلع والخدمات (تضخم حاد) ما سيعني مزيد من معاناة الشعب وتدهور وضعه المعيشي.
- تعرض القطاع المصرفي للمزيد من الخسائر(عائدات فوائد استثماراتها بالعملة المحلية سواء كانت أذون خزانة أو ائتمان مصرفي للقطاع الخاص ستصبح قيمتها الحقيقية أقل من فوارق تدهور سعر الصرف) أي ستكون سعر الفائدة الحقيقة سالبة وهذا في ظل عدم وجود خيارات أوسع للبنوك للاستثمار.
- هذا القرار سيؤدي إلى تضرر المراكز المالية للبنوك -والتي هي في الأصل تعاني يشكل كبير- خاصة إذا ما أعيد تقييم المراكز المالية وفقا للسعر الجديد.
- تسجيل عبء إضافي على الحكومة، حيث ستقوم البنوك بسحب أموالها من أذون الخزانة لاستخدامها في المضاربة على العملات الأجنبية وتحقيق أرباحاً عالية ما سيجعل الحكومة في ورطة توفير أموال أذون الخزانة المسحوبة وهذا في ظل عجز السيولة الحاد.
- مزيد من الأعباء على من يستخدم السعر الرسمي لتسديد التزاماتهم مثل طلاب الجامعات ودافعي الجمارك.
الآثار الإيجابية
- إيقاف الارتزاق غير المشروع من فوارق سعر الصرف والذي استخدمته بعض البنوك والجهات الرسمية وغير الرسمية على حساب المستهدفين من المساعدات الخيرية.
- زيادة الإيرادات الحكومية النقدية الاسمية.
ما يجب على البنك المركزي القيام به
هناك متطلبات يتوجب على البنك المركزي اليمني القيام بها لتفادي تبعات قرار تعويم العملة، حيث تطالبه الباحثة الاقتصادية نجيبة الغابري بالسعي الجاد في الحصول على إيرادات بالعملة الأجنبية (قروض- مساعدات-عائدات تصدير) ومن ثم ضخها في السوق وذلك لموازنة عرض العملة مع الطلب عليها للحد من التدهور المستمر في قيمة العملة المحلية.
كما يتوجب عليه اقناع المؤسسات والمنظمات والجمعيات الخيرية الاجتماعية لضخ مساعداتها إلى البنك المركزي على أن يقوم المركزي بدفعها لمستحقيها بالعملة المحلية بسعر السوق مع تعيين هيئة مراقبة مستقلة لمراقبة عملية الصرف بدلاً من توريد هذه المساعدات لبنك تجاري بعينه، وذلك لرفع احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها