إحياء النزعات الجنوبية.. مهمة جديدة للإمارات تحت غطاء المجلس الانتقالي (تقرير)
لم تكتف دولة الإمارات بإنشاء قوات عسكرية وأمنية موازية لمؤسسات السلطة الشرعية، بل تعدت ذلك إلى دعم شخصيات تنتمي لنطاق جغرافي معين من المحافظات الجنوبية، في خطوة يراها مراقبون بأنها تستهدف النسيج الاجتماعي، وتسعى لإعادة خلق صراعات الماضي، في إشارة للحرب الأهلية التي شهدها جنوب اليمن في ثمانينيات القرن الماضي.
وكان لقاء قائد القوات الإماراتية بشخصيات اجتماعية ومشائخ ينتمون لمحافظة الضالع ومنطقتي ردفان ويافع التابعتين لمحافظة لحج، في معسكر القوات الإماراتية بمديرية البريقة غرب العاصمة المؤقتة عدن، آخر تلك الخطوات، والتي لاقت استهجانا واسعا في أوساط الشارع الجنوبي، كونها تكرس التقسيم المناطقي بين المحافظات الجنوبية.
وجاء اللقاء مع القبائل، والذي حضره مسؤولون حكوميون معروفون بمواقفهم المؤيدة للمجلس الانتقالي، بينهم اثنان من أعضاء المجلس، هما محافظ الضالع فضل الجعدي، ومحافظ لحج ناصر الخبجي، إلى جانب مدير أمن عدن شلال شائع، ولحج صالح السيد، لإظهار مدى التأييد الشعبي لدولة الإمارات، وللمجلس الانتقالي الذي تدعمه.
يذكر أن قيادات وأفراد قوات الحزام الأمني، وهي الذراع الأمني والعسكري لدولة الإمارات في العاصمة المؤقتة عدن ومحافظتي لحج وأبين المجاورتين، جلهم من مناطق يافع وردفان، بينما ينتمي منتسبو القوات التابعة لإدارة أمن عدن لمحافظة الضالع، وهي المحافظة ذاتها التي ينتمي لها مدير الأمن شلال شائع، حيث يتجاوز قوام أفراده الستة آلاف جندي.
وبالمقابل تتحدث مصادر حقوقية عن حيازة محافظتي عدن وأبين للنسبة الأعلى في كشوفات المعتقلين والمخفيين قسرا لدى السجون السرية المتواجدة في العاصمة المؤقتة عدن، إلى جانب أجزاء من محافظة لحج وهي مديريات الحوطة، وتبن، والصبيحة، وهو ما يكشف بأن الانتهاكات التي تتم من قبل القوات المدعومة من دولة الإمارات، تتم بناء على أسسٍ مناطقية.
تقسيم الجنوب
ويرى المحلل السياسي والقيادي في الحراك الجنوبي صالح الجبواني، بأن اللقاء يأتي في إطار النهج الإماراتي لتقسيم الجنوب على أسس مناطقية وقبلية ليسهل استعماره وقضمه.
وأضاف -في حديثه لـ"الموقع بوست"- "الإمارات بكل ما تعمله في الجنوب يوضح وبجلاء أنها تقود الجنوب واليمن ككل إلى التفتيت، فلكل منطقة جيشها الخاص، ولكل قبيلة جيشها الخاص أكانت أحزمة أمنية أو نخب إلى غيرها من الأسماء المستحدثة".
ويعتبر الجبواني أن هذا التفتيت هدفه تسهيل الابتلاع الذي سيتم على مراحل، فأولاً الموانئ، ثم الجزر، ثم تأتي المناطق.
وأشار إلى وجود فئة تنتمي لمناطق يافع، والضالع، وردفان، يعيشون وهم استعادة الدولة القديمة في الجنوب التي كانوا يحكمونها ويتحكمون بها، ولذلك فهم الأكثر ترحيباً بالإمارات والأكثر خدمة لها، وسيكونون رأس حربة بيد الإمارات ضد الطرف الجنوبي الآخر الرافض للتدخل الإماراتي، متوقعا بأن ما تنتهجه دولة الإمارات في محافظات الجنوب قد يقود إلى احتراب أهلي.
ماراثون الاستقطاب
من جهته يقول الصحفي إبراهيم ناجي إن استدعاء تلك الشخصيات يأتي في ظل الاستقطابات الحاصلة بين الأطراف، ويعد ضربة استباقية من قبل الإماراتيين تحت مسمى المجلس الانتقالي، وقطع الطريق أمام الطرف الآخر، ممثلا بالأحزاب وقوى الحراك المدعومة من الشرعية والتي بدأت تجد لها موطئ قدم في مناطق الضالع، ويافع، وردفان، والتي كان ينظر إليها بأنها مغلقة أمام جميع القوى باستثناء المجلس الانتقالي فقط.
ويضيف -في حديثه لـ"الموقع بوست"- بأن استثناء قبائل الصبيحة من اللقاء، بالرغم من كونهم يقعون ضمن نطاق محافظة لحج، جاء بناءً على قراءة المجلس الانتقالي ومن خلفه دولة الإمارات، بعدم وجود حاضنة شعبية لهم هناك.
ويفيد ابراهيم بأن تغلغل التيار المؤيد الشرعية في قبائل الصبيحة بقوة، وقف حجر عثرة أمام التطلعات الإماراتية، متوقعا بأن يتم استنساخ بعض الشخصيات مع قادم الأيام لإبراز وجودهم هناك ويتم استخدامهم في الفترة المقبلة.
وصاية إماراتية
أما الناشط السياسي مختار الجونة، فيصف اللقاء بالمتوقع، خصوصا وأنه جاء عقب أيام قليلة من تصريحات محافظ عدن عبدالعزيز المفلحي، والتي أعلن فيها رفضه لأي وصاية خارجية.
ويقول الجونة -في حديثه لـ"الموقع بوست"- إن انحصار اللقاء على مناطق جنوبية معينة دون غيرها، جاء موازياً للبرنامج الذي أقيم عليه ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي، حيث تم إقصاء عدة مناطق من بينها محافظة أبين ومنطقة الصبيحة، لأن من يقف خلف المجلس الانتقالي يعرف بأنه لا توجد لديهم أي تأييد شعبي في هذه المناطق، بعكس الوضع الحاصل في المناطق الجنوبية الثلاث يافع والضالع وردفان.
ليست قبائل الصبيحة وحدها من تم إقصاؤها من محافظة لحج، فأيضاً أبناء لحج أنفسهم في مديريتي الحوطة وتبن تم إقصاؤهم، يذكر الجونة.
ويشير إلى أن دولة الإمارات أصبحت ترى بأنها وصيةً على أبناء المحافظات الجنوبية، متناسيةً أنها مجرد شريك وعامل مساعد ضمن قوات التحالف العربي، مرجعا هذه الرؤية إلى حالة الإذعان التي أبداها القادة المنتمون للمناطق الجنوبية الثلاث تجاه توجهات الإمارات في المحافظات الجنوبية.
ويتحدث الجونة -في سياق حديثه لـ"الموقع بوست"- بأن الشارع الجنوبي بات أكثر وعياً بخصوص الدور الإماراتي، مشبهاً إياهُ بالكابوس الجاثم، بعدما تكشفت أهدافه والمعارضة تماماً لأهداف الشرعية التي جاءت لإسنادها ودعمها.
ويفيد بأن أبرز تجاوزات دولة الإمارات، تمثلت في تشكيل قوات عسكرية بناءً على أسس مناطقية، لم يرَ منها المواطنون سوى الانتهاكات والتصرفات الخارجة عن القانون والعرف القبلي.
ويقول بأن هناك صحوة بدأت تظهر في الآونة الأخيرة بين نشطاء جنوبيين ينتمون لما يعرف شعبيا بالمثلث (الضالع، ويافع، وردفان)، حيث بدأت أصواتهم تعلو في إعلان الرفض للأفكار المناطقية العنصرية التي بني عليها المجلس الانتقالي بدعم من دولة الإمارات، مؤكدا بأن دول التحالف العربي -وفي مقدمتها دولة الإمارات- ليسوا أوصياء على اليمن عموما والجنوب خصوصا، فالقرار النهائي في الأول والأخير هو للشعب وقيادته الشرعية مع الأخذ بشراكة الرأي مع قيادة التحالف إن لزم الأمر.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها