تحليل إخباري: هجوم الأكاديمية يكشف نذر صراع مفتوح على كل الاحتمالات
المخاوف من وجود أطراف سياسية تلعب بالورقة الأمنية في مساعيها إلى قلب الطاولة على الأطراف الدولية الراعية لاتفاق التسوية الخليجي برزت إلى الواجهة بقوة بعد عملية التفجير الانتحاري التي استهدفت نهار الأربعاء طلاباً من أكاديمية الشرطة بصنعاء وأدت إلى مقتل 10 منهم وإصابة 18 آخرين بجروح، وكشفت بالمقابل عن حالتي احتقان وانقسام لا سابق لهما بين قوى المعارضة وأذرع النظام السابق في الحكومة الانتقالية بشأن الجهات المنفذة للهجمات وأبعادها الأمنية والسياسية .
وإذ سارعت اللجنة الأمنية العليا في اتهام يمني قالت إنه عضو في التنظيم الأصولي بتنفيذ الهجوم، اتهمت المعارضة المنضوية في المجلس الوطني لقوى الثورة أجنحة في النظام السابق بتدبير وتنفيذ الهجمات تحت غطاء القاعدة .
ويقول محللون إن الهجوم على كلية الشرطة بصنعاء لم يحقق أي قيمة إيجابية للذراع اليمنية لتنظيم القاعدة، الذي اتهمته اللجنة الأمنية العليا رسمياً بتدبيره، عدا التداعيات السياسية والأمنية التي خلفها في مؤسسة الرئاسة والخطوط القيادية بوزارة الداخلية وجهازي المخابرات والأمن القومي التي تتصدر منذ أسابيع معادلة الحرب على خلايا التنظيم المنتشرة في العديد من المحافظات اليمنية، وخصوصاً بعد التجاذبات التي دفعت وزير الداخلية اللواء عبدالقادر قحطان الذي يمثل المعارضة في الحكومة الانتقالية، إلى التهديد بالاستقالة من منصبه احتجاجاً على تدخلات تحاول عرقلة المهمات الأمنية لوزارته، ومحاولات بعض الأطراف العبث بسير عمليات التحقيق في الهجمات الإرهابية الأخيرة .
ورغم اتهام اللجنة الأمنية العليا رسمياً “القاعدة” بتدبير هجوم الأربعاء، إلا أن هذا الاتهام لم يزل الغموض الذي اكتنف العملية، قدر ما كان سبباً في فورة تجاذبات اتهمت فيها المعارضة علناً أطرافاً في النظام السابق بالضلوع في تدبير هذه الهجمات لتحقيق أهداف سياسية غير بعيدة عن مسار عملية التسوية والمرحلة الثانية من اتفاق المبادرة الخليجية .
وللمرة الأولى بدت تصريحات المسؤولين اليمنيين متضاربة إلى حد كبير فاللجنة الأمنية العليا أكدت في بيانها أن منفذ العملية عضو في تنظيم القاعدة يدعى محمد العري وقالت أن أجزاء من جسده بترت نتيجة الهجوم، في حين رفض وزير الداخلية اللواء عبدالقادر قحطان الذي يشرف ميدانياً على عمليات التحقيق إعطاء تأكيدات بثبوت التهمة على العري، الذي قال أنه ربما كان مدنياً موجوداً في موقع الهجوم وأصيب بجروح بالغة عرضاً .
وبدت اللجنة الأمنية العليا في بيانها مرتبكة وعاجزة عن تحديد سيناريو الهجوم واكتفت بالحديث عن “عملية تفجير انتحارية”، متجاهلة الحديث عن سيناريو تنفيذها والوسيلة المستخدمة والتي أثارت جدلاً واسعاً، ناهيك عن دعوتها المواطنين إبلاغ جهات التحقيق بأي معلومات تساعد في كشف ملابسات الهجوم ومنفذيه .
وحتى المعلومات الوحيدة التي توفرت لفريق التحقيق المشترك اليمني الأمريكي، والتي تحدثت عن أن الانتحاري بقي على قيد الحياة لدقائق بعد تنفيذ الهجوم وخضع لتحقيق أفصح فيه عن هويته والجهات التي أرغمته على تنفيذ الهجوم قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في مستشفى الشرطة بصنعاء، بدا أنها لم تكن سوى تسريبات حاولت إرباك عملية التحقيق، ودحضها تالياً وزير الداخلية اللواء قحطان الذي نفى للتلفزيون اليمني وجود معلومات مؤكدة تثبت تورط الرجل أو أنه الانتحاري .
وعلى الرغم من أن الوزير قحطان الذي يمثل المعارضة في الحكومة الانتقالية اتفق مع بيان اللجنة الأمنية العليا بأن طريقة الهجوم تشير إلى احتمال تورط تنظيم القاعدة، إلا أن تضارب التصريحات بشأن الجريمة والفاعل الرئيسي كشفت عن حال انقسام في أوساط الجهات الرسمية، وهو ما فسر التقارير التي تحدثت عن استقالة وزير الداخلية من منصبه، وهو ما نفته تالياً جهات رسمية وأكدت أن الوزير مستمر في ممارسة مهماته ويشرف ميدانياً على عمليات التحقيق في الهجمات التي استهدفت طلاب كلية الشرطة .
وحيال هذه التناقضات بدا فريق التحقيق اليمني الأمريكي حائراً في تحديد طريقة الهجوم خصوصاً وأن التفجير أوقع 10 قتلى في حين لم يودي بحياة منفذه وفق الفرضية التي تفترض وجود انتحاري استخدم حزاماً ناسفاً أو حقيبة متفجرة في حين أن وجود حطام لسيارة تطاير لمسافة تصل إلى 90 متراً أضاف المزيد من التعقيد في فهم طبيعة الهجوم وسط فرضية ثالثة اعتبرت أن السيارة المتناثرة ربما كانت أداة التفجير الأساسية في العملية . وحسب ضباط في كلية فإن الشظايا التي ظهرت في موقع الهجوم شبيهة بتلك المستخدمة في الهجوم الذي استهدف جنوداً في ميدان السبعين في 21 مايو/ أيار الماضي عندما كانوا يؤدون تدريباً على عرض عسكري وأدى إلى مقتل و جرح 400 جندي .
وبعيداً عن فرضيات الهجوم، إلا أن كثيرين يرون أن العملية فاجأت السلطات اليمنية بقدرة منفذيها على خرق أحزمة الأمن التي تفرضها السلطات على المرافق الحكومية والمصالح الغربية . ويشير هؤلاء إلى ردود الفعل القوية التي اعقبت الهجوم والتي تصدرتها الترتيبات التي قالت دوائر سياسية يمنية أن الرئيس بدأ مناقشتها مع الحكومة لإحداث تغييرات كبيرة في المراكز القيادية بوزارة الداخلية وجهاز المخابرات والأمن القومي وخصوصا مع تصاعد الاتهامات بضلوع جهات سياسية في تدبير هذه الهجمات وغيرها سعياً إلى إضعاف الرئيس المنتخب وإجهاض جهود التسوية .