الحوثيون وتفكيك التعايش المجتمي(تقريــر)
التنوع داخل البلد الواحد ثراء للحياة السياسية والفكرية والثقافية, لا يقتصر التنوع على اختلاف وجهات النظر التي ينظمها إطار واحد, ولكن ذلك التنوع الواسع الذي يتجاوز المذهب والطائفة والدين أيضاً.
وقد مثل التعايش الحضاري داخل جغرافية اليمن على مدى قرون حالة من الإثراء الثقافي والمعرفي, ولم تعرف اليمن حالة من الخروج على هذه القاعدة سوى في عهد الإمامة البغيض لفترات محدودة وفي عهد الحوثيين بعد سيطرتهم على السلطة سواء على مدينة صعدة مارس/ اذار 2011م أو السيطرة على العاصمة صنعاء في سبتمبر/ ايلول 2014م وما بعدها.
في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي انطلقت أولى جلساته في 18مارس/ اذار 2013م, حيث كانت المكونات السياسية قد اتفقت على صيغة مشتركة تعزز مفهوم التعايش بين المذاهب والفرق والمكونات السياسية والاجتماعية, على نحو يعزز مفهوم الدولة المستقبلية التي ينتظرها المواطن اليمني - غير أنه - وبعد ان تم الاتفاق على صيغة الاقاليم الستة والتي تعيد توزيع السلطة والثورة توزيعاً عادلاً بما يقلل من المركزية – التي فشلت في إدارة البلاد لثلاثة عقود – والعمل على توسيع الصلاحيات داخل تلك الاقليم, كان للإمامة الجديدة وأعوانها وتحالفاتها موقف أخر سيغرق البلد في حروب لا زالت تكتوي بنارها حتى اليوم.
تهجير يهود آل سالم
في احصائيات غير رسمية يبلغ عدد اليهود اليمنيين المنتشرين حول العالم نحو نصف مليون نسمة، وتعد الديانة اليهودية السائدة في اليمن قبل الإسلام من أيام ملوك حمير حسب ما يرى بعض المؤرخين.
بدأ التحريض ضد اليهود في عهد مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي, وأعلن قيادي كبير في الجماعة يدعى يحيى بن سعد الخضير المعركة ضد اليهود, حيث أمهل الأسر اليهودية عشرة أيام للمغادرة.
وهنا: لا يخفي الحوثيون عدائهم الشديد لليهود بشكل عام, كما يظهر من شعارهم المسمى "الصرخة" وقد عاش اليهود اليمنيين مثل اخوانهم اليمنيين وتقاسموا نفس الظروف, وكان تواجدهم في صعدة ومحافظة عمران, وقد باتوا اليوم أكثر عرضة للانقراض التام.
في الحرب الرابعة بصعدة والتي بدأت في يناير/ كانون الثاني 2007م واستمرت حتى يونيو/ حزيران من نفس العام, امتلك الحوثيون كمية كبيرة من سلاح الجيش, وهناك شكوك وقرائن تؤكد أن رأس النظام السابق المتمثل في المخلوع علي عبدالله صالح ساهم في تسهيل وصول كميات كبيرة من سلاح الجيش إليهم لأغراض كثيرة أهمها السير نحو التوريث وإضعاف الجيش المناوئ للفكرة, ومن هنا بدأت الجماعة تؤسس لواقع جديد تم تدشينه بتهجير يهود آل سالم في نفس العام، ما دفع العديد من الأسر اليهودية للإقامة في "المدينة السكنية" داخل العاصمة صعاء, وهي منطقة سكنية مغلقة تحت حماية الحكومة اليمنية، وتقع أمام مقر السفارة الأميركية في منطقة "سعوان".
وفي الـ 21 مارس/ آذار 2016م، أعلن الكيان الاسرائيلي عن تمكنه من نقل 19 يهودياً يمنياً إلى الأراضي الفلسطينية، بالتنسيق المباشر مع جماعة الحوثيين, بما يمثل فصلاً جديداً من فصول مسلسل بدأ برعاية المنظمات الصهيونية في القرن المنصرم أبان حكم الإمامة, الى جانب تهجير أعداد أخرى الى داخل اسرائيل في عمليات دعم واضح للاحتلال الاسرائيلي وسيراً نحو تبديد مفهوم التعايش في الداخل اليمني, مع التنبه الى أن التهجير توقف لمدة خمسين عام حتى عاد من جديد في عهد أحفاد الإمامة.
وقد شكّل اليهود اليمنيين جزءاً أساسياً من النسيج اليمني، بل نجحوا في تعزيز مبدأ التعايش بسلام مع المسلمين على مدى قرون، وتحديداً منذ وصول المسلمين الى اليمن في حوالي عام 628م، إذ كفل لهم الدين الإسلامي حقوقهم كاملة وفرض عليهم الجزية، كما فرض الزكاة على معتنقي الدين الإسلامي ذاته, واشتهروا منذ القدم بممارسة الحرف اليدوية، أبرزها صياغة الذهب والفضة وصناعات أخرى.
لم يتلفت الشارع اليمني حينها الى خطورة ما يحدث, وأن الثقافة الإقصائية التي تتستر بالدين والمذهب من أجل ابعاد وتشريد شريحة يمنية سوف تعاود الكرة مرة ثانية لذات الاهداف وذات السبب ولكن مع مكونات اخرى وبطريقة أشد بشاعة.
التهجير يطال أبناء صعدة
مع انتهاء الحرب السادسة بين قوات الجيش اليمني وجماعة الحوثيين المسلحة في يناير/ كانون الثاني 2010م بدأت الجماعة بتصفية كل المناوئين لها من المشايخ والشخصيات الاجتماعية التي وقفت ضد مشروعها أو ساندة الجيش في حربه على التمرد الحوثي.
وخلال أشهر فقط, استطاعت الجماعة تهجير المئات الى خارج المحافظة, وفتحت عدد من المخيمات للإيواء, رافق ذلك عمليات تغيرات واسعة داخل اجهزة الدولة وهو ما نظر لها البعض على أنه تسليم كامل للمحافظة من قبل النظام السابق, حيث رفعت الجماعة حينها شعار الانتصار العظيم والذي تكلل بعدد من الانتهاكات بحق المخالفين وفتح عدد من السجون وإعادة رسم خارطة المحافظة بما يجعلها تحت حجم الجماعة 100% رغم أن التدفق المالي من قبل الدولة استمر حتى سقوط العاصمة صنعاء.
مأساة دماج
في الـ 26نوفمبر/ تشرين الثاني2010م استهدفت سيارة مفخخة موكب في طريقه لتشييع زعيم المتمردين الحوثيين بدرالدين الحوثي صباح الجمعة بمنطقة ضحيان مخلفاً قتيلين وسبعة جرحى أخرين, وقبلها بيومين فقط في الـ 24نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 م كانت سيارة مفخخة يقودها انتحاري قد استهدفت موكباً في ذكرى غدير بمحافظة الجوف, أودت إلى مقتل أكثر من عشرين شخصاً من الطائفة الاسماعيلية, تبنى تنظيم القاعدة مسؤوليته عن العملية.
وكانت تلك العمليتان محطة مهمة في تاريخ جماعة الحوثيين من خلال خلق مبررات جديدة أمام الرأي العام في زحفها على المكونات الاجتماعية والسياسية والدينية المناوئة لها, أو تلك التي ليست معها على انسجام تام بحجة أنها باتت مستهدفة بما يبرر لها القيام بإجراءات عدوانية ضد الجميع والتغافل عن كل ما ستقوم به لاحقاً باستثناء قلة قليلة سوف يستمر في كشف حقيقة ما تمارس الجماعة خارج إطار القانون.
وهنا شن الحوثيون حرباً مفتوحة على سكان منطقة دماج, بعدد من التبريرات الاول انتقاما لمشاركة قبيلة وادعة بالحرب التي ينحدر منها رجل الدين الشهير الراحل مقبل الوادعي مؤسس معهد دماج، والثانية: تحت مبرر تواجد طلاب داخل المركز اطلقت عليهم الجماعة أنهم تكفيريين, وهو المسمى الذي يطلقه حزب الله في لبنان على مخالفيه, والحشد الشعبي وفصائل شيعية في العراق على مخالفيهم من أهل السنة تحديداً.
وفي عام 2011م أثناء الزخم الثوري في ساحات التغيير, أغلق الحوثيون المعابر المؤدية لمركز دماج وفرضوا حصاراً خانقاً تحت ذريعة وجود اسلحة لدى الطلاب, وتجددت المواجهات في أكتوبر 2013م بعد فرض حصار استمر أكثر من ثلاثة أشهر على التوالي تضررت منه مئات الأسر وعاشت لحظات قاسية حسب ما يروي السكان.
لحظتها قام الرئيس عبد ربه منصور هادي بإرسال عبد القادر هلال عام 2014 على رأس لجنة وساطة وتم توقيع اتفاق لوقف اطلاق النار سرعان ما تم خرقه وكلا الطرفين يتهم الطرف الآخر بخرق شروط الهدنة, ثم توقفت المعارك في دماج بعد قرار رئاسي يقضي بخروجهم إلى محافظة الحديدة, في أعنف تهجير قسري عرفته اليمن في تاريخها واستمرت تداعيات ذلك التهجير حتى اليوم.
وفي الـ 15 يناير/ كانون الثاني 2014 أصدر الناطق باسم السلفيين سرور الوادعي بياناً أكد فيه أن سلفيي دمّاج الذين يقدر عددهم بخمسة عشر ألف شخص, أرغموا على مغادرة منازلهم ومزارعهم تحت وطأة القصف والحصار الذي فرضه عليهم الحوثيون لقرابة مئة يوم.
استهداف النسيج الوطني
عمد الحوثيون على تفتيت النسيج الوطني كونه يوفر لهم مادة خصبة للحصول على مقاتلين, إضافة الى أنه يمثل استهداف مباشر للعمل السياسي والذي يقوم المشروع الحوثي أصلاً على النقيض منه.
كان الاستهداف الاول للإصلاح والذي يمثل الغطاء لكل الممارسات الاخرى والتي طالت بعد ذلك عدد من الاحزاب الاخرى وحتى تلك التي كانت مع الجماعة اقرب الى التحالف غير المعلن.
ومن خلال خطاب تكفيري شعبوي عنصري استهدف اغلب مكونات اليمنية الاجتماعية والسياسية في استهداف مباشر لمبدأ التعايش داخل البلد, وصل الاخر الى عدد من الاجراءات ليس أقلها السيطرة على مؤسسات الدولة الى السيطرة التامة على المساجد والمدارس والجامعات وفرض لون واحد فقط, وربما أن الصور التي نقلها قناة اليمن الرسمية الخاضعة لسيطرتهم اثناء الصلاة من الجامع الكبير تعكس حجم التوجه لفرض لون واحد وتغيب وابعاد كل الالوان الاخرى.
ولم تكن فصول الدراسة بعيداً عما يجري فقد عمد الحوثيون على تغير مناهج الدراسة وكانت المسحة الطائفية بارزة بما يهدم اسس التعايش داخل البلد وتأسيس جيل طائفي يضرب ويستهدف التعايش داخل البلد, وذات الامر تتكرر داخل المؤسسة العسكرية التي ورثها من النظام السابق.
الطائفة البهائية.
مع سقوط العاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014م قام الحوثيون بأولى انشطتهم ضد الطائفة البهائية وذلك عبر التحريض المباشر عليهم بإطلاق عدد من التصريحات, ثم تطور الامر باتهام أحد أتباع الطائفة بـ"العمل لصالح دولة اجنية"، وصدر حكم في حق المتهم بالإعدام, وهي خطوات نظر لها على أنها استهداف أخر للتنوع داخل المجتمع اليمني لطائفة مسالمة لها طقوسها الدينية بكل حرية ولم تمارس أي اعمال خارجة على القانون.
وفي الـ 10 أغسطس/ آب 2016م أقدمت ميليشيا الحوثي على اختطاف 60 شخص بينهم رجال ونساء واطفال من المنتمين للطائفة البهائية من داخل أحد المراكز بصنعاء أثناء ما كانوا يشاركون في برنامج ثقافي حول التعايش.
وتتابعت الاختطافات والتحريض ووصل مؤخراً الى تفريق وقفات احتجاجية بالقوة لأتباع الطائفة يطالبون بالإفراج عن اقارب لهم لا يزالون في سجون الحوثين بصنعاء.
التهجير في القانون الدولي.
التهجير القسري يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وفق قاموس القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
ويعرّف القانون الدولي الإنساني التهجير القسري بأنه "الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها" وهو ممارسة مرتبطة بالتطهير وإجراء تقوم به الحكومات أو المجموعات المتعصبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة وأحيانا ضد مجموعات عديدة بهدف إخلاء أراضٍ معينة لنخبة بديلة أو فئة معينة، وتعتبر المواد (6)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي، التهجير القسري جريمة حرب.
وتعرّف اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 أغسطس/آب 1949 والبروتوكولان الملحقان بها لعام 1977 جرائم الحرب بأنها الانتهاكات الجسيمة للقواعد الموضوعة إذا تعلق الأمر بالتهجير القسري، فالمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراضٍ أخرى، إلا في حال أن يكون هذا في صالحهم بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة.
كما أن المادة (٧-١- د) من نظام روما الإنساني للمحكمة الجنائية الدولية، تجرم عمليات الترحيل أو النقل القسري، حيث تنص على أن "إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، يشكل جريمة ضد الإنسانية". وبموجب المواد 6 و7 و8 من نظام روما الأساسي، فإن "الإبعاد أو النقل غير المشروعين" يشكلان جريمة حرب، وتعتبر المادة المتعلقة بحظر نقل السكان من مناطقهم جزءً من القانون الدولي الإنساني العرفي.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها