المحافظات المحررة بين فشل المحافظين وإهمال الحكومة الشرعية(تقرير)
اثرت الاوضاع الاقتصادية والتدهور الخدماتي بشكل كبير على الاهداف السياسية التي رسمها الساسة الجنوبيين وحاولوا إيهام الجماهير بتحقيقه , - على الأقل - في المحافظات الجنوبية المحررة، فلم يعد ذلك الزخم الشعبي الذي كان يهز ارجاء مقصورات الساحات المقرة لإقامة مثل هذه الحشود الثورية الهائجة، حيث بات تفكير الغالبية العظمى محصورا في توفير ادنى متطلبات العيش الكريم في ظل انقطاع المرتبات وتفشي البطالة وارتفاع الاسعار وبروز الجريمة وغياب السلطات المحلية والامنية والقضائية في اغلب هذه المحافظات..
فراغ ما بعد الحرب!
الوضع الهش والفراغ السياسي والاداري والخدمي الذي افرزته الحرب لم تلتقطه الشرعية والتحالف وتبدأ بملئ هذا الفراغ وسحب البساط كلياً من تحت قادة هذه المكونات بل تركت الحبل على الغارب وظل الشباب المقاوم عرضه للاستقطاب ليس على مجاميع النضال السلمي أو الحزبي ولكن جماعات مسلحة وربما تجابه الدولة مع قادم الأيام خاصة وهي تملك السلاح بمختلف انواعه, ووجدت اطراف خارجيه وداخليه ضالتها المنشودة ولعبت على الوتر الحساس من خلال صناعة الانقسام المناطقي والسياسي وتوسيع الهوة بين بعض مكونات المقاومة والسلطات الشرعية الحكومية ,لا سيما وهناك اطراف في التحالف متمسكة بجهات معينة "بعيدة عن الشرعية" وتدعمها على حساب السلطات العامة في المناطق المحررة.
ولأن الفراغ يتسع يوماً بعد يوم كان حريٌ بروز مجاميع مليشياوية مسلحة إما بشكل مناطقي او مصلحي تجمعها الغنيمة وليس الهدف , وربما ترفع الشعار والقضية ذاتها لكنها في واقع الحال تسلك منحى مخالف بطريقة فجة وطائشة بنفس الوقت..
قد تكون هذه المجاميع المسلحة النقيض للمكونات الثورية السائدة في زمن الحشد والحشد المقابل والذي استمر لسنوات امام كل اصناف القمع السلطوي بشقية(السياسي والامني ) كإفراز لتلك الحقبة القمعية ,لكن لا تعفى السلطات الشرعية الحاكمة في المرحلة الحالية من مسؤولية التيه واللامبالاة تجاه هذه الإفرازات الناشئة, بعد تغافلها المقصود والمتمثل في اعادة تطبيع الحياة في هذه المحافظات , وظلت تدغدغ عواطف المواطن بتصريحات اعلامية مطمأنة لم ينفذ منها شيء على الواقع عدى النزر اليسير والذي انقض عليه المحافظون المعينون بكل اريحية ويسر، وما فاتهم تلقفته مؤسسات ومنظمات حديثة التشكيل والتكوين في ظل تفشي المحسوبية والمحاباة بشكل غير متوقع.
فشل أم تعثر!
حاولت السلطات الشرعية بعيد تحرير هذه المحافظات تعيين محافظين ثوريين او مقاومين لم يتخلصوا بعد من عقدة الشعوبية والمناطقية والشعارات الاستهلاكية المعارضة للدولة، وربما أنهم ورثوا من الماضي الشمولية وفق نظرية الرأي الواحد فقط، ناهيك عن احاطة أنفسهم بدائرة نزقة وضيقة تهاجم كل من ينتقد او يشكو، الامر الذي جعل هذه السلطات تبدو وكأنها في وادٍ والحكومة في وادٍ آخر...
زد على ذلك أن الحكومة ذاتها والرئاسة تركت الجمل بما حمل لهذه السلطات المحلية المعينة فتنازلت عن صلاحياتها مقابل عدم الإيفاء بما هو حق مكفول لهذه المحافظات من مراقبة ,ونفقات تشغيلية, وتحصيل ضرائب ,وتعيينات ...إلخ.
ليكون تحميلهم الفشل أهون الشرين سواء من قبل الحكومة او من قبل المواطن , اضافة لعدم خبرة هؤلاء المحافظين لاسيما وقد جاءوا بمسؤولين جدد عينهم بدون أي ضوابط تندرج تحت لائحة قانون شاغلي الوظائف او حتى قانون تعيينات السلطات المحلية, لتضاف إلى سلسلة من الأسباب ليس أقلها غياب النفقات التشغيلية واصطدامهم بتركة ثقيلة من النظام السابق يصعب ترويضها او التخلص منها ، في ظل عدم التجانس بينهم ومديري المكاتب المحلية من جهة وبينهم وبين الحكومة الشرعية والجهات العسكرية والمقاومة من جهة اخرى كل هذه المعضلات وغيرها جعلت الفشل سمة المرحلة الحالية التي نحن فيها لتظهر هذه المحافظات المحررة اسوء من المحافظات الغير محررة من الناحية الإدارية والخدماتية .
وبالتالي اجتمعت كل المنغصات في اطار كل محافظة على حدة لتصبح مع ملفات أخرى اشمل واعم قد تكون متداخلة منها ما هو ضمن اختصاصات الحكومة والرئاسة كالمرتبات ودمج المقاومة مع وحدات الجيش والاسعار وصرف العملة واعادة الاعمار، ومنها ما يدخل ضمن اختصاص السلطات المحلية والمحافظين بشكل خاص لتشكل جميعها كتلة ضخمة من الفشل مجسدةً واقعا ملموسا سيء أثر وبشكل مباشر على حياة المواطن ومس معيشته الخاصة.
دكتاتورية المحافظ المعين..
يتحدث مسؤول محلي في محافظة الضالع – أولى المحافظات المحررة - عن مركزية المحافظين المعينين في المحافظات الجنوبية المحررة والتي صارت في قبضة دكتاتورية لكنها فاشلة في نفس الوقت - حسب قوله - فهو اي المحافظ يلغي صلاحيات المجالس المحلية والهيئة الادارية بالمحافظة التي يتربع على سلطاتها على اعتبار ان هذه المجالس منتهية الصلاحية لكن في نفس الوقت يبقي من ينتمون لنفس توجهه من اعضاء الهيئة الإدارية في هذه المجالس ليس حبا في المشاركة والشراكة ولكن ليظهرهم كديكور وانه يجمع حوله "الطيف السياسي" ..مضيفاً " ولهذا لن تستغرب اذا عنون مراسل الوكالة الاخبارية الرسمية خبرا.. مثلا" محافظ كذا يجتمع بالسلطة المحلية ويناقش كيت وكيت ويناقش ملفات الصحة والاشغال ...الخ"
تغييرات ألهبت الشارع..
إستفاقت بعض "النخوة" الحكومية مؤخرا محاولةً اصلاح ما افسده الدهر ,من خلال الجلوس مع الرئيس هادي والخروج بحلول ولو أنية ومواجهة الواقع من خلال تحريك ملف الخدمات والكهرباء والماء والتي صارت شغل الناس الشاغل لارتباطها بحياتهم اليومية, فكان الحل الأنجع – حسب مصادر – هو القيام بتغيير بعض هؤلاء المحافظين وكانت البداية من عدن إلا ان ردة الفعل كانت أكثر مما هو متوقع بل تغيرت الاهداف التي كان يتوقع ان تكون لأجل المحافظ المقال لتكون حالة تمرد شاملة لولا التدخل السعودي وترويض هذه الأطراف وهو ما حدث بالضبط.
الحراك الجنوبي وصراع الولاءات:
في ظل هذه المرحلة التي وصفها قيادي حراكي بـ"المرحلة الصعبة"، يرى أن صراعات الولاءات والمناورات السياسية هي السائدة في الميدان مضيفاً : "في اعتقادي أن الحراك الجنوبي اليوم يمر بأصعب مرحلة عرفها وهي مرحلة الحرب بأدوات جنوبية، والتي تتجسد في الوظيفة الشرعية التي احتوت البعض من أبناء الحراك الجنوبي وخلقت عندهم حالة (صراع الولاءات) حسب قزله ، وتبع " تلك الحالة أفقدتهم القدرة على التمييز بين الخاص والعام في ما يخدم أهداف قضيتهم وحراكهم الجنوبي من ناحية، وسمحت للقوى الأخرى على الساحة سواء كانت الشرعية أو غيرها باستخدام هؤلاء الموظفين أمام الرأي العام الإقليمي والدولي بنفس سياسة ونهج المخلوع صالح، والذي كان يستخدم مسؤولين جنوبيين إبان حكمه للمناورات امام الداخل والخارج واكساب كل خطواته الشرعية وإيهامهم بشراكة الجنوب في صنع القرار.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها