الدكتور محمد جميح :المحايدون جؤوا للحياد عندما رأوا الحوثيين ينهزمون(حوار)
يعتبر الدكتورمحمد جميح من بين الكتاب والصحافيين المؤثرين لدى شريحة واسعة من اليمنيين، سواء كانوا مؤيدين أم معارضين لمقالاته وأطروحاته التي تنشر في مختلف وسائل الإعلام ويعرضها من على شاشات الفضائيات العربية والأجنبية. "العربي" التقى بجميح للإجابة على تساؤلات تتعلق بالضجة الأخيرة التي أثيرت حول الحوار الصحافي الأخير الذي أجراه مع الرئيس عبد ربه منصور هادي، وعن زيارته الأخيرة لمحافظة مأرب، وتوصيفه للحرب المستعرة التي يعاني منها الينميون اليوم، إضافة إلى القضايا الساخنة اليوم.
الأكاديمي والسياسي محمد جميح، أنت من أهم الكتاب الأكثر تأثيراً عند اليمنيين، برأيك إلى أي مدى كان للكلمة تأثير في إذكاء الحرب المستعرة التي يعاني منها اليمنيون اليوم؟
أشكرك على حسن ظنك بي، وإن كنت ضمن آخرين نقوم بواجبنا لا أكثر، ونحاول قدر المستطاع أن نوضح للرأي العام اليمني والعربي على الأقل حقيقة ما جرى في اليمن، من وجهة نظر شخصية، نصيب ونخطئ، مع نبل المقصد، وسلامة الصدر. أما فيما يخص الحرب في اليمن، فإن الذي أذكاها وتسبب بها هو الانقلاب الذي جاء يوم 21 سبتمبر 2014. هناك حقيقة لا يجب أن ننساها، وهي أننا كنا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق عملية تحول سلمي تاريخية في اليمن، بعد مؤتمر الحوار الوطني، لم يبق لنا إلا خطوتان فقط؛ الأولى: الدستور والاستفتاء عليه، والثانية: الانتخابات. وجاء الحوثي وقلب الطاولة على الجميع، واستعمل عمليات التذاكي الغبية التي ظن أنه بها يمكن أن يخدع الجميع، عندما صور انقلابه الغاشم على أساس أنه ثورة شعبية، إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
ساهمت في صياغة مخرجات الحوار الوطني اليمني، هل كنت تتوقع في تلك الفترة أن تصل اليمن إلى ماهي عليه اليوم؟
ما كنا نتوقع أن نصل إلى الحرب، ما كنا ندرك حجم الخبث والمكر الذي يخبئه الحوثيون عندما كنا نجلس معهم في أروقة وكواليس الحوار الوطني، ويحدثوننا عن الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة، والتوزيع العادل للثروة، والعدالة والمساواة، وغيرها من المصطلحات التي استعملوها لمجرد الخداع و"التقية السياسية"، فيما هم يعدون العدة لغزو دماج وإجراء أول عملية تطهير مذهبي في تاريخ اليمن المعاصر.
إختلف الحديث حول مسببات الحرب الحاصلة في اليمن، فتارة يقال إنها حرب "مذهبية" وتارة يقال إنها "مناطقية"، فيما يرى آخرون أنها حرب "اقتصادية"، ماهو التوصيف الأقرب للدكتور جميح؟
الحرب في اليمن شنها طرف سياسي وميليشاوي معين من أجل السيطرة على السلطة والثروة في البلاد، ولكنها لبست الثوب المناطقي والمذهبي، من أجل التجييش والتحشيد. نحن في اليمن لم نكن نعرف هذا التحشيد الطائفي المقيت قبل أن تأتي حركة حسين الحوثي التي جمعت الطائفية إلى جانب العنصرية السلالية. وإذا كان لنا أن نوصف الحرب على أنها طائفية، فإن الطرف الذي يستعمل الشعارات الطائفية ويسمي كتائبه بأسماء طائفية هو الذي يريدها أن تكون طائفية، وهذا الطرف هو الذي يعمل على تكريس الانقسام المناطقي لشحن أبناء مناطق يمنية معينة ضد إخوتهم على أساس أنهم دواعش وإرهابيون وتكفيريون.
إتهمت في مقال لك "المحايدين" في الصراع الحاصل في البلاد بأنهم كانوا منحازين ليوم 21 سبتمبر، وهو يوم إعلان الحوثيين سيطرتهم على صنعاء، إلى ماذا استندت في ذلك الاتهام؟
كثير ممن يظهرون الحياد اليوم صفقوا كثيراً لما أسموه "ثورة 21 سبتمبر 2014"، مقالاتهم، ولقاءاتهم المتلفزة لا تزال تشهد عليهم في ذلك. هؤلاء المحايدون لجؤوا للحياد عندما رأوا الحوثيين ينهزمون من سواحل عدن إلى جبال صنعاء، ولو انتصر الحوثيون، وتمت لهم السيطرة على اليمن، لما رأيت محايداً اليوم من هؤلاء الذين يذرفون دموع التماسيح، ويدينون كل الأطراف، ويحملون المسؤولية للجميع على قدم المساواة، دون اعتبار لحقيقة أن الحوثي هو الذي بدأ الحرب، وانقلب على التوافقات، ودخل صنعاء بحجة تطبيق مخرجات الحوار الوطني، وإسقاط 500 ريال يمني من ثمن صفيحة البنزين. هناك أخطاء لدى معسكر الشرعية بلا شك، لكن أن نجعل الشرعية بسبب بعض الأخطاء والقصور مثل الانقلاب، فهذا تجاوز للحقيقة، علينا أن نقول هناك مسؤولية نتجت بسببها هذه الحرب، لكننا لا يمكن أن نساوي الضحية بالجلاد.
لماذا أثيرت ضجة إعلامية حول الحوار الصحافي الأخير الذي أجريته مع الرئيس هادي؟
الذين أثاروا الضجة فعلوا ذلك لأن الرئيس هادي قال أشياء لا تعجبهم، والغريب أن البعض تجرأ بالقول إنني قولت الرئيس ما لم يقله، بل وطالب البعض بمحاكمتي على هذا الأساس، دون أن يذكروا ما هي المضامين التي وردت في الحوار، والتي زعموا أنني قولت الرئيس ما لم يقله من خلالها. بل وبلغ الأمر بموقع معين أن ينسب خبراً لمصادر رئاسية تنفي ما جاء في حواري مع رئيس الجمهورية، دون أن يسمي هذه المصادر، ودون أن يكتب على الخبر اسم الصحافي الذي نقل عن هذه المصادر، وهذا يعطيك صورة عن حجم المعضلة التي يعيشها الوسط الإعلامي في اليمن.
أخيراً كانت لك زيارة خاصة لمحافظة مأرب، وهي المحافظة التي تنتمي إليها، حدثنا كيف وجدت مأرب التي باتت تحتضن آلاف الوافدين إليها من مختلف المحافظات اليمنية؟
مأرب بحمد الله تعافت إلى حد كبير من آثار الحرب. إلتقيت المحافظ وعدداً من القيادات في "المقاومة" وشخصيات اجتماعية. الناس في مأرب حريصون على أن يعطوا مأرب صورتها الحقيقية، بدلاً من الصورة التي كان نظام الرئيس السابق يحرص على تسويقها عن هذه المحافظة التي منحت اليمن الكثير، ولم تأخذ إلا الفتات، والتي منحت النفط والغاز وأخذت الدخان والتلوث. اليوم، مأرب تحتضن الكثير من النازحين الذين حلوا في أرضهم بين إخوتهم، كما أنها تحتضن القيادة العسكرية للجيش و"المقاومة"، وجانباً كبيراً من العمل الحكومي ينطلق منها. وهناك كما لمست من المحافظ الأخ اللواء سلطان العرادة مشاريع طموحة يتم العمل فيها، وأخرى يتم التخطيط لها. وقد تم اعتماد حصة الإقليم حسبما علمت من المحافظ من دخل النفط والغاز، وهذا سيوفر مبالغ تساعد في تحسين البنية التحتية. ومع استمرار التحسن الأمني، فإن المتوقع أن يبدأ رأس المال الوطني في الاستثمار في المحافظ، خاصة وأن عدد سكانها يكبر بشكل دراماتيكي مع استمرار الحرب، وهو ما يوفر سوقاً جيدة للعمل والاستثمار. وكما كانت مأرب ملاذ اليمنيين من ظلم المليشيات الطائفية أثناء الحرب عليها، فإنها اليوم مدينة ومحافظة مفتوحة لكل اليمنيين بعيداً عن المناطقية والطائفية وحكم المليشيات.
برأيك، بعد العمليات العسكرية الأخيرة التي نفذتها القوات الأمريكية في رداع وحضرموت، هل باتت اليمن ساحة مفتوحة للصراع الإقليمي والعالمي؟
الحرب على الإرهاب للأسف أصبحت هلامية الدلالات والمضامين، ولجأت في معظمها إلى وسائل غير قانونية، ومن ذلك الحرب على الإرهاب في اليمن. المشكلة أن اليمن اليوم يشكل الساحة الرخوة لهذه الحرب، التي يراد من خلالها تضخيم دور "القاعدة" في اليمن لصرف النظر عن استحقاقات أخرى. هناك إرهاب في البلاد، لكن طرق مواجهته تساعد على انتشاره، وتضخيمه على حساب إرهاب آخر سيطر على الدولة برمتها. وعلى ذلك فإن هذه الحرب يجب أن تكون محكومة بضوابطها القانونية التي نخضعها لقوانين جرائم الحرب وحماية المدنيين.
في إحدى مقالاتك كتبت: "لسنا مع شرعية أولئك الذين لم يرتقوا إلى مستوى الوجع الوطني"، من وجهة نظرك متى سينتهي "الوجع الوطني"؟
سينتهي الوجع الوطني يوم أن نجد رجالاً على مستوى هذا الوجع.
لماذا توقف الشاعر جميح عن كتابة الشعر في زمن "الوجع الوطني"؟
أعترف أن السياسة أخذتني بعيداً عن الشعر في كتاباتي، وما زلت أحن إلى القصيدة التي هي بحق "صديقتي" الأولى. الاشتغال على المواضيع السياسية يجعلك تدخل في اليومي والتفصيلي ويبعدك عن سماوات التجريد التي يتولد منها الشعر والفنون المختلفة. القصيدة هي المكان الذي تجد فيه سلامك الروحي، فيما السياسة عالم من التقلبات في المواقف والرؤى بشكل يجعل التورط فيها بمثابة جناية على الشعر لدى المشتغلين بالهم السياسي من الشعراء. وعلى الرغم من أنني أصبحت قليل الكتابة للشعر، إلا أنني لم أتوقف عن الكتابة الشعرية، حسبما يتيحه لي الوقت المليء بالمواقف والصور والأحداث، وغبار السنين.
كلمة أخيرة؟
لا أحب الكلمة الأخيرة، أحب أن تظل هناك ثلاث نقاط على السطر توحي باستمرارية الكلام. أنحاز للفاصلة لا إلى النقطة اليتيمة على السطر، ليستمر التواصل، ويتجدد اللقاء...
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها