"جمعة الكرامة".. ذكرى خالدة وصيحة تطوي عهد الديكتاتور (تقرير)
عدن بوست -مسندللأنباء: الأحد 19 مارس 2017 01:07 صباحاً
لم يدر بخلد الثوار الذين احتشدوا لصلاة الجمعة في ساحة التغيير وسط العاصمة صنعاء، في لـ 18 من آذار 2011، حين أطلقوا على تلك الجمعة من تاريخ ثورتهم "جمعة الكرامة" أنه ذاته، يوم الكرامة، الذي سيبرهنون فيه للتاريخ وللعالم أنهم ماضون حتى النهاية في التي كتبوا أحداثها بالدّم.
في المقابل، لم يدر بخلد الحاكم أيضا، ولا بخلد المأجورين الذين حملوا البنادق لقتل المصلين في ساحة الجامعة، أن الشباب الثائر شَبّ عن الطوق، وصار أكبر من بأس الرصاص.
جمعة الكرامة كانت الحدث الأبرز في سجل الثورة، رغم ما أعقبها من منعطفات دامية رافقت مسيرة الثورة فيما بعد. ومجمل الحكاية تبدأ من هنا.
معالم المجزرة
في ظهيرة الـ 18 من أذار، بدأ مجموعة من المسلحين قيل إنهم عسكريون من جُند صالح، عددهم قرابة 6 باطلاق الرصاص الحي على المصلين، في الركعة الثانية من صلاة الجمعة، وما إن تمت الصلاة حتى اندفع المصلون الموجودون كالسيل، لا يبالون بالمصير.
يقول من شهد الواقعة، إن القتلة أوغلوا في مخاضة الدم، وبدأ العشرات من الثوار يتساقطون صرعى تحت وابل الرصاص، لكن الثوار صمموا على اجتراح معجزة أن قوة الحق الأعزل أعظم من بأس الرصاص وجبروت الحاكم.
اندفع الثوار كالسيل، نحو الرصاص، غير مبالين بالموت المحتوم، كان وابل الرصاص ينهمر على صدورهم العارية، وهم يرددون هتافات الثورة ليؤكدوا للحاكم أن بطشه لايزيدهم إلا ثباتاً.
حين بلل الظلام مساء صنعاء، كان القتلة قد أفرغوا كل ما بحوزتهم من رصاص في أجساد الشباب الأعزل، وكانت الحصيلة 53 شهيداً وألفي جريح، وانتهى الامر بالقتلة في يد الثوار، ورغم أن صالح أعلن براءته من دم الثوار، بعد ساعات من وقوعها، إلا أن تلك لم تكن في نظر الثوار أكثر من محاولة لاثبات (وقاحة) نظامه، كمن يحاول أن "يغسل يديه بالحبر" حد وصفهم.
عن يوم الكرامة في الذكرى السادسة، يقول الاعلامي والناشط الحقوقي يحيى حمران لـ"مٰسند للأنباء": بعد صلاة الجمعة مباشرة سمعنا إطلاق رصاص في المدخل الجنوبي من الساحة، ثم تصاعدت سحب الدخان المنبعث من جانب السور، عندها توجهنا نحو المنفذ، وسط هتاف برحيل الفاسد، وإسقاط النظام... وآخر يهتف "نحن والشرطة والجيش يجمعنا رغيف العيش" "احنا والجيش والشرطة يجمعنا ظلم السلطة".. ثم حدث ماحدث من صب المكان بالرصاص كالمطر..
ويتابع حمران "شخصياً ذهلت وتبلدت من هول مارايت من جثث الشهداء وأعداد الجرحى على الأرصفة، حتى بلغت حصيلة المجزرة 53 شهيد و أكثر من 200 جريح ومصاب، منهم من أصيب بالرصاص، ومنهم من أصيب بالهراوات أوالسلاح الابيض، ومنهم من اختنق بالغاز".
"يومها أخرج الشباب القتله، من عمارة "الاحول" محافظ المحويت، ومن بعض المباني المجاورة، وتم تسليمهم إلى لجنة النظام، بينما استمرينا نطارد بالحجارة والهتاف، مدرعة و مجموعة جنود أرادوا قلع الخيام القريبة مما عرف لاحقاً بـ"جولة الشهداء" وجولة "سيتي مارت" حتى تراجعت إلى الجامعة القديمة، ثم تم إطلاق النار علينا من داخل الحارات المجاورة للجامعة القديمة، فتراجعنا إلى الساحة قبل أذان المغرب، بينما ذهب (البلاطجة) وقوات الشغب في تلك الساعة".
في ذات السياق يقول الصحفي صالح هطيف "جمعة الكرامة، كانت اليوم الخالد الذي استعاد الشعب فيها كرامته المسلوبة وهدم على الحاكم أسوار طغيانه، في وقت كان يظن حامياً له من غضبة الشعب. في ذلك اليوم صعدت أرواح أكثر من خمسين شهيداً من خيرة شباب ورجال اليمن وأطهرهم، كلهم سقوا شجرة الحرية بدمائهم الزكية، كانت جمعه الكرامة بحق، يوم السقوط الحقيقي لنظام ديكتاتوري حكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود"
خسرنا لكن لم ننهزم
في حديث لــ"مٰسند للأنباء" يرى الكاتب والاعلامي محمد دبوان، أن اللعبة لم تنتهِ بعد، رغم خسارة الثوار، إلا أن صالح سيكون الخاسر الأكبر في النهاية، حيث يقول: خسرنا المعركة لكننا لم ننهزم، اللعبةْ لم تنتهِ بعد صالح بات محشواً في صنعاء يندبُ حظه، وتقضمُ أظافره ويذوي كلّ يوم ونحنُ نقاومك بصلف وشجاعة نادرتين.
وتابع دبوان "كان صالح يهدفُ لتروعينا، ظنّ الرجل أن النار أسلوباً مجدياً لاخافة المارد اليمني، فحدث العكس، حدثَ أن كانت الدماء لعنة طوقت رقبة صالح، فتناثر الرجال من حوله واستيقظ دائخاً والرمالُ تتحرك تحت قدميه، أراد اخافتنا فارتعدت فرائصه وارتدّت الرجفةُ داخِله وظلّت شفتيه مرتعشتان حتى اللحظة.."
"بلا محكمةٍ ولا مرافعات صالح هو غريمنا الأبدي، هو من أعطى الأوامر، وهو القناص القذر الذي ضغط على زناد البُندقية، هو من أشعلَ النيران في الاطارات ليُخفي الجريمة، ومن جلده اليابس سنأخذُ ثأرنا ومن عظامه المُهشمة، نستولدُ حقّ الشهداء وعدالة جيل بكامله.."
ويرى مراقبون أن جسارة التضحية التي كانت التوربين المحرك لعزم الشباب في ثورتهم ضد نظام صالح، سوف تبقى نموذجاً ملهما للثوار والمقاومين للانقلابيين في عموم الجبهات، حتى تحقق أهداف ثورة 2011 على الطريقة المثلى التى ضحى الشهداء في يوم الكرامة من أجلها.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها