الغارات الجوية عدالة القتل بين المسلحين والمدنيين!!
الدمار كلي في مدينة جعار جنوبي اليمن، تم تحويل حي بأكمله إلى ركام في غارة جوية عنيفة تعرض لها الحي في 15 مايو بحسب مواطنين.
للمرة الأولى منذ أكثر من عام، يسمح بزيارة المواقع التي تعرضت لحرب جوية أمريكية متصاعدة في جنوب اليمن، حيث قام ملسحون مرتبطون بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بالإنسحاب من المنطقة. و يأتي هذا الإنسحاب في أعقاب حملة الغارات الأمريكية المتواصلة، متلازمة مع حملة برية قامت بها القوات الحكومية اليمنية.
كما يعني ذلك أنه و لأول مرة يمكن مقارنة أعداد الضحايا وردة فعل السكان مع الرواية الرسمية لمجريات الأحداث. دائماً لا تتطابق.
في هذا الموقع على وجه التحديد، يقول شهود ان الغارات هزت المدينة في الصباح، عندما كان العديد من السكان في طريقهم لتناول وجبة الإفطار. يقول السكان أنهم سمعوا صوت طائرة، و أن منزلاً في الشارع الرئيسي تم تسويته بالأرض. توفي رجل بداخل المنزل في الحال. هرع عشرات من الناس الى موقع الحادث.
يقول السكان أن طائرة عادت و هي على علو منخفض، "لم نعتقد أنها ستعود" يقول أحد شهود العيان - وهو صاحب محل تصليح سيارات يقع بالقرب من مكان الحادث، "فجأة رأيناها تعود و تضرب ثانية".
يقول الشاهد أن الغارة الثانية قتلت ما لا يقل عن 12 شخصاً في الحال، لقد مزقوا الى أشلاء كما يقول. ما زال الجدار القائم في موقع الحادث مغطى بالدماء.
يزعم الشهود أن الطائرة التي قامت بتلك الغارة كانت أمريكية. و قد سألناهم عن سبب إعتقادهم بأنها أمريكية و ليست إحدى طائرات القوات الجوية اليمنية، كانت الطائرة رمادية اللون، يقول أحد الشهود "كانت تشبه النسر، نحن لا نمتلك طائرات مثلها."
الولايات المتحدة و اليمن كلاهما تنفذان غارات جوية في الحرب الجوية المتصاعدة في اليمن، من الصعب تحديد المسؤول عن غارة جوية ما.
هناك أربعة إحتمالات: قد تكون طائرة يقودها طيار من القوات الجوية اليمنية او الجيش الأمريكي. أو قد تكون طائرة من دون طيار يديرها الجيش الأمريكي أو وكالة الإستخبارات المركزية (سي آي أيه).
كل أنواع الطائرات تم استخدامها في الحرب على القاعدة و بعض الجماعات المسلحة في اليمن. لكن بغض النظر عن من المسؤول عن الغارات، فمن المرجح ان يلقي اليمنيون باللائمة على الأمريكيين. كما أننا وجدنا أن أعداد المدنيين الذين قتلوا، فاق العدد الذي أعلنه المسؤولون الحكوميون.
و تمتنع كل من الحكومة اليمنية والجيش الأمريكي من الإدلاء بمعلومات عن الغارات.
وعندما طرح السؤال حول هذا الأمر على الناطق الرسمي بإسم وزارة الدفاع الأمريكية، قال الكولونيل جاك ميلر "بينما نقر بأن الولايات المتحدة تقوم بتنفيذ غارات ضد إرهابيي القاعدة، إلا أننا لا نستطيع تأكيد عمليات مكافحة الإرهاب بعينها. نحن حريصون جداً على تجنب سقوط ضحايا مدنيين. عملياتنا الخاصة بمكافحة الإرهاب دقيقة وقانونية و فعالة."
وتعترف الحكومة اليمنية بدورها في الغارات الجوية، بالرغم أنها لا تقدم إلا معلومات محدودة و تدريجية. أعداد الضحايا التي تقدمها الحكومة عادة ما تكون أقل من تلك التي يقدمها السكان والصحفيون الذين يحصلون عليها من المواقع التي تم استهدافها، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالضحايا المدنيين.
تضارب في أعداد الضحايا
فيما يتعلق بالغارة الجوية التي استهدفت جعار منتصف مايو على سبيل المثال، قال مسؤولون يمنيون إن اثنين من المسلحين و ثمانية من المدنيين قتلوا، وفقاً للسكان الذين تحدثنا اليهم، لم يكن هناك مسلحون بين القتلى، بل كان هناك ما بين 17 إلى 26 قتيلاً من المدنيين. كان ذلك في غارة من بين أكثر من 40 غارة تم توثيقها هذا العام فقط.
و في أحد المستشفيات حيث يتلقى بعض الضحايا العلاج، تفرض رقابة شديدة على المكان. جلسنا ننتظر فتى يدعى عبدالله، كان قد نجا من الغارة الثانية في 15 مايو، شبح فتى طويل و نحيف تقدم ببطء الى الغرفة.
بقع كبيرة وردية اللون تغطي رجلي و ذراعي ووجه ورأس عبدالله. لقد أصيب بحروق كبيرة و هو الآن يعاني من ترقيعات الجلد المؤلمة. قلنا له أن المسئولين اليمنيين يقولون أن المنزل الأول الذي تم ضربه كان ملاذاً للمسلحين. قال أن الرجل الذي كان في المنزل كان مواطناً عادياً.
سألنا إن كانت الحكومة قد وزعت منشورات تحذر فيها المواطنين أن لا يتواجدوا في منازل تأوي المسلحين، كما زعم المسؤولون اليمنيون أنهم فعلوا قبل الغارة بأيام قليلة. قال عبدالله أنه لم يرى شيئاً من ذلك القبيل.
سألنا عبدالله عن تأثير الهجمات على شعوره تجاه الاشخاص المسؤولين عنها؟ كيف سيكون شعورك؟ يرد عبدالله على سؤالنا بسؤال.
في الغرفة المجاورة، رجل اسمه علي العمودي كان يئن ويحدثنا كيف ضربت الغارة الجوية منزله ومنازل ثلاثة آخرين قبل عدة أسابيع في مدينة شقرة على طول الطريق بعد جعار. إبنه ذو ال 4 أعوام وابنته البالغة من العمر 6 أعوام أصيبوا في الغارة، و ماتوا بين يديه و هو في طريقه الى المستشفى.
أربعة أطفال وامراة ماتوا ذلك اليوم. لم يقتل أي من المسلحين، وفقاً لما أدلى به الشهود. يقول العمودي أن الغارة الجوية كانت قدره.
يقول العمودي "ماذا بإستطاعتنا أن نعمل؟ كل العدل من الله."
المسلحون يختبئون في بنايات مدنية، كثير من الغارات تصيب أهدافها، ومنها الغارة التي أصابت مستشفى في جعار، الذي قال سكان إنه كان يستخدم من قبل المسلحين. أصابت نفس الغارة منزلاً في جعار قال الجيران ان مسلحين كانوا يستأجرونه.
حدثت الغارة قبل نحو شهر في إحدى ليالي الصيف الحارة، عندما خرج عدنان أحمد صالح ليستنشق بعض الهواء النقي.
يقول صالح عدت إلى الداخل و أغلقت الباب، وبعدها ضرب الصاروخ الأول. يسميها صالح صواريخ، لكنه في الحقيقة لا يعرف غير أنه كانت هناك إنفجارات، المنزل المجاور له تم تسويته بالأرض، و قتل في ذلك خمسة مسلحين مرتبطين بالقاعدة كانوا يقيمون في ذلك المنزل.
وفي اليوم التالي بحسب صالح، جاء المزيد من المسلحين و قاموا بأخذ الجثث و معظم الركام، ثم قاموا بتعويض مالك المنزل آلاف من الدولارات.
يقول صالح إنه سعيد بشكل أساسي أن المسلحين قد رحلوا. و يتمنى ان يحصل على بعض التعويض عن الأضرار التي أحدثتها الغارة بمنزله, و أن ينعم بالتيار الكهربائي المنتظم.
يقول المحامي اليمني هيكل بانافع أن القاعدة تقوم بعمل الكثير لكسب قلوب و عقول فقراء اليمن. و يضيف بانافع "إن الناس الذين تصنفهم الولايات المتحدة كمتضررين بشكل جانبي ، هم أفقر فقراء اليمن. و بحسب علمي فإنه لا توجد هناك أي محاولات من قبل الأمريكيين للذهاب الى هناك لإجراء عملية تقييم الأضرار التي خلفتها المعارك."
يقول بانافع أن بإمكان المسؤولين اليمنيين أو الأمريكيين على الأقل التحقيق في قتلى المدنيين و الإقرار بالأخطاء التي حدثت وربما تقديم التعويضات أيضاً. كما أن بإمكانهم المساعدة بشكل أفضل في بناء المستشفيات و المدارس، حتى لا يكون هناك ما يدعو إلى إلتحاق السكان المحليين بالمسلحين.
وعوضاً عن ذلك، كما يقول، فإن حملة الغارات الجوية التي تستهدف المسلحين تقوم بعض الأحيان بخلق المزيد من المسلحين.
دوافع الإنتقام
داخل غرفة المعيشة الحقيرة في منزلهم المبني من اللبن و الطوب في محافظة مأرب الصحراوية، تم استقبالنا من قبل جدار من الأطفال – عدد كبير - الذين قتل والدهم، صالح قائد طعيمان، في غارة في 14 أكتوبر 2011.
أحد الأبناء و يدعى عز الدين كان هناك عندما وقعت الغارة. قال عز الدين إنه كان مع والده وأخيه يرعون الجمال في منطقة عرفت بسيطرة القاعدة عليها. وعندما حل المساء، نام الرجال خارج المسجد. استهدفت الغارة الأولى سيارتهم. ركض عز الدين في اتجاه، ووالده و أخيه ركضوا في إتجاه آخر.
ثم جاءت غارة أخرى. يقول عز الدين "سمعت دوي إنفجار ضخم، لكني بقيت في مكاني مختبئاً تحت إطار سيارة، و لم أبرح مكاني حتى الصباح. عندما استيقظت كنت خائفاً. ذهبت للبحث عن والدي و أخي، فوجدتهم متناثرين إلى قطع."
يقول عز الدين إن والده حارب في أفغانستان في الثمانينات مع رجال التحقوا فيما بعد بالقاعدة. تقول أسرته أن الأب كان قد تخلى عن إرتباطه بالجماعة مؤخراً. و قالوا إنه كان في إحدى الفترات يتقاضى راتباً من المخابرات اليمنية.
يقول أحد أقربائه "إن كانوا يريدون اعتقاله أو قتله، فهم يعلمون مكان إقامته، لماذا قتلوه بهذه الطريقة؟"
أبناء صالح لا يدور بخلدهم سوى شيئ واحد فقط – الإنتقام. عز الدين و الآخرين يقولون أنهم يريدون محاربة قتلة والدهم، و على وجه التحديد ضد أمريكا.
و في الحقيقة، يقولون إن ابن صالح الأكبر قد انضم إلى جماعة أنصار الشريعة المرتبطة بالقاعدة. الراية السوداء للجماعة معلقة على جدار غرفة المعيشة. تقول الأسرة إن الجماعة قامت بشراء سيارة جديدة لهم لتعويضهم عن تلك التي دمرتها الغارة الجوية، و تضيف الأسرة ان الجماعة تدفع لهم راتب شهري.
إبن آخر يجلس إلى يميني و تحدق عيناه بثبات نحوي. إسمه أسامه. أخرج ورقة مجعدة كان يحتفظ بها في جيبه ووكزني لكي أنظر إليه.
إنها صورة لطائرة أمريكية.