حملـة «أوعـدنـي» تضيء قناديل الأمل و الحياة لضحايا الحبوب والمخدرات
حتى بداية الألفية الثالثة ظلت المخدرات مشكلة خارجية، نسمع عنها ونشاهدها فقط على القنوات التلفزيونية، وفي اليمن كان هناك من يمهد لتوجهات رسمية للحد من تنامي زراعة وتعاطي (القات) الذي يصنف في بعض الدول ضمن لائحة المنشطات والمخدرات.
غير أن ثمة ظاهرة محلية جديدة هي أشد خطورة وأكثر تدميراً في عواقبها أطلت علينا في مجتمعنا، وبدأت تشهد نمواً لافتاً خلال الأشهر الأخيرة لاسيما في محافظة عـدن، وهي ظاهرة تعاطي الحبوب المخدرة التي باتت تحمل مسميات مختلفة، وتنتشر بين أوساط الشباب، ما دفع نشطاء مؤسسة "صناع الحياة" إلى إطلاق حملة توعوية تحت شعار "أوعدنـي" بهدف مكافحة ظاهرة تعاطي المخدرات والحبوب الممنوعة، والتعريف حول الدمار والهلاك التي تلحقه بالشباب والأسرة والمجتمع.
وفي هذا التقرير نسلط الضوء على أهداف الحملة التي دشنت فعالياتها في محافظة عـدن، وذلك إسهاماً منا في ضرورة أن تتكاثف وتتضافر جميع المؤسسات الرسمية والمدنية والإنسانية لإنجاح
كل من شأنه يخدم مصلحة شبابنا ويحمي حياتهم ويحصن مجتمعنا من خطورة انتشار الحبوب المخدرة.
ضمن سياق جهودها الإنسانية وأنشطتها الاجتماعية، تواصل مؤسسة "صناع الحياة" في محافظة عـدن، إسهامها الفاعل في تقديم فعاليات حملة "أوعدنـي" الهادفة إلى رفع مستوى الوعي الاجتماعي والأسري والشبابي، والتنبيه حول مخاطر تعاطي الحبوب والمخدرات، والتي تم تدشينها في عـدن يوم 20 من يونيو الماضي، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر اليوم العالمي لمكافحة المخدرات.
ومبادرة "أوعدني" تعتبر واحدة من عدة مشاريع وقضايا تشرف عليها مؤسسة "صناع الحياة" في عـدن، وهي من حيث أهدافها تعد أكبر حملة للتوعية بأضرار المخدرات، متضمنة فيها مجموعة برامج وأنشطة تهدف إلى بناء وبلورة وعي اجتماعي عام يدرك أبعاد مخاطر تعاطي المخدرات ويسهم في الحد من تفشيها، في ظل مجتمع مترابط ومتكافل يتم صقله من خلال نشر ثقافة العمل التطوعي بين صفوف الشباب وتوجيه طاقاتهم الكامنة نحو خدمة مجتمعهم، والإسهام على خلق أجواء أمنة للحياة والتعايش السلمي بين مختلف شرائح وطبقات المجتمع المحلي.
مرتكزات وأهداف الحملة، وآراء القائمين عليها.
ترتكز فكرة الحملة على عدة أهداف ومحاور تسعى إلى فتح قنوات تواصل مباشرة مع الشباب المدمنين والشرائح المستهدفة، ومساعدتهم في التغلب على معاناتهم والإقلاع عن تعاطي الحبوب الممنوعة، وجعلهم شركاء أساسيين بتحمل مسؤولياتهم في توعية اقرأنهم من خطورة التعاطي والإدمان، بالإضافة إلى تفعيل دور التكافل الاجتماعي وتعزيز وظائف الجهات الرسمية مع مختلف المنظمات والمؤسسات الاجتماعية والإنسانية، وعقد مبدأ الشراكة بين الأطراف الرسمية والمؤسسات المدنية وأئمة الجوامع والتربويين والوسائل الإعلامية.
وتهدف الحملة ضمن برنامجها إلى المطالبة بتفعيل القوانين الخاصة بمكافحة المخدرات والحبوب الممنوعة، خاصة قانون "الرقابة على الصيدليات" وتوعية الصيدلانيين بأهمية مكافحة المخدرات والامتناع عن بيع الحبوب الممنوعة، إلا من خلال وصفات طبية معتمدة من مستشفيات حكومية، إلى جانب توعية العائلات والأمهات وتثقيفهن حول مخاطر المخدرات، وكيفية التعامل مع الأشخاص المتعاطين وطرق الوقاية من الانجرار إليها.
تقول الأخت "فائزة التميمي" مسؤول إدارة البرامج والمشاريع في مؤسسة "صناع الحياة" ومنسقة الحملة، إن الدافع الرئيسي وراء تبنيهم لفكرة مشروع الحملة، تعود إلى تفشي بعض الظواهر والجرائم المتعلقة بالمخدرات وتعاطي الحبوب المخدرة وانتشارها بين شرائح الشباب والمراهقين، والتي ظهرت على سطح المجتمع إلى درجة لم يكن يتصورها أو يسمع عنها أحد من سابق.
وتضيف "التميمي" لقد كان الدافع من تدشين الحملة ينبع من مخاوفنا وخشيتنا بأن تتحول ظاهرة تعاطي الحبوب المخدرة إلى ظاهرة اعتيادية مثل ظاهرة تعاطي "القات"، لهذا تحملنا على كاهلنا مسؤولية اتخاذ وقفة جادة وحازمة في مكافحة الظاهرة والتقليل من الطلب عليها، من خلال إشراك جميع مؤسسات المجتمع المدني والفئات الاجتماعية لأجل بناء وإرساء جدار قوي ومتين يحمي مجتمعنا من المشكلات الخطيرة التي قد يعانيها، مستطردة.. أن حملة "أوعدني" للتوعية بأضرار المخدرات تنصب في سياق تفعيل وظائف المجتمع المدني في عـدن، لأجل إيصال رسالة يتحمل من خلالها الجميع مسؤوليتهم إزاء حماية الشباب وتوعيتهم من المخاطر التي تسببها هذه الآفات من الحبوب المخدرة، والحد من تعاطيها.
فيما يؤكد بقية القائمين على أهداف الحملة، أن الانتشار المخيف لظاهرة تعاطي المخدرات وبأنواعها المختلفة، كانت وراء انتشار جرائم الاغتصاب والسرقة المصاحبة لأعمال القتل ونشر الخوف بين الناس وتقلق أمنهم وسكينتهم، والتي يرتكبها المدمنين دون وعياً أو إحساساً منهم.
لذلك كان لابد من تدخل للحد من تفشي هذه الظاهرة، وحماية الشباب والأطفال من الوقوع ضحايا في براثن التعاطي والإدمان، مطالبين على ضرورة أن يكون هناك تضافر وتكاتف بين كافة جهود المؤسسات الرسمية والاجتماعية للوقوف أمام هذه الظاهرة ومحاربتها، وهي مسؤولية تقع على عاتق الجميع في المجتمع.
حكايات واقع مؤلم عن ضحايا أدمنوا المخدرات يرونها بألسنتهم.
ضمن عدة حكايات وشواهد حية ومؤلمة، أعدها القائمون على حملة "أوعدني" واستنبطوها من لسان عدد من الضحايا الذين سقطوا فريسة تعاطي الحبوب والمخدرات، نستعرض بعض النماذج لاعترافات وردت على ألسنتهم، منها حكاية شابة روت مأساتها مع شقيقها المدمن، حيث قالت.. وثقت بأخي ولكنه خان ثقتي، فقد كان مدمناً وكنت دائماً أقف ضده، فوضع لي المخدر في كأس من "العصير" فأعجبني طعمه، وكنت دائماً أطلب ما أعجبني باستمرار حتى أدمنت عليه، وذات مرة طلبت من أخي أن يعطيني ما كان يضعه في "العصير" ولكنه رفض حتى أمكنه من نفسي وفعلتها.
وتضيف.. بعد مرور الأيام صعق أهلي بخبر إدماني، بعدما كانوا يمنحوني الثقة ويعطوني كل ما أريد دون حسيب أو رقيب، وحينما عولجت من حالة الإدمان، اكتشفت بأني وأخي مصابين بالإيدز.
وهذه حكاية أخرى لأحد المواطنين الذي قال في كلامه، كان لي قريباً يمتلك "بقالة" في عـدن، وكانت هذه "البقالة" مصدر رزقه، وعندما تعرف قريبي على مجموعة من الشباب المتعاطين، شكا لهم بأنه لا يستطيع النوم فأعطوه حبوب مخدرة ليتناولها مع "القات" وبعد أيام أصبح قريبي كالمجنون فأهمل فتح "بقالته" ولم يعد يهتم بحياة أسرته حتى باع كل ما يملك، وخسر حياته.
ويقول احد الشباب المدمنين، بدأت أتعاطي الحبوب المخدرة بمختلف أنواعها، هروباً من الواقع الأسود المليء بالمشكلات والفراغ الذي كان يملئ حياتي، مضيفاً.. كانت رغبتي في البداية هي حب استطلاع في تقليد الآخرين، ولكني أصبحت مدمناً.
ومن ضمن فصول المآسي المؤلمة التي تروى على لسان بعض المدمنين، نختتم بحكاية رجلاً مسناً ذهب شاكياً وباكياً إلى مدير النيابة، وحين تم سؤاله عن سبب بكائه، رد الرجل المسن بصوت حزيناً ومتحشرجاً، أنفقت على "ولدي" كل ما أملك ولم أبخل عليه بشيء، ولم أكن أسأله يوماً أين كان ينفق ويبدد أمواله، ضناً بأني قد أحسنت تربيته لهذا لم أكن أراقبه أو أحاسبه، حتى اكتشفت في النهاية بأن "ولدي" أصبح مدمن.
ولاشك هناك الكثير من الحكايات والمآسي التي تدخل ضمن أسرار البيوت، وتحطيها الكثير من الخصوصية الأسرية والتحفظ في الكشف عنها، طالما بقيا الخطر الحقيقي مستشرياً بوضوح على سطح المجتمع، من خلال وجود الكثير من أصناف الحبوب المخدرة التي تحمل مسميات مختلفة، ويتم نشرها وتعاطيها بين أوساط الشباب في عـدن، دون وعياً أو إدراك بالآثار السلبية والخطيرة على حياة متعاطيها، ونتائج الآثار والكوارث المأسوية التي تخلفها تلكم الحبوب على حياة الفرد وسلامة المجتمع، حتى غدت الحبوب المخدرة قضية كبيرة وظاهرة هي الأشد خطورة في واقعنا.
سلسلة برامج وندوات وتنسيق تبنتها الحملة مع مختلف المؤسسات الاجتماعية.
من أبرز الأنشطة التي نفذتها مؤسسة "صناع الحياة" ضمن نطاق حملة "أوعدنـي" تنظيم وعقد سلسلة من الدورات والندوات وورش العمل المختلفة مع الهيئات والمؤسسات الاجتماعية المعنية في محافظة عـدن، أبرزها تنظيم ورشة عمل تنسيقية مع مكونات المجتمع المدني بحضور 60 جهة شاركت في تنفيذ أعمال التوعوية وصياغة المشاريع التي تستهدف فئة المتعاطين والأكثر عرضة للتعاطي، إلى جانب تنظيم وورشة عمل وتنسيق مع وسائل الإعلام المختلفة، بغرض تفعيل دورها في تناول وإبراز الأحداث الجنائية المتعلقة بقضايا المخدرات وربط مسبباتها الحقيقية، عبر التحقيقات والمقالات وإنتاج البرامج التثقيفية التلفزيونية.
كما شملت المبادرة تدشين فعالية لذات الخصوص، في كلية العلوم الإدارية بجامعة عـدن، والإعداد لتدريب 30 طالب جامعي، إلى جانب تدريب و60 شاباً وشابة وتدريبهم على مهارة إعداد المواضيع وإدارة المحاضرات، وتعريفهم بأساليب التوعية والوقائية وكيفية إيجاد الحلول بشأنها، وتشكيل منها مجموعات عمل مشتركة تتبنى جهودها الطواعية في مواصلة الحملة عبر النزول الميداني، والتعريف بأهدافها ونشرها في كل مديريات عـدن، ووضع مصلقات وشعارات ورسومات توعوية على واجهة شوارع المدينة.
كما نظمت الحملة ورشة عمل لأئمة وخطباء المساجد، بحضور 30 إمام وخطيب وعدد من الشباب، جرى مناقشة عدة محاور أبرزها تفعيل دور الأئمة والخطباء من خلال وظائفهم على المنابر والخطب والحلقات الدينية، وكذا تفعيل دور الشباب في المسجد وتفعيل دور المسجد في إطار الحي، بما يحقق الالتزام في خدمة المجتمع وحماية شبابه من المخاطر التي تحدق به، بالإضافة إلى تنظيم ورش عمل مع مجموعة من الأخصائيين الاجتماعيين والتربويين في المدارس والثانويات العامة، وتفعيل دورهم التعليمي والإشرافي، وكذا مع العائلات والأسر لتتحمل مسؤوليتها في تنوير أبنائها عن مخاطر المخدرات وما يسببه الإدمان من هلاك على صحة الفرد ومخاطر تهدد سلامة المجتمع، وعملت الحملة أيضاً ضمن أهدافها التنويرية إنتاج أفلام وثائقية تتطرق إلى خطورة تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات والحبوب المخدرة، وتنفيذ بشأنها عدة فعاليات في المدارس عبر مجموعات عمل تعمل على إعداد مشروع متكامل لعلاج المتعاطين.