جمهــوريــة على ظهــر سيكل
منذ خمسة أعوام حتى يومنا هذا، تشهد شوارع وأزقة صنعاء ومختلف عواصم المحافظات اليمنية جرائم دخيلة على المجتمع اليمني، لم يسبق وأن وقعت في أي وقت مضى. إنها جرائم سائقي الدراجات النارية الذين شكلوا باتوا يشكلون رعباً للساسة وضباط وأفراد الأمن والجيش ومسؤولي الدولة ورجال الأعمال، وحتى المواطن العادي الذي لم يسلم من بطشهم وتنكيلهم. مئات البلاغات التي تفيد بوقوع جرائم بشعة ارتكبها سائقو الدراجات النارية تملأ سجلات أقسام الشرطة وإدارات البحث الجنائي، ولكن الفاعل دائماً "مجهول"، وكأن المتهم الجاني "شبح" يسرح ويمرح، يقتل هذا ويسرق ذاك، وهو على يقين من أنه سيفلت من العقاب. أكثر من 177 جريمة تنوعت ما بين الإغتيال والقتل العمد وشروع في القتل والسرقة والإيذاء العمدي الجسيم، ارتكبها بعض سائقي الدراجات النارية في صنعاء لوحدها منذ منتصف العام الفائت حتى يوما هذا، بحسب بلاغات تقدم بها مواطنون لأقسام شرطة وفق إفادة مصدر أمني لـ"العربي"، بالإضافة إلى وقوع مئات الجرائم التي ترتكب باستخدام الدراجات، دون أن يسجل الضحايا أي بلاغات رسمية للأجهزة الأمنية.
عجز وفوضى
ومنذ اندلاع الحرب، سادت الفوضى وتفشت البطالة وازدادت رقعة الفقر في أوساط الشباب، الذين اضطروا لقبول أي فرصة عمل تؤمن لقمة المعيشة لهم ولأسرهم، خاصة بعد انقطاع صرف مرتبات موظفي الدولة بشكل منتظم، واستغناء شركات القطاع الخاص عن بعضهم. يقول الناشط الحقوقي، عبد الله المجيدي، في حديثه إلى "العربي"، إن "الشباب العاطل وأرباب الأسر لم يجدوا سوى الدراجة النارية التي اعتبروها مصدر رزق يومي، وحتى معظم أصحاب التاكسي اضطروا لشراء الدراجات وبيع سياراتهم بسبب عدم توفر البترول بانتظام ولغلاء ثمنه وكون الدراجات النارية اقتصادية في استهلاك البترول أكثر من السيارات". هذه الحالة أدت إلى ازدياد عدد سائقي الدراجات النارية بشكل مهول، وتلك الزيادة أدت إلى رخص في أجرة مشاوير الدراجات، مما جعل العصابات المنظمة تستقطب المتذمرين من حالة الكساد التي أصابت وسيلة النقل الأرخص والأسرع في معظم القرى والمدن اليمنية، وبذلك انتشرت الجرائم وآخرها سرقة الحقائب من النساء وهذا ما لم يحصل من قبل في اليمن.
لا يعرفون العيب
وتتعدد قصص القتل والسرقات التي باتت تُحكى على ألسنة الناس كل يوم. ففي الشهر الماضي وسط شارع الزبيري بصنعاء، أقدم سائق دراجة نارية في وضح النار على سرقة حقيبة امرأة بالقوة، حتى أنها سقطت أثناء خروجها من أحد المحال التجارية، وعلى مرأى ومسمع من الناس لم تفلح الجهود التي بذلتها الأجهزة الأمنية في كبح جماح المجرمين الذين لم يحركوا ساكناً، ولم يكلفوا أنفسهم بملاحقة السارق لأنهم خائفون منه، كونه يحمل مسدساً نارياً. وفي حي شملان جنوب شمال صنعاء، أقدم مسلحون ملثمون كانوا يستقلون دراجة نارية على إطلاق وابل من الرصاص على شخص كان على متن سيارة "هايلوكس" حتى أردوه قتيلاً. وفي منطقة حزيز جنوب صنعاء، قام سائق دراجة نارية بقتل شيخ كبير في السن وسرقة أموال كانت بحوزة الشيخ الذي كان متوجهاً لمحل صرافة في ذات المنطقة. ذلك جزء من مئات القصص التي تحدث كل يوم وسط عجز الأجهزة الأمنية عن ملاحقة المجرمين.
تصفية حسابات
ولم تفلح الجهود التي بذلتها الأجهزة الأمنية طيلة الفترات التي سبقت وقوع الحرب في البلاد في كبح جماح المجرمين، الذين طوروا من أساليبهم حتى أضحت الجرائم التي ترتكب بواسطة الدراجات النارية تشكل ما يزيد عن 95 بالمائة من إجمالي جرائم القتل والشروع بالقتل في اليمن. وتتنوع دوافع الجرائم التي ترتكب بواسطة دراجات الموت؛ فعقب تشكيل حكومة الوفاق في العام 2011، كانت أكثر عمليات الإغتيال التي نفذت بواسطة الدراجات النارية ذات دوافع "سياسية"، حيث قتل في تلك الفترة ما يزيد عن 40 ضابطاً وفرداً من الأمن والجيش وعدد من السياسيين. وفي الفترة نفسها، استخدمت الدراجات النارية لاغتيال عدد من الدبلوماسيين والخبراء العسكريين الأجانب بدوافع "إرهابية"، من قبل عناصر تتبع تنظيمات دينية متطرفة كـ"القاعدة" وغيرها من الجماعات المسلحة التي تنشط خارج إطار الدولة. وعلى إثر تلك الأحداث، قررت السلطات آنذاك منع تجوال الدراجات النارية نهائياً، وصودرت الدراجات المخالفة للقرار. وعقب اجتياح "أنصار الله" (الحوثيين) العاصمة صنعاء، قررت الجماعة إطلاق الدراجات النارية التي كانت تحتجزها الأجهزة الأمنية. واليوم تتكرر الجرائم التي ترتكب بواسطة الدراجات النارية وبشكل مخيف في صنعاء وعدن وحضرموت وتعز، وهي أكثر المحافظات التي تزداد فيها جرائم الدراجات.
وفي هذا السياق، يقول العميد محمد حزام، الخبير في الإعلام الأمني، في حديثه إلى "العربي"، إن "انتشار الجرائم عن طريق الدراجات النارية منذ العام 2011 جعل الأجهزة الأمنية في حالة استنفار دائم لملاحقة المجرمين. وقبل ثلاثة أعوام، أقيمت عدة خطط لترقيم الدراجات النارية غير المرقمة بعد خضوعها للترسيم الجمركي في مختلف المحافظات، بهدف الحد من وقوع تلك الجرائم ولكن دون جدوى. واليوم للأسف، تزداد جرائم سائقي الدراجات النارية الذين أصبحوا أكثر تنظيماً، بمعنى أن هناك عصابات متخصصة في سرقة كبار السن وعصابات متخصصة في سرقة النساء، وحتى أن هناك عصابات متخصصة في سرقة المسلحين المواطنين والعسكريين، وهنا الطامة الكبرى، والحل أن يسود النظام والقانون وأن تفعل أجهزة القضاء". ودخلت اليمن منذ العام 2011 حتى يومنا هذا، أكثر من مائة وخمسين ألف دراجة نارية، بحسب تقدير مصدر في وزارة الصناعة والتجارة. ويعاب على الدراجات النارية أنها من مصادر الإزعاج، كما أنها سبب لمعظم الحوادث المرورية في اليمن.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها