اليمــن ..بين الحل السياسي وخيار الحسم العسكري
تراجعت بشكل ملحوظ إمكانية إيجاد مخرج سلمي للأزمة اليمنية، في ظلّ التطورات الميدانية اللاّفتة التي حدثت مؤخّرا وجعلت سيناريو الحسم العسكري أقرب للتحقّق من أي وقت مضى، مع التقدّم الكبير المسجّل من قبل القوات الموالية للشرعية والمدعومة من التحالف العربي باتجاه انتزاع الشريط الساحلي الغربي ذي الأهمية الاستراتيجية القصوى من أيدي المتمرّدين الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وفي مؤشّر على انسداد أفق الحلّ السياسي، ظهر الفتور على تحرّكات المبعوث الأممي إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ أحمد حيث تراجع حراكه الدبلوماسي في البحث عن حلّ سياسي شامل يضمن مخرجا سلميا للأزمة، إلى مجرّد البحث عن هدنة جديدة لا يتوّقّع في حال التوصّل إلى إقرارها – وهو أمر مستبعد – أن تكون أقدر على الصمود من سبع “هدنات” سابقة.
وبدا ولد الشيخ وهو يحاول إقناع طرفي التمرّد في صنعاء جماعة أنصار الله الحوثية وحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح خلال آخر زيارة له إلى العاصمة اليمنية، بالمشاركة في تفعيل لجنة التهدئة، في موقع من تجاوزته الأحداث المتسارعة في البلد.
وارتكب المبعوث الأممي خطأ إجرائيا يمسّ مبادئ المنظّمة التي يمثّلها، حين التقى في صنعاء بهشام شرف وزير الخارجية في الحكومة غير المعترف بها أمميا ودوليا، ما أثار غضب الحكومة الشرعية رغم تأكيد ولد الشيخ أنّه التقى شرف بوصفه واحدا من قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام.
ولخّصت الوضعَ اليمني القائم حاليا الجلسةُ التي عقدها مجلس الأمن الدولي الخميس الماضي حول الأزمة في اليمن، وأدلى خلالها ولد الشيخ بإحاطته التي كشفت فيها عن جمود غير مسبوق في مسار الحل السياسي وأن الوضع لم يتغير منذ رفع مشاورات الكويت مطلع أغسطس الماضي.
وكان الشارع اليمني يترقب ما ستخرج به إحاطة المبعوث الأممي، بتفاؤل حذر، متوقّعا أن تكون جولته الإقليمية التي شملت عواصم عربية ولقاءات مع طرفي النزاع في عدن وصنعاء، قد أحرزت تقدما ما باتجاه الحل السياسي المنتظر، لكن الإحاطة جاءت مخيبة للآمال.
ويتوقّع المتابعون للشأن اليمني أن تشهد الأيام القادمة تصعيدا عسكريا هو الأكبر على الإطلاق. فبموازاة الانتصارات التي حققتها القوات الحكومية مسنودة بالتحالف العربي في جبهة المخا، غربي مدينة تعز، ظهر زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي مساء الجمعة على شاشة التلفزة وهو يدعو أنصاره لـ”التعبئة العامة وعدم التخاذل والوهن”.
ويبدو أن ظهور زعيم الحوثيين “غير المعهود”، والذي كان يحرص على الظهور العلني في مناسبات دينية فقط، هدفه رفع معنويات مقاتليه الذين يتعرضون لهجوم هو الأشدّ من القوات الحكومية والتحالف العربي.
ولم يكن الرفض للخارطة الأممية التي طرحها ولد الشيخ من جانب الحكومة الشرعية التي تطالب بتعديل البند الخاص بتعيين نائب رئيس جمهورية جديد تؤول إليه صلاحيات الرئيس، وتتمسك بهادي رئيسا حتى إجراء انتخابات رئاسية جديدة هو العقدة الوحيدة أمام الأمم المتحدة، فالحوثيون أيضا أظهروا تعنتا جديدا بعد موافقة مبدئية.
وفقا للمبعوث الأممي، فقد وافق الحوثيون وصالح على خارطة الطريق كورقة عمل قابلة للبحث والتفاوض في نوفمبر الماضي و”كان ذلك مؤشرا إيجابيا، إلا أنهم امتنعوا عن تقديم أي طروحات عملية وعن وضع خطة مفصلة للترتيبات الأمنية تتطرق إلى تفاصيل الانسحاب وتسليم الأسلحة الثقيلة”.
وعزا المبعوث الأممي عدم التقدم في الخارطة الأممية إلى عدم تقديم الحوثيين تلك الورقة التي تقدم ضمانات وخطة للانسحاب العسكري من صنعاء، وقال إن “الشق الأمني جوهري في المقترح وأساسي للسلام”.
ولم يكتف ولد الشيخ بإلقاء اللائمة على الحوثيين في تعقيد مسار الحل السياسي، بل حمّل الجانب الحكومي جزءا من المسؤولية، وقال إن”انتقاد الرئيس هادي المتواصل للمقترحات من دون القبول بمناقشتها لتعديل بنودها يقوض الثقة بمسار السلام و يطيل أمد الصراع”.
وأفصحت إحاطة المبعوث الأممي عن أن ثلاث جولات من المشاورات التي رعتها الأمم المتحدة بين طرفي النزاع، والعشرات من الجولات المكوكية التي أجراها ولد الشيخ بين العواصم الإقليمية والغربية منذ العام 2016 لم تُحدث أي خرق في جدار الأزمة اليمنية، وأن تصريحاته بـ”قرب الحل السياسي” لم تكن أكثر من سراب.
ويرى فارع المسلمي رئيس مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية أن “الحل السياسي لا يزال في مربعه الأول منذ أن بدأ يلوح في الأفق، لسبب بسيط هو أنه لا توجد جدّية محلية أو إقليمية أو دولية للضغط باتجاهه”.
وقال المسلمي في حديث لوكالة لأناضول إن “تبشيرات ولد الشيخ في السابق لم تكن تنطلق من أي معطيات واقعية، وهو لم يتحرك من المربع الأول أصلا”.
واعتبر المسلمي، وهو أيضا باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للسلام للشرق الأوسط أن “الدور الممنوح لولد الشيخ والأمم المتحدة هو إدارة هذا النزاع وليس حله”، لافتا إلى أن هناك فارقا مهما بين الأمرين.
وعلى الرغم من الانسداد الواضح في مسار السلام اليمني، والتخبط الذي يعيشه البلد العربي الفقير في دوامة العنف والصراعات، إلا أن المبعوث الأممي، أصر في إحاطته على أن هناك “ملامح واضحة للخروج من الأزمة”، ترتكز على خارطته التي سبق أن قدمها كأساس للحلّ.
ويقول ولد الشيخ إن مقترحه وإن كان يفرض بعض التنازلات، إلا أنه يرتكز على متطلبات الطرفين ويأخذ بعين الاعتبار العوامل السياسية والأمنية والاجتماعية في البلاد ويفسح المجال لمستقبل آمن لليمن واليمنيين.
وأبلغ المبعوث الأممي المجتمع الدولي في مجلس الأمن، أنه سوف يقدم للأطراف جدولا مفصلا يعكس التسلسل الزمني، بحسب تصوره لأبرز المراحل السياسية والأمنية. ودعا تلك الأطراف إلى “التحلي بالحكمة السياسية والمسؤولية الوطنية حتى يحقق التقدم الضروري في هذا الملف”.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني أحمد الزرقة إن “المبعوث الأممي بصدد توديع المشهد اليمني، بقدر كبير من خيبة الأمل بعد عامين من المحاولات غير الموفقة لإيجاد انفراجة ولو جزئية في الأزمة”.
وأضاف الزرقة أن “ولد الشيخ كان يعول على الضغوط الأميركية التي جاءت في الوقت الضائع وتلاشت بمغادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لمنصبه، وانشغال بقية الأطراف الدولية بالترتيب لما بعد وصول ترامب للبيت الأبيض”.
وأشار إلى أن “مستقبل التسوية السياسية في اليمن غير واضح الملامح، ومازالت مختلف الأطراف متمسكة بمواقفها السابقة، ولم تنجح الجهود الدولية والإقليمية في حلحلة مواقف الأطراف أو حتى العمل على تقريب وجهات نظرها”.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها