نتيجة غير متوقعة للحرب في اليمن
النساء في هذه القرية لم يكسبن الأموال مطلقاً، كما لم يخرجن من منازلهن دون إذن من أزواجهن. وكانت الأمور تسير على هذا النحو منذ عهد طويل.
ثم نشبت الحرب.
والآن، وكما يقول تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، وقبل بزوغ الفجر يومياً، تتوجه الأمهات والبنات نحو الجبل لجمع الأخشاب وتحويلها إلى فحم نباتي ثم بيعه، بينما يمكث الرجال بالمنازل لرعاية الأطفال، والاضطلاع بمهام الطهي والتنظيف في بعض الأحيان.
دائماً ما كان اليمن يحتل مرتبة متدنية بين البلدان فيما يتعلق بمكانة المرأة، وزادت الحرب من صعوبات الحياة. ومع ذلك، يبدو أنه يجري حالياً إعادة تقويم اجتماعي غير متوقع في ربوع الدولة الأكثر فقراً بالشرق الأوسط، بحسب ما ذكره عمال المساعدات.
نفوذ جديد
وبينما تؤدي الحرب إلى القضاء على الوظائف وينضم عدد لا حصر له من الرجال إلى القتال، تتولى النساء بأعداد متزايدة مهمة توفير الدخل لأسرهن. وغالباً ما يعملن في مجالات كانت ضمن اختصاصات الرجال أو من غير المقبول من الناحية الثقافية أن تضطلع بها المرأة في المجتمع القبلي الأكثر تحفظاً باليمن. فالبعض يعملن حالياً في مهن الجزارة والحلاقة وبيع الطيور والتفاعل اجتماعياً بوسائل لم يكن لأمهاتهن أو جداتهن تصورها مطلقاً.
ففي المنطقة التي لا تحظى فيها المرأة بأي سلطة مقارنة بالرجل، منحت التغيرات المرأة اليمنية نفوذاً جديداً داخل أسرتها ومجتمعها. ومع ذلك، فقد كان لتلك التغيرات آثارٌ سلبية أيضاً.
وذكر وائل إبراهيم، المدير القطري لوكالة المعونة CARE باليمن: "حصلت المرأة على سلطة أكبر خولتها اتخاذ القرارات داخل نطاق الأسرة. ومع ذلك، فقد تحدثت العديد من النساء أيضاً عن نشوب خلافات حادة داخل الأسرة".
منذ 5 سنوات، كان هناك تفاؤل كبير تجاه دور المرأة اليمنية.
شارك الآلاف في الثورة التي قضت على النظام السياسي للبلاد وأنهت 3 عقود من حكم علي عبدالله صالح. وشغلت النساء أدواراً قيادية في تنظيم المظاهرات في أنحاء البلاد، وكانت أشهرهن توكل كرمان، التي حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 2011.
وبحلول عام 2014، حققت المرأة تقدماً كبيراً في السعي وراء المزيد من التمثيل في الحكومة والتأكيد على حقوقها الضائعة. وعلى سبيل المثال، بدأ زواج الأطفال في التراجع. ومع ذلك، لم تصل الإنجازات إلى مناطق مثل قرية الجوبايا، التي لا يتم بها تطبيق الثقافة والأعراف والقوانين الحديثة المتعلقة بحقوق المرأة.
وفي العام التالي، سيطر متمردو الشمال المعروفون باسم الحوثيين على العاصمة صنعاء وأطاحوا بالرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته. ويسيطر المتمردون حالياً على شمالي غرب اليمن، بينما تسيطر قوات هادي على أجزاء من جنوب وشرق اليمن.
تدخل التحالف الإقليمي بقيادة المملكة العربية السعودية التي تدعمها واشنطن لصالح الرئيس هادي. ويذكر مسؤولو الأمم المتحدة لشؤون المساعدات الإنسانية أن النزاع قد أودى بحياة 10 آلاف يمني على الأقل، ومن بينهم مدنيون. وفر نحو 3 ملايين شخص من منازلهم. ويحتاج ثلثا سكان الدولة البالغ عددهم 27 مليون نسمة إلى مساعدات إنسانية.
ومنذ سبتمبر/أيلول 2015، ازدادت معدلات العنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك عمليات الاغتصاب والاعتداء الأسري، بنسبة 70%، وفقاً لمسؤولي المساعدات، كما ارتفعت معدلات زواج الأطفال. وحرم النزاع المزيد من الفتيات والنساء من إمكانية الحصول على التعليم والرعاية الصحية وانتهت مشاركة المرأة في الأنشطة الأهلية.
وذكر سكوت بول، كبير مستشاري السياسات الإنسانية بمنظمة أوكسفام للمساعدات الإنسانية في الولايات المتحدة: "ربما تتمثل أشد التبعات الاجتماعية المقلقة للحرب في تأثيرها على حقوق ومكانة المرأة. وقد ساعد الاعتداء على الاقتصاد اليمني على كسر الحواجز أمام مشاركة المرأة في القوى العاملة. ولسوء الحظ، تم استبعاد المرأة من المشاركة في العملية السياسية".
إعادة صياغة دور المرأة
ومع ذلك، أعاد النزاع صياغة وتشكيل دور المرأة داخل نطاق الأسرة.
مع انهيار الاقتصاد جراء الضربات الجوية التي تقودها المملكة العربية السعودية، تحاول الأسر توفير الدخل بأي وسيلة ممكنة. فقد لقي آلاف الرجال مصرعهم أو أصيبوا خلال الحرب، ما أدى إلى حصول المرأة على سلطة أكبر داخل نطاق الأسرة.
وفي قرية جوبايا الصغيرة الواقعة شمالي غرب اليمن، كان العديد من الرجال يعملون بمواقع البناء والمطاعم والوظائف في المملكة العربية السعودية. ومع إغلاق الحدود، اختفت فرص العمل واتجه بعض الرجال للمشاركة في القتال، بينما توجه البعض جنوباً للبحث عن عمل في صنعاء ولم يعودوا مطلقاً. وحاول الباقون تولي رعاية أسرهم.
لقد استنفدوا مدخراتهم في البداية ثم اضطروا إلى بيع ماشيتهم.
وحينما لم يجد محمد كويت البالغ من العمر 41 عاماً أي خيارات أمامه، ذهب إلى شخص لم يتوقع مطلقاً أن يطلب منه المساعدة، وهي زوجته. ووضعا خطة. كانت تتولى جمع الأخشاب يومياً من أجل تحويلها إلى فحم وبيعها، بينما سعى محمد إلى العمل المياوم. وفي الأيام التي لا يجد بها أي عمل يقوم به، كان يساعدها فيما تفعله.
وقال كويت: "لست سعيداً، لكني مضطر للقيام بذلك. لا أحد يقبل أن يرى زوجته تخرج للعمل وتعاني".
والآن، يخوض كويت مجالاً جديداً مرة أخرى. فهو يساعد في تنظيف المنزل ويحمل الماء من البئر. وإذا ما وصلت زوجته متأخرة من عملها، يساعدها في إعداد العشاء. ويصر كويت أنه "لا يزال يسيطر على زمام الأمور"، لكنه يقر بأن علاقته بزوجته قد تغيرت.
وقال كويت: "في الماضي، كان لزوجتي الحق في أن تبدي رأيها فيما يتعلق بإدارة شؤون المنزل. والآن، أتشاور معها في أمور أخرى، وخاصة فيما يتعلق بالدخل. فقد أصبح عبء العمل ينقسم بيننا حالياً".
وقد وجدت دراسة حديثة أجرتها منظمتا Care وأوكسفام وغيرها من المؤسسات المشاركة في الأعمال الإنسانية في 4 من مناطق اليمن البالغ أن انتكاسات العمل ونقص الوظائف أديا إلى زيادة النزاعات بين الأزواج والزوجات في بعض المناطق.
ومع ذلك، ذكرت الدراسة أن هناك تقديراً كبيراً في مناطق أخرى لدور المرأة والرجل و"شعور رائع بعدم إمكانية استغناء أي منهما عن الآخر". وكان هناك "قبول متزايد" لعمل المرأة في الوظائف التي كانت تعتبر "مخزية"، بما في ذلك مهن الجزار أو الحلاق أو بائع الطيور".
لم يتم السماح لشابون على مدار حياتها بالمشاركة في الأنشطة المجتمعية أو البحث عن وظيفة. وقد اضطرت إلى ترك المدرسة من أجل الزواج وإنجاب الأطفال.
وذكرت والدة الأطفال الثمانية، التي ترتدي عباءة سوداء ونقاباً يغطي جسدها ووجهها باستثناء عينيها كأي امرأة أخرى هنا "كنت أمكث بالمنزل وأتولى رعاية أطفالي فقط".
أصبحت حالياً تتوجه إلى الغابة الجبلية لجمع الأخشاب بعد إعداد الإفطار. ويتولى زوجها حسن عبده إبراهيم إطعام الأطفال وجمع المياه وغسل الملابس أثناء فترة تواجدها بالخارج.
وقال ببعض الضيق: "إننا متساوون بالمنزل ولا يوجد فارق بيننا. لا خيار أمامي في ذلك".
وحينما تعود إلى المنزل، يساعدها في تحويل الأخشاب إلى فحم نباتي ويذهبان معاً إلى السوق. ويبيع الزوجان كل حقيبة يستغرق إعدادها أسبوعاً كاملاً مقابل 3.5 دولار فقط.
وذكرت شابون أنها تحضر ورش العمل التي تنظمها وكالات المساعدات الإنسانية في المناطق المجاورة. وقالت: "إنني أخبر زوجي بشأن سفري ولا يمانع"، مضيفة أنه يذهب معها إذا ما استطاع أحد الجيران تولي رعاية الأطفال.
والتساؤل المطروح الآن هو: ماذا سيحدث لعلاقتهما ودورها الذي تضطلع به بعد انتهاء الحرب؟
وقالت شابون قبل أن تلفت الانتباه لحقيبة الفحم المملوءة إلى منتصفها أمام منزلها المصنوع من الطوب اللبن، حيث كان زوجها واقفاً لتقديم المساعدة: "أتمنى أن أقف بجانبه في السراء والضراء".