كيف يدير اليمن الحرب ضد الحوثيين بعد الخطة الأممية؟
بعد رفض الرئاسة اليمنية لخطته عاد المبعوث الدولي، إسماعيل ولد الشيخ، إلى صنعاء لمقابلة وفد الانقلابيين الذي تحفظ على كثير من نقاطها، بيد أنه اعتبرها "أرضية" تؤسس لجولة حوار جديدة.
ولد الشيخ يعود للعاصمة اليمنية بعد إحاطته لمجلس الأمن، ومطالبته بدعمه للخطة التي يتوقع أن يدور حولها مشروع قرار بريطاني لم يُقدم بعد لأعضاء المجلس، وسط ما يراه المتابع اليمني توجهاً دولياً لدعم خطة ولد الشيخ.
وهذا الدعم يأتي رغم ما حملته من نقاط رفضتها الرئاسة اليمنية وتحدث عنها رئيس الوزراء، أحمد عبيد بن دغر، في معرض لقائه السفير الأمريكي لدى اليمن الخميس، أنها وإن قُبلت شكلاً فإنها مرفوضة لتعارضها مع المرجعيات الوطنية التي اعتمدت أساساً للحوار الوطني وكل حوار.
وتجرد الخريطة الأممية الرئيس هادي من صلاحياته التي ستنتقل إلى نائب رئيس جمهورية توافقي، سيكون هو المخوّل بتكليف شخص بتشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الحوثيون.
وكان المبعوث الأممي قد كشف رسمياً عن تفاصيل الخريطة في إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي، الاثنين الماضي، لافتاً إلى أنها تتضمن تعيين نائب رئيس جمهورية، وتشكيل حكومة، وصولاً إلى انتخابات جديدة.
وقال ولد الشيخ في إحاطته، إن الخريطة ترتكز على "إنشاء لجان عسكرية وأمنية تشرف على الانسحابات وتسليم الأسلحة في صنعاء والحديدة وتعز".
التطور اللافت حول خطة ولد الشيخ هو تحرك الشارع اليمني بمسيرات رافضة شهدتها محافظات عدن وتعز ومأرب وحضرموت، نددت بالخطة التي رأت فيها إعادة إنتاج وإحياء القوى الانقلابية في المشهد السياسي، مقابل إضفاء الشرعية على الانقلابيين، وعبروا عن دعمهم للحسم العسكري ما لم تكن الحلول السياسية تلبي تطلعات المواطنين.
وبينما تضمنت إحاطة ولد الشيخ لمجلس الأمن جملة "اليمن أسير للقرارات الشخصية"، يرى المحللون أن رفض الخطة ليس من منطلق الحفاظ على المنصب من قبل هادي؛ لأنه لم يقم بانقلاب ولم يبدأ الحرب، بل جاء الرفض من الشعب والحكومة والرئيس والجيش الوطني والمقاومة عبر بيانات ومسيرات؛ وذلك للمخاوف من عودة نيران الحرب من تحت رماد بنود المقترح الأممي، الذي قيل إنه جاء لمكافأة الانقلابيين ومعاقبة الشرعية.
ويرى البعض أن هذه الخطة تعيد الحكم إلى الدولة العميقة تحت ظل الانقلابيين، وهي تناقض تماماً المبادرة الخليجية التي أنهت فترة حكم المخلوع علي صالح عام 2011، بعد أن قدم اليمنيون ثمناً باهظاً منذ ذلك التاريخ، ويقولون إنه من غير المنطقي القبول بحلول تتعارض مع الأهداف التي خرج الشباب من أجلها، وحققوا جزئية إزاحة صالح من الحكم بعد أكثر من ثلاثة عقود.
الصحافي والكاتب علي الفقيه رأى أن مبادرة ولد الشيخ الجديدة صُممت بغرض إنهاء الشرعية القائمة، وشرعنة الانقلاب، أما بقية البنود فلن ينفذ منها شيء بعلم ولد الشيخ والأمم المتحدة وسفراء الدول الراعية لعملية السلام في اليمن.
وأضاف الفقيه، في تصريح خاص لـ"الخليج أونلاين"، أن اليمنيين يرفضون المبادرة لكونها ستوقف الحرب بشكل مؤقت، مع التهيئة لجولة جديدة من الحرب ستكون أعنف وستدخل اليمن في طور الحرب المنسية.
وتابع: "أي حديث عن تحقيق السلام في اليمن، دون إنهاء الانقلاب وتسليم السلاح والانسحاب من المدن والعودة إلى المسار السياسي، هو تهريج يهدف أصحابه إلى الهروب من الحقائق، أو المغالطة بغرض تمكين المشروع الإيراني في المنطقة".
خطة ولد الشيخ، التي تقول الحكومة اليمنية إنها لا تتفق مع المرجعيات الثلاث "المبادرة الخليجية والقرارات الأممية ومخرجات الحوار الوطني"، تزامنت مع تطورات ميدانية على جبهات عدة أبرزها "نهم" البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء، التي تقدمت فيها قوات الشرعية وكبدت الانقلابيين خسائر كبيرة، إلى جانب جبهات تعز والبيضاء والضالع وصعدة.
أطروحات ما بعد رفض الرئاسة اليمنية لخطة ولد الشيخ تحدثت عن بدائل عسكرية وسياسية؛ فالأولى تدعو إلى التصعيد وتعزيز الجبهات لإخضاع الانقلابيين، والثانية تطالب بتعديلات في أي مقترح لخطة سلام تكون دائمة حتى تستسيغها الشرعية، في حين قد يشكل الإجماع الشعبي نقطة فاصلة في التعامل مع الخطة.
دعوات القضاء على الانقلاب تتزايد بعد أكثر من عامين من حدوثه، شهد فيها اليمن انتكاسة اقتصادية وكوارث صحية وتعقيداً في علاقاته مع العالم، خصوصاً بعد التطور الأخير عندما أطلقت المليشيا صاروخاً باليستياً استطاعت دفاعات التحالف اعتراضه على بعد 65كم من مكة المكرمة، وهي الجريمة التي لاقت رفضاً عربياً وإسلامياً واسعاً، شدد على وجوب إنهاء الانقلاب وإعادة السلام الشامل لليمن، واعتبرها عسكريون تكشف عن مرحلة اليأس والنهاية الوشيكة للمليشيا.
المحلل السياسي عبد الواحد الحماطي علّق على تحركات الحكومة السياسية والجيش الوطني العسكرية التي تلت الموقف الواضح تجاه تحركات المليشيا ومبادرة المبعوث الأممي.
وقال الحماطي، في تصريح خاص لـ"الخليج أونلاين": إن "الحكومة اليمنية تعرف جيداً تاريخ المليشيا ولن تنطلي عليها أي مغالطات، وهي لم تدخل هذه الحرب بنية إعادة صناعة الانقلابيين بصورتهم الإرهابية التي أهلكت الحرث والنسل، وتطاولت على الحقوق والحريات والمحرمات والمقدسات، وجعلت المطالب الشعبية والرسمية تدور حول ضرورة إعادة بنية الدولة التي تأخذ في الانهيار مع كل يوم يمر من حكم المليشيا".
وتتسارع خطوات الشرعية الهادفة إلى تضييق الخناق على الانقلابيين، فعلى المستوى السياسي بدت المساعي لعقد جولة جديدة من المفاوضات متعثرة، بعد أن رأت الرئاسة اليمنية أن ما قدمه المبعوث الأممي لا يخدم اليمن، كما تحركت الحكومة على المستوى الاقتصادي بعد عودتها إلى البلاد عقب قرار الرئيس هادي في 18 سبتمبر/أيلول الماضي بنقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن.
وضيقت تبعات هذا القرار الخناق على المليشيا، في حين كان قرار الحكومة الأخير بإيقاف تحويل إيرادات الغاز المنزلي إلى صنعاء، والتي تبلغ نحو مليون دولار يومياً، القشة التي قصمت الظهر لكونها أبرز الموارد.
الحماطي حبذ أن تكون الخطوة التالية للحكومة عسكرية بنكهة اقتصادية –كما أسماها- في محور حجة والحديدة، حيث المنافذ البرية والبحرية التي تمد المليشيا بالمال والسلاح، وتشكل الشريان الخارجي الأخير لهم.
وقال: إنه "يجب أن تحافظ الحكومة على مواردها في مأرب، وتستكمل تأمين المحافظة والاتجاه نحو العاصمة صنعاء، وحال استكمال تحرير تعز ستكون المليشيا محصورة في أرض جبلية بلا موارد، وستشكل تلك العمليات صفعة قد تدفع طرفي الانقلاب إلى الهرولة لطلب أي حل سياسي يضمن لهم وجوداً سليماً ترضاه الحكومة".