حوف... جنّة الدنيا المؤقتة !
بدأت مساحة الإخضرار في حوف بمحافظة المهرة تتلاشى؛ و"الجنّة الطبيعية" التي احتضنت، على مدى الشهور الثلاثة الماضية، زوّاراً ورحّالة من مختلف المحافظات لا سيّما حضرموت، تقلّصت مساحتها مع ندرة الأمطار، وانقشاع كتل الضباب التي كانت تقيها أشعّة الشمس الحارقة.
تبعد حوف حوالي 120 كيلومتراً شرق مدينة الغيضة، عاصمة محافظة المهرة، وتصل حدودها الجغرافية، من أوّل منطقة جبلية عند الفتك، إلى الحدود المشتركة مع سلطنة عمان، كما أن مساحتها تلتفّ أيضاً حول البحر إلى منطقة فرتك بمديرية شحن البادية. وطوال خطّ السير، الذي تفضّل الغالبية العظمى سلوكه في ساعات الصباح الباكر، ثق بأنّك ستستمتع بمنظر البحر وأمواجه المتلاطمة، والجبال الشاهقة التي تداعبها سحب الغيوم الكثيفة.
إقتحام حوف خلال الفترة الممتدّة من يوليو إلى سبتمبر، يجعلك تشكّ للوهلة الأولى في أنّك تعيش في حلم جميل، تتمنّى أن لا ينتهي، تقف خلاله على أعتاب منطقة تأسر العقول وتستولي على الأفئدة. عندما تكون على متن السيّارة في الطريق صعوداً لأعالي حوف، ستداعبك الرغبة في الخروج من السيّارة كي تهيم في أرضها، وتنطلق في ربوعها مثل الطفل، عندها ستتمالكك الحيرة حتماً، وستتردّد في اختيار أيّ طريق تشقّه وأيّ ممرّ تجتازه، بحثاً عن سرّ دفين تعتقد أنّك الوحيد في حوف من ستفكّ طلاسمه أو تعثر على خباياه.
كلّ الهموم التي تشغل قلبك، والأفكار المضطربة التي تعبث في خلايا دماغك، ستجدها تتبخّر في حوف، كإنسان جديد. سترى نفسك في المرآة، وترى وجوه الآخرين من حولك، صوتك، ضحكاتك، خطواتك... كلّ شيء داخلك سيختلف لساعات، وأنت تستنشق نسيماً عليلاً، لم يتسلّل إلى صدرك من قبل أبداً.
هالة الكآبة التي كانت تطبع وجهك بعلامات الوجوم والسخط، ستزول حينما تغسل جسدك برذاذ ماء السماء العذب، وندى الأشجار المشتعلة بالخضرة.
ستجد نفسك تقترب من الأوراق المتدلّية من الأغصان والجذوع، وكأنّك تنتظر أن تسمع منها همسة أو أن تغنّي لك بصوت رقيق ونبرة ناعمة. وقد تستسلم في نهاية المطاف للإرتماء في أحضان السجادة الممتدّة على طول البصر. هدير أمواج البحر، موسيقى المطر، خرير الشلّالات، عبق التراب المعجون بالطين، ستجعلك تسبح في ذكريات القرية الوديعة والريف الأصيل والبوادي الرحبة.
مرتفعات جبلية شاهقة تخفي الكثير من ألغاز حوف، وفيها محمية طبيعية تصل مساحتها إلى نحو ثلاثين هكتاراً، تتميّز بالغابات الكثيفة وتنوّع نباتي فريد.
هذه هي حوف التي تشعّ نضارة وبهاء في فصل الخريف. فابتسم وأنت تطالع بريق عينيها، قبل أن تأفل. وارم كلّ أثقالك تحت قدميها، واسترح.
وإذا كانت الطبيعة الخلّابة تمنحك في حوف نفساً يجعلك ترى الحياة من حولك جميلة رائقة، فإن الصورة في نصفها الآخر تبدو ناقصة إن لم نقل مشوّهة على يد خليفة الله في الأرض. فقائمة طويلة من الخدمات تفتقر إليها حوف الخالية تماماً من البنية التحتية والمنشآت الفندقية والسياحية. وفي ظلّ الحرب المستمرّة، يبدو الحديث عنها الآن مضيعة للوقت، ونوعاً من الترف المستفزّ، لكن نذكر فقط أنّه منذ سنوات كانت حوف تنتظر وما زالت شقّ خطّ دائري حول محيطها، يبرز المنطقة الجبلية من صرفيت إلى أن يلتقي بمنطقة نتخ. وفي مجال الخدمات الصحّية، يوجد مستوصف طبّي متكامل قدّمته سلطنة عمان هدية للمهرة، لكنّه حتّى الآن غير فاعل، ويقدّم خدماته بصورة جزئية، وغالباً ما يضطر أهالي حوف إلى الإنتقال إلى الغيضة للعلاج في المستشفى الحكومي الوحيد في عاصمة المهرة.
أبناء مديرية حوف يجمعون بين مهنتين أو ثلاث تقريباً؛ العمل في البحر في موسم الفتوح الذي يبدأ من شهر سبتمبر وأكتوبر، وبعضهم يشتغلون في حقول الزراعة، ومنهم أيضاً من يمتلك مواشي يعتمد عليها في الرعي كمصدر للدخل.
في حوف، تبرز أصوات مجتمعية معارضة لإنشاء الفنادق وتحويلها إلى مزار للأفواج السياحية بلا حسيب ولا رقيب، مردّ هذه المعارضة مظاهر التلوّث البيئي، الناجمة عن فضلات ومخلّفات من يرتادونها بعد تناول الطعام، أو من يشعلون الحرائق في أشجارها لإيقاد النيران للطبخ أو للتدخين بالفحم.
مساحات واسعة في الخطّ الإسفلتي في حوف تتحوّل، بفعل هطول الأمطار، إلى بؤر تتزلحق فوقها السيارات، ما يؤدّي إلى وقوع حوادث مرورية، يسقط على إثرها ضحايا يتمّ إسعافهم في الغالب إلى سلطنة عمان. ويبدو أن نوعية الإسفلت غير الصالحة للتأقلم مع الأمطار، واختلاطها بزيوت السيّارات، هي التي تجعل الهبوط من حوف بسرعة زائدة، مغامرة محفوفة بالمخاطر.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها