صنعاء تعلن التصعيد من طرفٍ واحد!
الإعلان عن تشكيل حكومة من قبل جماعة الحوثي وحليفها "المؤتمر الشعبي العام" ربما قد سبق وأن تمّ الإفصاح عنه، ولكنه هذه المرة دخل مرحلة الجدّية أكثر عما قبل كما يبدو. تجاوز الأمر مرحلة الإعلان، ليدخل مرحلة التكليف بالتشكيل، والدكتور عبد العزيز بن حبتور يقف في الواجهة، وينتظر منه الآن الإعلان عن أعضاء الحكومة وعن برنامجها ومهامّها.
وتأتي هذه الخطوة السياسية في سياق جملة من المواقف والإجراءات التي قامت وتقوم بها حكومة عبد ربه منصور هادي. كان آخرها إقدامها على نقل البنك المركزي إلى عدن، وربما هذه النقطة بالتحديد مثّلت دافعاً كبيراً لدى فريق "أنصار الله" وحلفائها نحو ترتيب أوراقهم السياسية، مقابل ترتيب حكومة هادي أوراقها، ولكن بشكل يوحي بتأزّم المواقف وتعقّدها، لا انفراجها.
خطوة حملت الكثير من الرسائل السياسية، سواء على المستوى المحلّي أو على المستوى الإقليمي والدولي، خصوصاً في ظلّ ما تقوم به الأمم المتّحدة ومبعوثها إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، من تحرّكات وجهود، ينتظر أن تتوصّل إلى جمع الأفرقاء من جديد على طاولة الحوار، والتوصّل من خلالها إلى حلّ نهائي للأزمة اليمنية التي طال أمدها.
بعض المراقبين السياسيين يرون في الخطوة ردّة فعل وموقفاً موازياً لآخر، ولـ"أنصار الله" وحلفائها تقديراتهم السياسية، في سياق تقوية موقفهم. في حين، يرى آخرون أن الخطوة صورة من صور استمرار الحرب على كلّ الأصعدة، ويحمّلون أطراف صنعاء مسؤولية ما سيعلنون عنه من نقل البنك المركزي مثّل دافعاً كبيراً لدى فريق "أنصار الله" وحلفائها نحو ترتيب أوراقهم السياسيةتصعيد.
يقرأ البعض تكليف بن حبتور بتشكيل حكومة من قبل سلطة الأمر الواقع في صنعاء، على أنه متلازم مع خطوة تالية حتمية هي قيامه بـ"فكّ ارتباط" النظام المصرفي للمحافظات الـ 11 الشمالية الواقعة تحت سيطرة تحالف "أنصار الله"، من خلال مواصلة البنك المركزي عمله من صنعاء كبنك مواز، على افتراض نجاح حكومة بن دغر في أداء المهامّ التي يفترضها نقل البنك المركزي إلى عدن، وهي مهامّ الدولة كاملة.
مقابل هذا الطرح، يتحمّس آخرون لقرار تكليف بن حبتور، منتظرين بفارغ الصبر إعلان التشكيلة الحكومية. حماس لا ينطلق من خلفية الموقف السياسي فقط، بل لجهة السيرة الذاتية للمسمّى لهذا المنصب، كون بن حبتور من خبراء الاقتصاد المعروفين، وهو ما يشكّل رافعة لهذه الشخصية، كون التحدّيات المالية والاقتصادية الكبيرة تتطلّب نجاحات من قبل الفريق الداعم له في هذه الملفّ، وبإمكان بن حبتور أن يقدّمها، بحسب هؤلاء.
وبين هذه القراءة ونقيضها، ثمّة موقف وسطي، عبّر عنه بعض الكتاب والمحللين، على رأسهم الكاتب الصحافي، محمد عايش، الذي اعتبر أن قرار تشكيل الحكومة في صنعاء يماثل في خطورته، ومن معظم النواحي، قرار هادي وحكومته بنقل البنك المركزي إلى عدن، ويقول عايش "أنصار الله والمؤتمر لم يقصروا من جانبهم، فقد قابلوا معروف هادي بمعروف، و ردوا على التحية بأحسن منها، حين قرروا تشكيل حكومة، وهو قرار سيعيدهم إلى واجهة المسؤولية عن الوضع الاقتصادي والخدمي أمام المواطن، وبما قد يخفف لحدٍ ما عن هادي وحكومته مسؤوليتهم التي استتبعت قرار نقل البنك المركزي إلى عدن". ويسأل عايش "من أين ستأتي الحكومة بموازنة؟ وكيف؟ ونحن لا نفط ولا غاز ولا عائدات جباية شحيحة ولا منح دولية ولا اعتراف دولي من الأساس؟" ويجيب "ما دام لا موازنة، فلن يكون لدى الوزراء من أعمال غير تلك التي يؤدّيها إلى الآن القائمون بالأعمال! ولذلك كلّه فإن تشكيل الحكومة، من وجهة نظري، يصبح رسالة سياسية، أكثر منها وظيفية، وهذا هو الجانب الثاني من جانبي تقييم قرار التشكيل، وخلاصة الرسالة من هذه الزاوية، هي إذاً: استمرّوا في حربكم وأحلامكم بالانتصار، وسنمضي بدورنا في فعل ما يتوجّب علينا فعله".
النقطة الأخرى، التي أثارت جدلاً واسعاً وأثارت ردود فعل كبيرة في هذا السياق، هي تلك المتعلّقة بشخصية بن حبتور، الذي كان يقف في صفّ شرعية الرئيس هادي، ويعلّق شايع على المسألة بالقول "من الانطباع الأوّل يبدو بن حبتور كما لو كان الأخ غير البيولوجي لبن دغر، فكلاهما من ذلك النوع الذي يحتفظ في جيبه دائماً بتذكرةٍ من اتجاهين: ذهاب وإياب.. من صالح إلى هادي ومن هادي إلى صالح...".
في الخلاصة، قرار تشكيل حكومة في صنعاء أحد المواقف التصعيدية وعامل آخر من عوامل المواجهة بين الأطراف، والكلّ لا يزال يضغط باتّجاه تمرير مواقفه من مربّعه.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها