أشرف عليها صالح بنفسه.. أكبر عملية تدمير لتلفزيون اليمن بجهاز مغنطقة خاص
العملية التي وصفت بأكبر عملية تدمير للوثائق التلفزيونية، مازالت تنتظر إجراءً من وزارة الإعلام، لملاحقة المتورطين، واستعادة العشرات من المعدات والتجهيزات الخاصة بقطاع التلفزيون بينها أجهزة وعربات ومحطات بث واستقبال تلفزيونية خرجت من المؤسسة ولم تعد حتى الآن.
تؤكد وثائق رسمية حصل عليها "المصدر أونلاين" على نسخة منها أن مكتبة قطاع التلفزيون (القناة الفضائية والأولى) تعرضت "لعملية منظمة لإتلاف وإخراج ما يقارب عشرة آلاف شريط وثائقي "تخص أخبار الرئيس السابق علي عبد الله صالح).
لكن عملية التدمير لم تطل المكتبة فحسب، فقد حدث ما يشبه السطو على المكتبة التلفزيونية، حيث جرى نسخ المئات من الأغاني والبرامج والمسلسلات المحلية والعربية وتسليمها إلى قناتي "اليمن اليوم"، المملوكة لنجل صالح، و"آزال" التابعة للشيخ محمد ناجي الشائف والمؤتمر الشعبي العام.
بحسب مصادر خاصة، فإن قناة "اليمن اليوم" وتجهيزاتها هي ذاتها التي كانت تتبع قناة "أوسان" الممولة من حساب التوجيه المعنوي في وزارة الدفاع قبل تغيير اسمها، وجرى الاستيلاء عليها من قبل قائد الحرس الجمهوري أحمد علي، عقب الانتفاضة الشعبية التي أجبرت والده على التنحي عن الرئاسة.
بهذا الخصوص، تفيد وثائق اللجنة المكلفة بالتحقيق في وقائع تدمير المكتبة وإخراج المعدات باختفاء العشرات من التجهيزات والمعدات بينها محطات بث واستقبال وعربات نقبل مباشر خرجت من قطاع التلفزيون (الأولى والفضائية) إلى دار الرئاسة ودائرة التوجيه المعنوي مطلع مايو 2011، ولم تعد حتى الآن (راجع الجدول).
وعقب توقيع صالح للمبادرة الخليجية تعرض مقر دار الرئاسة للتخريب بصورة انتقامية بما في ذلك "حنفيات الحمامات" وتم الاستيلاء على كل محتوياته من قبل "المخلوع" وعائلته، بحسب إفادة مصدر عسكري - طلب التحفظ على هويته.
طيلة 33 عاما، ظلت تحركات علي صالح وكل ما يتصل بشخصه، الخبر الرئيسي الباسط على نشرات الأخبار في التلفزيون الرسمي، فلماذا لجأ لتدمير أرشيف التلفزيون المتعلق بشخصه؟
تكمن القصة في التالي: كل أعمال المسح التي طالت أشرطة الفيديو استهدفت 8 آلاف شريط هي عبارة عن أصول مسجّلة قبل "المنتجة". لعل هناك ما كان يخشى صالح من ظهوره إلى العلن، فالمعلوم أن خطابات صالح وتحركاته الموثقة في الفيديو كانت تخضع للقص والحذف و"المنتجة" قبل بثها في أجهزة الإعلام الرسمي خصوصا التلفزيون.
عندما كان صالح يوجه ضرباته الوحشية للثورة الشعبية، ويقتل الشباب في الساحات، كان يدرك أكثر من غيره أن بقاءه في الحكم أصبح مستحيلا. حتى بعد إطلاق المبادرة الخليجية التي اعتبرت بمثابة طوق النجاة لصالح لدى الكثيرين، كان الرجل يدرك جيدا أن عليه أن ينشغل بشيء آخر لم يدرْ في خلد كثيرين: تدمير ما يعتبره خطرا آخر يحدق به موجود في أرشيف مكتبة التلفزيون.
بحسب تقرير اللجنة المكلفة بالتحقيق بشأن "مغنطة أشرطة أصول وثائق أخبارية رئاسية"، التي شكلها رئيس القطاع حسين عمر با سليم في نهاية أبريل الفائت، فقد اعترف مدير مكتبة الأخبار بصحة عملية مغنطة ما يُقارب أربعة آلاف شريط وثائقي "أصول" خاصة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح، وكذلك إخراج حوالي 4 آلاف شريط (أصول) لرئيس الجمهورية السابق بتوجيهات رئيس القطاع حينها "عبر مندوب التوجيه المعنوي"، بالإضافة إلى ذلك، تم اخراج 386 شريطا عبر موظف في التلفزيون يدعى حسن عطية.
وكان واضحا أن العملية يشرف عليها الرئيس السابق من خلال معاونيه في الرئاسة، فقد سبق هذه العملية إدخال جهاز لمغنطة (مسح) هذه الأشرطة بواسطة شخص أرسل خصيصا لإدخال الجهاز إلى التلفزيون. وتقول لجنة التحقيق: إن مدير مكتبة الأخبار أقر بذلك، وأن جهاز المغنطة أدخل إلى التلفزيون "عبر شخص من رئاسة الجمهورية (لا يعرف اسمه)، وبتوجيه شفهي من القائم بأعمال القطاع حينها عبد الله علي الحرازي". بالإضافة إلى ذلك، أقر رئيس قسم الحركة بقناة "اليمن" بعملية نقل مجموعة من الأشرطة من مكتبة الأخبار، وتسليمها شخصيا لعلي الشاطر، مدير دائرة التوجيه المعنوي السابق المقرب من صالح، وبأمر شفهي من الحرازي، وجرت عملية التدمير والتلاعب تلك خلال الفترة من مايو إلى يونيو 2011م.
وتقول اللجنة: إن الحرازي (نائب رئيس القطاع) أقر بإصداره التوجيهات بإخراج تلك الأشرطة. غير أنه قال إنه فعل ذلك "بتوجيهات عليا"، وهي الجملة التي كانت تعني مباشرة الرئاسة.
لكن الحرازي يجلب مبررا ينطوي على قدر من الاستغفال، فهو يقول إنه وجّه مدير المكتبة للقيام بعملية المغنطة (المسح) وتدمير محتوى الأشرطة الوثائقية (أصول) الخاصة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح وتسليم مجموعة من هذه الأشرطة إلى التوجيه المعنوي، من أجل "إعادة استخدامها". يكشف الحرازي في الجزء الآخر من رده الذي أوردته اللجنة، بطريقة ضمنية، عن أن الأشرطة (الأصول) كانت المستهدفة من عملية التدمير، فتقرير اللجنة يقول: إن الحرازي "أقر بوجود الأشرطة الوثائقية الخاصة بالرئيس السابق في مكتبة الأخبار، لكن بعد "المونتاج". في النتيجة أراد صالح إخفاء أشياء لا يريد أحدا الاطلاع عليها، رغم أنها تتعلق بفترة زمنية، قد تكون الأسوأ في التاريخ الحديث بنظر الكثير من اليمنيين، لكن ما تم تدميره ينطوي على قيمة تاريخية مهمة.
يختم تقرير اللجنة بإشارة مهمة: فبالرغم ما توصلت إليه اللجنة من معلومات "إلا أننا لم نتوصل إلى كل المعلومات التي يمكن أن تجيب على كل الأسئلة المثارة، والتي من خلالها يمكن الوصول بشكل كامل إلى الهدف الحقيقي من هذه العملية التي أضرت كثيرا بالمكتبة الوثائقية التابعة للإدارة العامة للأخبار، بقناة اليمن".
يستنتج رئيس قطاع التلفزيون، حسين باسليم، من محاضر التحقيق وتقرير اللجنة "وجود عملية منظمة لإتلاف وإخراج ما يقارب 10 آلاف شريط وثائقي تتضمن أخبار الرئيس السباق علي عبد الله صالح". ويقول باسليم في رسالة موجهة إلى وزير الإعلام علي العمراني بتاريخ 26 أبريل الماضي: إن "هذه العملية أهدرت تاريخا مهما لمرحلة عمرها 33 عاما ووصفت بأنها أكبر عملية تدمير للوثائق التلفزيونية".
وكانت رسالة رئيس القطاع تشير إلى "قضايا أخرى تخص القطاع لم يتم حسمها"، مثل: قضية "إخراج أجهزة ومعدات خاصة بقطاع التلفزيون في النصف الثاني من العام 2011"، بالإضافة إلى "عملية نسخ منظمة لمكتبة التلفزيون، والتي تم تجميعها خلال أكثر من 40 عاما ولا تقدر بثمن، إلى جهات أخرى، وهي أموال عامة والتصرّف بها بغير وجه حق يعد إخلالا بمبدأ العمل والأمانة". واقترح باسليم على الوزير العمراني إحالة هذه القضايا إلى الجهات المختصة.
تكشف الوثائق الخاصة بأعمال النسخ، التي تمت لمكتبة التلفزيون، عن عملية سطو طالت أيضا أرشيف تلفزيون "عدن". لكن الضحية ليس أرشيف التلفزيون وحده، بل طال الأمر فنانين ومنتجين، وحتى شركات الإنتاج الدرامي المحلي والعربي. مثلا: جميع الأغاني التي سُجلت لفضائيتي "اليمن" أو "الأولى"، وقناة "عدن" منذ دخول التلفزيون اليمن، لن تشاهدها حكرا كما هو مفترض على هذه القنوات، فهناك قنوات أخرى استطاعت الاستيلاء عليها من أرشيف التلفزيون بتسهيلات نظام صالح نفسه.
بين أيدينا 24 وثيقة هي عبارة عن مراسلات لقناة "آزال"، المملوكة للشيخ المقرب من صالح، محمد بن ناجي الشائف، بالشراكة مع المؤتمر الشعبي العام، وقناة "اليمن اليوم"، المملوكة لنجل صالح، بعض مراسلات "آزال" ممهورة بتوقيع الشيخ الشايف كرئيس لمجموعة "الشايف الدولية"، وهي مجموعة شركات تعمل في مجالات عدّة على ما يبدو، بالإضافة إلى أخرى يظهر فيها رئيسا لمجلس إدارة "آزال". بينما جاءت مذكرات اليمن اليوم ممهورة بتوقيع المدير العام التنفيذي أحمد عمر بادويلان.
جميع مراسلات القناتين محملة بالعديد من الطلبات، ملخصها: جميع ما تحتويه مكتبة التلفزيون اليمني في صنعاء وعدن: أغاني وطنية وأخرى عاطفية لكبار الفنانين اليمنيين من جيل الرواد في الجنوب والشمال، بالإضافة إلى أغاني جيل الشباب، خصوصا المنتمية للون الصنعاني.
هناك برامج دينية واجتماعية وصحية وفنية ورياضية جرى نسخها بالكامل، بالإضافة إلى مسلسلات ومسرحيات محلية وعربية، وهناك برامج عربية وعالمية، لا يملك التلفزيون اليمني حق بيعها، وتم نسخها إلى "آزال" و"اليمن اليوم"، بكل بساطة. اللافت أن عملية النسخ جرت حتى لمسلسلات عربية وأفلام أجنبية (آزال ركزت على اللون البدوي في الدراما العربية) ووثائقيات منوعة. وقد جرى كل ذلك دون اكتراث بالحقوق المادية والفكرية للمعنيين من فنانين وممثلين وشركات إنتاج فضلا عن التلفزيون اليمني نفسه. وللدقة، فإن بعض هذه المراسلات كانت تردف مذكرتها بأنه سيتم دفع قيمة المواد المنسوخة "فور ورود فاتورتكم" أو "سيتم محاسبتكم بالأسعار الرمزية المقرة من قبلكم"، وفقا لأكثر من رسالة.
جميع عمليات نسخ المواد تمت خلال النصف الثاني من العام الفائت، وبعضها كان في الأيام الأخيرة لصالح في الرئاسة. لقد استغل الرجل وعائلته وجودهم في السلطة للسيطرة على كل شيء، وختم عهده بعملية سطو أدت إلى الاستيلاء على قناة "أوسان" الممولة والمجهزة من مخصصات وزارة الدفاع، وغدت تعمل تحت اسم "اليمن اليوم"، لينتهي الأمر بالاستيلاء على أرشيف التلفزيون في صنعاء وعدن بجرة قلم.
للتحقيق في عدد من هذه القضايا، أصدر وزير الإعلام علي العمراني في 20 مايو القرار رقم 40 لسنة 2012 قضى: بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق مع عبد الله الحرازي ومن اشترك معه بإخراج الأجهزة والمعدات، ونسخ وإتلاف الأشرطة الوثائقية الخاصة بتلفزيون قناة اليمن الفضائية والأرضية وغيرها من القطاعات.
وكان القرار منح اللجنة مدة شهر لانجاز عملها و"رفع تقرير مفصل ومحدد يوضح فيه كافة المتسببين بارتكاب تلك المخالفات، موضحا فيه أسماء الموظفين وصفاتهم وتحديد الأفعال التي ارتكبها كلٌ منهم، مع تضمين مقترح بالمعالجات والجزاءات المقترحة وتحديد قيمة تلك الأصول التي تم إخراجها أو تأجيرها أو إهداؤها من دون وجه حق إلى جهات أخرى أو تلك الأصول التي تم إتلافها". لقد مر حتى الآن قرابة نصف العام ومازال كل شيء على ما هو عليه: المنهوبات لم تعد، ومرتكبو هذه الأفعال في منأى من العقاب، وتلفزيون قائد الحرس يعمل من الأرشيف المنهوب.
سبق لقناة "السعيدة"، أن استولت على كامل الأرشيف في المكتبة التلفزيونية في قناتي عدن وصنعاء، حيث جرى نسخه بتوجيهات عليا، على ما ذكرت المعلومات في حينه عندما تأسست قبل 3 سنوات.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها